7 يوليو 2025 / 18:22

“سنة وإصلاح”.. خلاصة ما أراده عبد الله العروي

محمد زاوي
المتكلم فيلسوف في زمنه، والفيلسوف متكلم في زمنه أيضا؛ كلاهما يخدمان سلطة ما، أو سياسة ما، إذا تحدثا في الدين أو في غيره. وما يهمنا هنا هو حديثهما في الدين من زاوية علاقتهما بسلطة ما، أو سياسة ما.

بانتشار العلم الموضوعي وسيادته، تصبح للمتكلم والفيلسوف أدوار غير التي كانت لكل منهما في السابق. ينحسر عملهما السابق في الذاكرة ـ حيث يتركز الدين بشكل بارز ـ لصالح سلطة ما، بل يصبح العمل غير العمل، وقد تصبح السلطة غير السلطة.

النبي إبراهيم فارق في الزمن، مرتبط بشرطه، حيث ظهور الكتابة والدولة، وبالتالي التفاوت الاجتماعي، أي لما أصبحت السيطرة السياسية والإيديولوجية سيطرة اجتماعية (على أساس الملكية الخاصة)، ولما أصبح الدين إيديولوجيا دينية تخدم هذه السيطرة. هناك مساحات شاسعة في سيرة إبراهيم وقصته، تبقى عرضة لعمل المتكلم والفيلسوف، ما لم يملأها العلم الموضوعي. لقصة إبراهيم شرط قديم، سلطة قديمة جاءت نتيجة لتفاوت اجتماعي. ولاستدعائها وإعادة إنتاجها شرط جديد، سلطة جديدة أو نموذج جديد للسلطة تنتجه تناقضات اجتماعية مختلفة.

الأديان التوحيدية تسلسل في الزمن، قبل أن تكون اختلافا في المتن. يدل بعضها على بعض، ويبقى بعضها في بعض ما بقي تاريخ سابق في لاحقه، وما نشأ الثاني في أحشاء الأول. بفهمها سياسيا، وفي سياقها الاجتماعي، يتحقق تسامحها في التاريخ وفي واقعها الحالي أيضا. هناك أساس لتنزيلها والوحي بها، وأساس آخر لتحريفها والتدخل فيها عبر الزمن. هذا الأساس هو واقعها السياسي والاجتماعي، واقع ظهورها وتطورها.

المدينة غير مكة، التاريخ غير الوجدان. بالهجرة وضعت النبوة وجدان ثلاث عشرة سنة في تاريخ عشر سنوات، وما بعدها من تاريخ تأسيس الدولة وتوسعها. يشهد القرآن المكي على خصوصية المرحلة الأولى، والمدني على خصوصية الثانية. السيرة غير السيرة أيضا، ففي المدينة انضافت السياسة إلى شخصية الموحى إليه، احتكت دار الأرقم بمجريات الغزو والسرايا، واختبِر ابتلاء قريش في اقتصاد أهل يثرب، وأصبحت الجماعة المخلصة جزءا من مجتمع متعدد (الأوس والخزرج بمسلميهم ومشركيهم ومنافقيهم، اليهود).

السياسة قبل الشريعة لا العكس، من سار عكس المنحى أضاع الحقيقة. السياسة قبل الكلام، وقبل الفقه والتصوف. السنة والشيعة والخوارج تناقض في السياسة قبل أن يكون تناقضا في الشريعة، المعتزلة والأشاعرة نتاج لذات التناقض، المذاهب الأربعة تسلسل في الزمن والسياسة، ظاهرية ابن حزم مشروطة بواقع سياسي خاص في الأندلس.

يعكس التوحيد في العقيدة توحيدا آخر في السلطة، وكلما تسامى التجريد في السماء إلا واشتد أمر السلطان في الأرض. كذلك تعكس عقيدة السنة تفاوتا ما في المجتمع. يبرر الفقيه السني التفاوت الاجتماعي بعقيدة خاصة، فذلك من الإيمان بقضاء الله وقدره. بهذا تصبح للقدر سلطة، تجعل من التفاوت واجبا يستحق منكره التكفير.

تنكر السنة تاريخها، الواقع الذي أفرزها، فيمكر بها. تواجه ما لا يروقها، تسميه بدعة، ولا تعي بدعيتها هي أيضا، كونها “سنة مبتدعة”، “نيو سنة” بتعبير العروي. الدليل التاريخي على هذا القول يؤكد تجدد السنة، انعكاس واقع جديد في سنة قديمة، فينتج سنة جديدة، مبتدعة ومبتكرة على مقاس السلطة الجديدة.

وهنا يمكننا الحديث عن حنفية الأتراك أو أثرية الهند المستعمرة أو السلفية الوطنية بمغرب الاستعمار.