عرفت الجلسة الثانية لمؤتمر الحوار الإسلامي – الإسلامي، بالأمس بالبحرين، نقاشات معمقة حول تعزيز التفاهم والتسامح بين المذاهب الإسلامية، بمشاركة نخبة من العلماء والقيادات الدينية والفكرية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
وأجمع المتحدثون على أهمية استعادة العلماء لدورهم المحوري في توجيه الخطاب الديني نحو الوحدة والتكامل، بدلا من التركيز على الجزئيات الخلافية التي تعمّق الانقسامات وتضعف تماسك المجتمعات الإسلامية.
ومن جانبه، أكد الدكتور سعيد شبار، الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى بالمغرب، أن كثيرا من النزاعات الفكرية والصراعات الدينية ليست نتيجة لاختلاف جوهر الدين، بل تعود إلى اختلال في ترتيب أولويات فهمه.
وأوضح أن الأصول الدينية الكبرى والقيم الكلية شكلت عبر التاريخ أرضية مشتركة بين المسلمين، مكنت من استيعاب تعدد الاجتهادات الفقهية وتقليل حدة الخلافات المذهبية، غير أن الانزياح نحو التركيز على الجزئيات والخلافات الفرعية على حساب تلك الأصول أدى إلى تفتيت المجتمعات الإسلامية وإضعاف وعيها بوحدتها.
وأشار إلى أن الدين منظومة متكاملة تقوم على أصول جامعة، فيما تأتي الفروع والجزئيات في خدمتها، معتبرا أن الخلط بينهما ساهم في شيوع النزاع الفكري والصراع الطائفي.
وأضاف أن التراجع عن هذه الرؤية الجامعة لصالح التشدد في قضايا ثانوية، أسهم في بروز أزمات فكرية عميقة في المجتمعات الإسلامية، داعيا العلماء إلى إعادة الاعتبار للمبادئ الكلية في الخطاب الديني، لتعزيز الوحدة والانسجام.
ومن جانبه، شدد علي الأمين، عضو مجلس حكماء المسلمين، على أن الاختلاف الفقهي لطالما كان مصدر إثراء فكري وليس سببا للخلافات المجتمعية، معتبرا أن التداخل بين الدين والسياسة أدى إلى استغلال التنوع الفقهي في تأجيج الصراعات.
وأكد أن إنشاء مؤسسات دينية تعليمية مشتركة بين المذاهب سيسهم في ترسيخ ثقافة الاعتراف المتبادل والتسامح، ويعزز الروابط الإسلامية بعيدا عن الاستقطاب الطائفي.
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور نظير عياد، مفتي جمهورية مصر العربية، أن المواطنة ليست فكرة غربية دخيلة على الإسلام، بل هي مبدأ أصيل تجلى بوضوح في “وثيقة المدينة” التي وضعها النبي ﷺ لتنظيم التنوع داخل الدولة الإسلامية، مؤكدا أن المواطنة لا تتناقض مع الهوية الدينية، بل تدعمها وتعزز التلاحم المجتمعي.
واقترح تأسيس رابطة عالمية مستقلة لتوحيد جهود التقريب بين المذاهب والمؤسسات الدينية، بعيدا عن الأجندات الطائفية، إلى جانب تعزيز العمل المشترك في مجالات الإغاثة ومحاربة الفقر والجهل باعتبارها قضايا إنسانية تتجاوز الانتماءات المذهبية.
وفي كلمته خلال الجلسة، أشاد الشيخ الخليفة محمد المدني تال بدور مملكة البحرين في استضافة المؤتمر، مؤكدا على جهود جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في دعم المبادرات التي تعزز قيم التسامح والتعايش السلمي واحترام التعددية الدينية.
وأكد أن تعزيز الحوار والانفتاح هو ضرورة للحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية وتماسكها في ظل التحديات الراهنة.
وبدوره، اعتبر الدكتور علي عبد الصاحب الحكيم، الأمين العام لمؤسسة الإمام الحكيم، أن الاختلاف الفقهي ظاهرة طبيعية في أي منظومة فكرية، لكنه لا ينبغي أن يتحول إلى مبرر للصراع والانقسام.
وشدد على أن التعرف على المذاهب الأخرى والاطلاع على مرتكزاتها الفكرية يساهم في تقويض الأحكام المسبقة ويحد من النزاعات الطائفية.
ويجمع هذا المؤتمر أكثر من 400 شخصية دينية وفكرية من 66 دولة، حيث تركز النقاشات على أن الوحدة الإسلامية لا تعني إلغاء التنوع، بل الاستفادة منه في بناء مجتمعات أكثر تماسكا وانسجاما، وأن إحياء القيم المشتركة بين المذاهب هو الحل الأمثل لتعزيز التفاهم والتسامح داخل العالم الإسلامي.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23552