سعيد الكحل
يواصل البيجيديون مسلسل مكرهم ضد الدولة والشعب والنظام دون وازع ديني أو ضمير أخلاقي أو رادع دستوري. مكْر متأصل فيهم ثقافة وعقيدة إيديولوجية منذ النشأة الأولى وسيلازمهم على مدى حياتهم السياسية والحزبية المحكومة بتلك العقائد التي تعلو على مصلحة الوطن والشعب . فهم يدورون مع عقائدهم الإيديولوجية حيث دارت حتى وإن صادمت مصالح الوطن وناقضتها . فهم لم يأتوا إلى الحياة السياسية من باب خدمة الصالح العام وتقوية لُحمة الشعب كما هو شأن عموم الأحزاب السياسية الوطنية. ذلك أنهم أسسوا تنظيمهم على قاعدة تقسم المغاربة إلى فسطاطين : فسطاط “المؤمنين” وهم أتباع تنظيمات الإسلام السياسي التي يجمع شتاتها وفصائلها مبدأ “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما” ؛ وفسطاط “الكافرين والمرتدين والعلمانيين” الذي يشمل بقية الشعب وتنظيماته السياسية والمدنية التي لا تدين بعقيدة الإسلاميين الإيديولوجية.
ففي كل المحطات الانتخابية والمعارك السياسية والحقوقية والدستورية يطغى مكر الإسلاميين بالسعي إلى تمزيق وحدة الشعب وزرع بذور الفتنة بين مكوناته (معركة خطة إدماج المرأة في التنمية ، معركة الدستور ، معكرة قانون الإجهاض ، معركة الحريات الفردية ، معركة تجريم تزويج القاصرات ..). في كل هذه المعارك غيّب البيجيديون مصلحة الوطن والشعب وغلّبوا الإيديولوجية ؛ لكن ظل مكرهم يتوارى خلف “الهوية” ويرتدي لُبوس “الدفاع عنها”.
أما اليوم ، وبعد أن اقتضت المصالح العليا للوطن الوضوح في الاختيار بين الوطن وبين الإيديولوجية ، أي بين مصالح الشعب وبين أهداف الإسلام السياسي ، انكشفت حقيقة البيجيديين ولم يعد ممكنا لهم الاختباء وراء الهوية الوطنية للشعب المغربي أو التقمص دور حراس الفضيلة. لقد صار “اللعب على المكشوف” ؛ حينها صار مكر البيجيديين واضحا مفضوحا ( هاجوا وماجوا ضد إغلاق المساجد في الصلوات الجماعية في فترة الحجر الصحي ، إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ..).
ما كان البيجيديون يعتبرون أنفسهم جزءا من الدولة حتى وهم على رأس الحكومة يدبرون الشأن العام. فالدولة في عقيدتهم الإيديولوجية لا تمثّل مشروعهم السياسي ، بل هم ساعون إلى نخر أسسها ومؤسساتها تمهيدا لإقامة الدولة الدينية المنشودة لديهم ، أي “دولة الخلافة”. من هنا انفضح مكر الاستقالات من العضوية في الحكومة (استقالة الرميد) ومن المسؤوليات الحزبية (استقالة أبو زيد والعمراني والأزمي ..).
طبعا من حق أي عضو في الحكومة أو الحزب أن يقدم استقالته من مهامه ، لكن مبررات الاستقالة هي التي فضحت مكر البيجيديين وتوزيع الأدوار بينهم ليظهروا للشعب أنهم غير مسؤولين عن القرارات التي اتخذوها داخل الحكومة بدعوى أنها قرارات النظام والدولة وليست قرارات الحزب. إنهم ، ومنذ التأسيس ، يعلنون أن الدولة بقوانينها وتشريعاتها لا تمثل توجهاتهم ، وأنهم قرروا المشاركة السياسية في مؤسسات الدولة وهياكلها ، ليس بهدف خدمة المصالح العليا للوطن وللشعب ، ولكن لأسلمة الدولة والمجتمع معا.
في هذا السياق تأتي تصريحات مسؤولي البيجيدي أنهم غير راضين أو موافقين على قرار الدولة بإعادة ربط العلاقات مع إسرائيل تماشيا مع ما تقتضيه المصالح العليا للوطن ؛ ومن ثم يتنصلون من أية مسؤولية حتى وإن وقّع أمينهم العام أو شاركوا في اللقاءات الثنائية بين المسؤولين المغاربة ونظرائهم الإسرائيليين. ومن أجل الدفع بالمكر إلى مداه لإيهام الشعب أنهم مناصرون للقضية الفلسطينية وغير مسؤولين عن قرارات الحكومة ، ربطوا مكرا وخسة ، بين إعادة العلاقة مع إسرائيل وبين “خيانة” القضية الفلسطينية.
كما جاءت تعليلات الاستقالة التي قدمها أبو زيد والأزمي تصب كلها في اتجاه أن أعضاء الحزب في الحكومة مغلوبون على أمرهم ، وأن التوقيع على الإعلان المشترك كان كرْها. فالاستقالة هنا تبتغي الحفاظ على دماء وجوه البيجيديين وتلميعها حتى تسترد تعاطف الناخبين مع الحزب . فالأمر إذن ، مكر وخداع حتى يظهر الحزب على صورته الأولى التي سوّقها منذ نشأته ،وهي أنه وفيّ لمبادئه وشعاراته ؛ وفي نفس الوقت يسعى المستقيلون إلى تقوية موقف قيادتهم لابتزاز الدولة والضغط عليها ، سواء في مراجعة قرار إعادة ربط العلاقة مع إسرائيل ، أو على الأقل وقف التنسيق والعمل المشترك معها ، أو انتزاع مكاسب سياسية لفائدة الحزب خصوصا وأن هذا الأخير يخوض معركة القاسم الانتخابي واللائحة الوطنية للنساء والشباب.
فالحزب يرسل رسائل إلى من يهمه الأمر أن غليانا يجري داخل الحزب، وسيهدد الدولة والحزب معا. ذلك أن قيادة الحزب كانت باستمرار تقدم نفسها”منقذة” المغرب/النظام من كارثة “الربيع العربي” ، وإليها يعود فضل الحفاظ على الاستقرار. فالبيجيديون يربطون زورا بين حزبهم وبين استقرار المغرب واستمرار النظام. أي يقدمون أنفسهم أنهم “أولياء النعمة” للجميع : دولة ونظاما وأحزابا وشعبا.
هذيان العظمة هذا الذي أصاب أول الأمر بنكيران فاستأسد ضد الدولة والأحزاب والنقابات ، أصاب بقية أعضاء الحزب ، وها هم يصرّفونه على أكثر من مستوى ، متجاهلين حقائق تاريخية وثقافية وسياسية هي التي تشكل هوية المغاربة ووحدة الشعب وقوته في مواجهة المكائد والمخططات العدائية. إن الحزب لم يرتدع من درس “البلوكاج” الذي عصف بجبروت بنكيران وأذل “طاووسيته” فظل يناور ويمكر. فالذين يقدمون استقالتهم اليوم عليهم أن يعلموا أن الناخبين لم يصوتوا على مرشحي حزبهم لمناصرة القضايا القومية ولا نصّبوهم لهذه المهمة ، ولكن انتخبوهم لمحاربة الفساد ونهب المال العام وللتوزيع العادل للثروات وتكافؤ الفرص بين المواطنين ، وللرفع من الأجور وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.
لا شيء من هذه الأهداف تحقق ، بل العكس هو الذي حصل طيلة الولايتين المتتاليتين لحكومة البيجيدي. لقد استشرى الفساد والنهب واتسعت دائرة الفقر والبطالة وارتفعت المديونية والأسعار.
لهذا على المستقيلين أن يخجلوا لجُبنهم أمام قرارات “عفا الله عما سلف” ، تحرير أسعار المحروقات وعدد من المواد الأساسية ، إلغاء الوظيفة العمومية وفرض التعاقد ، إفساد التقاعد والإجهاز على المكتسبات الاجتماعية والقانونية للموظفين والمأجورين.
لقد أثبتتم أنكم لا وطنية لكم في أكثر من مناسبة ، واليوم تكرسون هذا الانحراف والخذلان . خذلتم الشعب في كل الشعارات التي خدعتموه بها وجئتموه اليوم تشغلونه عن واقعه الذي عجزتهم عن تحسينه بقضايا لا تخص معيشه اليوم ولا مستقبل أبنائه . فلسطين لها أبناؤها ورجالها ، وليس بشعارات نصرتها سيطعم المغاربة أبناءهم ويوفرون لهم المسكن والتعليم والتطبيب ، وهي الخدمات التي دمرتموها خلال حكمكم . (ومكْر أولائك هو يبُور)(فاطر: 10.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13669