سعيد الكحل
لطالما ملأ حزب العدالة والتنمية الأجواء ادعاء بالدفاع عن هوية المجتمع المغربي وقيمه الأخلاقية. بل إن الحزب جعل من تخليق المجتمع ومحاربة الفساد إحدى أركان برامجه الانتخابية وشعاراته “إسقاط الفساد والاستبداد”؛ فنصّب نفسه رقيبا على الحياة العامة وتصرفات الناس. وما أن تعلن هيأة سياسية أو ثقافية عن أنشطة فنية أو ثقافية إلا ويحشر نفسه في فقراتها والضيوف المدعوين لتنشيطها بحثا عن أدنى عنصر يتخذه ذريعة لمناهضة الحفل الفني أو النشاط الثقافي.
بنفس الخلفية ناهض تنظيم المهرجانات الفنية وعارض مشاركة فنانين ومثقفين؛ بل إنه تصدى لمشاريع قوانين بحجة أنها تشجع على “الفساد”. وآخر مواقفه أنه لازال يناهض تجريم تزويج القاصرات ويصر على الإبقاء على هذا الاستثناء في مدونة الأسرة. ولأنه حزب يتاجر بالقيم وبالدين، فإن سقطات أعضائه تكون مدوية. وبالقدر الذي يفترون على الله أنهم حريصون على دينه وحاملون لرسالة نبيه الكريم (يطلقون على بعضهم “الرساليون”)، يفضحهم الله ويكشف عن سوآتهم.
وآخر سقطات أعضاء الحزب السلوك الدنيء واللاأخلاقي الذي اقترفه عضو الحزب ومستشاره الجماعي بمجلس سيدي يحيى زعير خلال انعقاد الجلسة العمومية، حيث قام بحركات ذات إيحاءات جنسية وهو واقف حتى تظهر للعلن يستهدف بها إحدى المستشارات بنفس المجلس. حركات لا يمكن أن يقوم بها إلا أخرق أو سفيه في الشارع العام، أما داخل هيئة سياسية منتخبة تمثل ساكنة المدينة فحتى السفيه لا يجرؤ على إتيانها.
هذه الواقعة المخزية تكشف عن حقيقة الحزب وانحطاطه القيمي والسياسي، كما تفضح المستوى الأخلاقي البئيس الذي يعيشه أعضاؤه. فليست المرة الأولى هذه التي يقوم فيها عضو مسؤول ينتمي إلى البيجيدي بسلوك أو تعبير منحط أخلاقيا، فكثيرا ما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي تدوينات لأعضاء بالحزب أو لبرلمانيين أو تصريحات لبعض قياداته كلها هوس بالجنس وعنف ضد الآخر، وخاصة النساء.
وجميعنا يتذكر كبير البيجيديين وأمينهم العام السابق ورئيس الحكومة حينها الذي من المفروض فيه أن يكون نموذجا في الرزانة والحكمة والتؤدة، لما استخف بمؤسسة البرلمان ووجه عبارته النابية “ديالي كبير عليك” مستهدفا بها نائبة برلمانية أثناء تأديتها مهمتها الدستورية.
هكذا يحول أعضاء من البيجيدي المجالس المنتخبة عن مهامها الدستورية المتمثلة في تدبير الشأن العام، إلى حلبة للسباب والقذف والحركات الخسيسة التي تتناقض مع كل ما يدعيه الحزب من تمثل للأخلاق الإسلامية والتزام بالتعاليم الدينية. فما أبعد الحزب عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا باللَّعَّانِ. ولا بالفاحشِ ولا بالبذيءِ». فأن يدعي المرء خلقا ويأتي نقيضها ذاك هو النفاق الذي جاء فيه الحديث النبوي الشريف: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا خاصم فجر).
فما قام به العضو المستشار في حق زميلته تتجاوز أبعاده ما هو أخلاقي إلى ما هو قانوني ومؤسساتي. ذلك أن الإقدام على تلك الحركة البذيئة علانية هو تحقير لهيئة المجلس ولوظائفه السياسية والتربوية والثقافية ،واستخفاف بالنظام الداخلي للمجلس وقواعد تدبير الاختلاف. فلم تعد للمجلس حرمة بهكذا تصرف أخرق.
والأخطر من هذا أن ما اقترفه العضو المستشار في حق زميلته هو عنف صريح ضدها يجرمه قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، خاصة الفصل 503.1.1 الذي ينص على”يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 10000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أمعن في مضايقة الغير في الحالات التالية: 1ـ في الفضاءات العمومية أو غيرها بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية …تضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية أو غيرها..).
إنها جريمة متكاملة الأركان تلك التي اقترفها المستشار عبر حركاته ذات الإيحاءات الجنسية، التي تبين أنه وحزبه لم يتخلصا بعد من العقيدة الإيديولوجية التي تحتقر المرأة وتناهض مشاركتها في إدارة الشأن العام وتحمل المسؤوليات على قدم المساواة مع الذكور. عقيدة تعتبر المجال العام خاص بالذكور، وأن المرأة مجردة من أية كفاءات تسمح لها بتدبير شؤون المجتمع. فأن يقوم عضو مسؤول بخرق القانون المجرّم للعنف ضد النساء، معناه أنه غير معني به وبالتزامات المغرب الدولية والاتفاقيات التي وقعها في مجال محاربة كل أشكال العنف والتمييز ضد النساء.
وهذا أمر لا يدعو إلى الاستغراب طالما العضو المعني ينتمي لحزب يشرعن العنف ضد النساء وينشر ثقافة تبخيسهن. من هنا يكون ما قام به هذا العضو تعنيف للمستشارة ولكل المستشارات على مستوى باقي المجالس الترابية واحتقار لهن.
هذا هو حزب العدالة والتنمية الذي نصب نفسه حارسا على الأخلاق والفضيلة يأتي أعضاء منه ما لا يأتيه إبليس.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=11308