سعيد الكحل
من التقاليد الحزبية أن البيانات السياسية الصادرة عن المجالس الوطنية تتناول القضايا الاجتماعية الساخنة التي تستقطب اهتمام الرأي العام الوطني . إلا أن البيان الصادر عن الاجتماع الاستثنائي للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المنعقد يومي 20 و21 مارس 2021 ، جاء مخالفا لهذا التقليد من حيث كونه تجاهل تلك القضايا الاجتماعية ، وعلى رأسها الاحتجاجات التي يخوضها الأساتذة المتعاقدون.
وهذا طبيعي من حزب تاجر بالقضايا الاجتماعية انتخابيا ليتصدر الانتخابات في ولايتين متتاليتين ، ثم سرعان ما تنكّر للمواطنين سعيا وراء المكاسب والمناصب . فالدورة الاستثنائية لبرلمان الحزب انعقدت في ظروف طغى فيها حادث تعنيف الأساتذة الذين خرجوا للاحتجاج ضد قرار التوظيف بالتعاقد الذي اتخذه بنكيران ، أمين عام الحزب ورئيس الحكومة السابق ؛ لكن تعمد أعضاء برلمان البيجيدي تجاهل الاحتجاج والتعنيف معا . وليس مفاجئا أن يتجاهل الحزب قضايا المواطنين وانشغالاتهم وهو يرأس الحكومة لأنه اعتاد الاهتمام بما يضمن له المكاسب السياسية.
هكذا تعامل الحزب مع معركة أساتذة التعاقد كورقة خاسرة بالنسبة له لا يمكن الرهان عليها لكسب أصوات الناخبين ، بل ستكون نقمة عليه. فلا عذر للحزب حتى يتنصل من مسؤوليته في فرض التعاقد على قطاع التعليم امتثالا لإملاءات صندوق النقد الدولي. لقد قلب البيجيدي العلاقة بين الدولة والمواطنين حيث جعل الأخيرين في خدمة الدولة وليس العكس. وما دامت أهداف البيجيدي من المشاركة السياسية وخوض معركة الانتخابات هي المكاسب المادية والمناصب السياسية ، فإن انعقاد الدورة الاستثنائية لبرلمان الحزب كانت بغاية تحقيق الأهداف التالي:
1 ــ ترضية نفوس الغاضبين بسبب “الإحراج” الذي شعروا به وهم يرون قيادة الحزب تبارك استئناف العلاقة الدبلوماسية مع إسرائيل عبر التوقيع على البيان المشترك معها بيد، وترفع ، في نفس الوقت ، شعار مناهضة التطبيع بيد أخرى.
2 ــ رص صفوف الحزب وتوحيد الموقف لخوض معركة الانتخابات التي يعتبرها الحزب مصيرية وحاسمة لضمان المكاسب والمناصب. فالحزب ، بكل أعضائه وأجهزته يلعب دور الضحية ويعتبر نفسه مستهدَفا . فقيادته لا تهمها الديمقراطية ولا قيمها الأخلاقية التي تتنافى مع مبادئ الحزب وعقائده الإيديولوجية القائمة على الولاء والبراء ومناهضة حقوق المرأة ومعاداة حقوق المواطنة (تكفير المخالفين من علمانيين واشتراكيين ومسيحيين ، وكراهية اليهود والتحريض ضدهم عبر شعارات (خيبر يا يهود جيش محمد سيعود ، حفدة القردة والخنازير ، هذا عار واليهودي مستشار …)
3 ــ تجاوز الخلافات الداخلية بسبب الموقف من قرار المغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ؛ مما تسبب في عدد من الاستقالات من الأمانة العامة للحزب (العمري ، المقرئ أبو زيد ) أو من رئاسة المجلس الوطني (اليزمي).
4 ــ تسجيل الموقف من تقنين “الكيف” وكذا القاسم الانتخابي. فالحزب ، بكل هيآته المركزية ، يدرك جيدا ميزان القوى ليس في صالحه في حالة اختار التصعيد ضد الدولة ومناهضة القرارين المتعلقين بالكيف والقاسم الانتخابي.
5 ــ التظاهر برفض القسم الانتخابي حفاظا على ماء الوجه ، خصوصا بعد سلسلة التهديدات التي أطلقتها قيادات الحزب. فالقضيتان الأساسيتان اللتان “فرضتا” انعقاد الدورة الاستثنائية لبرلمان الحزب ( تقنين الكيف والقاسم الانتخابي ) لم يتم الحسم في الموقف منهما ، سواء بالرفض أو بالقبول ، وإنما “اللاموقف” هو الثابت ؛ الأمر الذي يظهر أنه بمثابة “جعجعة بدون طحين”.
طبعا لم يكن الهدف من الدعوة إلى عقد الاجتماع الاستثنائي هو الحسم في مسألتي التقنين والقاسم الانتخابي ، بل تحقيق “المصالحة” الداخلية وإعادة الأعضاء الغاضبين إلى الحظيرة . فبعد موجة الاستقالات والتهديدات بتجميد العضوية والانسحاب والمقاطعة بسبب الخلافات حول التطبيع والتقنين ، التي لم تُحدث أزمة داخلية حقيقية ، حتى وإن بدت كذلك ، فإن القيادة هي التي تحدد التوجه العام لبرلمان الحزب الذي اكتفى “باللاموقف” كالتالي ( قرر المجلس الوطني مواصلة مناقشة الخيارات الممكنة بناء على ما يستجد من معطيات ومواصلة النضال والتدافع والترافع من أجل تكريس الإرادة الشعبية وتوطيد الاختيار الديمقراطي ببلادنا) . “تمخض الجبل فولد فأرا”.
نفس اللاموقف اتخذه من قرار تقنين الكيف ؛ بل الأدهى أن المجلس يستمد مواقفه من مواقف الأمانة العامة كالتالي (يثمن المجلس ما سبق أن أكدت عليه الأمانة العامة للحزب بخصوص أهمية فتح نقاش عمومي وتوسيع الاستشارة المؤسساتية حول مشروع القانون المتعلق بتقنين الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، ويؤكد المجلس الوطني تحفظه على مشروع القانون السالف الذكر).
وصاية الأمانة العامة للحزب على برلمانه واضحة في البيان ويؤكدها أنس الحيوني، عضو المجلس الوطني كالآتي “هناك مجموعة تتحكم حتى في البيانات التي تصدر، حيث تُكلف نفس الأسماء بصياغة البيان الختامي فتضرب كل المداخلات عرض الحائط وتسيء إلى مؤسسة المجلس، بل وتتعامل مع أعضاء المجلس كالقاصرين يسمح لهم بالنقد والإدلاء بالرأي وفي الأخير “المجموعة المتحكمة” هي من تتكلف بصياغة شيء لا علاقة له بشكل كبير مع ما تقدم به الأعضاء من خلال مداخلاتهم).
إذن، كانت أهداف انعقاد المجلس الوطني للحزب مرسومة مسبقا ، ومواقفه محددة سلفا من طرف الأمانة العامة للحزب التي وقّع لها المجلس على بياض ليكون موقفها هو موقفه. إنها الديمقراطية الموجِّهة التي لا تسمح بالانفلات من قبضة الحزب وحرمانه من المكاسب والمناصب.
Source : https://dinpresse.net/?p=13979