مصطفى لمودن
تبدأ رواية ”أحلام ملتبسة” للروائي أحمد الكبيري من المستقبل، بالضبط بعد نصف قرن من تاريخ نشر أول طبعة سنة 2024، عندما وقعت دعوة السارد إلى حلقة تلفزية وقد بلغ مائة سنة من عمره، بصفته كاتبا ومسنا..
تقع الرواية في 420 صفحة من الحجم المتوسط، صادرة عن دار “نشر الفنك”، بعدما ظل الكاتب ينشر رواياته على حسابه الخاص، كما صرح بنفسه، وهو يرجع الفضل لصديقه عبد القادر الشاوي، الكاتب المعروف، والذي بنحدر من باب برد القريبة من وزان المدينة الأصلية لكاتب الرواية، وقد دعاه لتنشر له الدار المشار إليها…
رواية تستحق وقفة خاصة، وقراءة متينة وجيدة وعميقة، عوض ما أقترحه الآن من تعاط سطحي وانطباعي لا غير!
يبدو أنه من اللائق أن تتكفل دور النشر أو جهة أكاديمية بوضع دراسات وتعاريف لائقة بما ينشر من الأدب المغربي، وليس انتظار قاريء على قارعة الطريق قد يأتي وقد لا يظهر! لتقع يده على منشور هنا أو هناك؟
تقوم الرواية المشار إليها على العودة للماضي ليحكي نبيل الوزاني عن تلميحات من ماضي حياته، لكنه يختار بعناية ما يراه جديرا بالحكي، دون ذكر المبرر. مما يجعل القاريء بعد الانتهاء من الرواية يتساءل، هل هذا فقط؟ وأين بقية أحداث 100 سنة؟
لا يكتفي السارد بالتركيز على تفاصيل من حياته الخاصة فقط، بل يورد حيوات شخوص آخرين التقى بهم، فوقع التفاعل معهم، وهكذا ينزاح السارد عن سيرته، ليسرد ما وقع للآخرين كصوفيا، سيدة من علية القوم بالعاصمة الرباط، وكيف بنى معها أو بنت معه علاقة شملت التجارة والمال والعاطفة وبعض الأسرار…
وكذلك شخصية الناجي بومصران التي أوردها السارد في صيغة فنطازية يمكن قبولها بالنظر لطريقة اغتناء البعض بطرق جد غريبة..
لم تخل الحياة الشخصية للسارد نبيل الوزاني من مغامرات ومصائب ومصاعب.. فيعود لطفولته وشبابه بوزان ولأيام الدراسة بجامعة فاس، وما واكب ذلك من تاريخ قوي للحركة الطلابية. وقد أثار نماذج من زملائه الطلبة حيث يختلف سلوك وتعامل بعضهم عن بعض، هناك المناضل وهناك الانتهازي..
من أغرب ما ورد عن تلك السنوات الجامعية، استعمال السارد الدراجة الهوائية بين فاس ووزان..
لا تخلو الرواية من ذكر ظروف العمل بوكالة تجارية لشركة اتصالات بالرباط، واستعراض بعض الظواهر المتعلقة بسكن السارد وانتقاله من دار إلى أخرى، إلى أن ظهر في الأخير أنه مقيم بسلا..
قرن من الزمن ممتليء بحوادث شتى، من ذلك زلزال الحوز، وبعض الأحداث المعروفة قبل 2024. لكن السارد لا يذكر شيئا ذا بال عما حدث إلى سنة 2061، سوى اعتزال نبيل الوزاني وهجرته إلى مدينة في شرق المغرب رغم بلوغه من العمر عتيا..
أهم ما أثر في كقاريء هو عرض أحاسيس نبيل الوزاني إثر مرض أبيه ونقله إلى المستشفى ثم وفاته.. صراحة قوة تعبيرية كبيرة عن الحزن والفقد جد مؤثرة.. وواضح أن ذلك مستمد من حدث حقيقي. رغم أن الكاتب ظل باستمرار من خلال صفحة الفايسبوك يلح على أنه يكتب معتمدا على الخيال، وأنه يخط في ذلك وفق واقعية ممكنة الحدوث. كما خصص فصلا أخيرا من مهامه توضيح ذلك، وهو تكلّف ما كان ليلجأ إليه ولو اعتبر القاريء أن الرواية سيرة ذاتية..! يقول السارد في الصفحة 412 محاولا إقناع زوجته الغاضبة:” أنا يا مدام لا أنكر أنني كباقي الروائيين والكتاب الحقيقيين في العالم، منثور بشكل أو بآخر في جميع رواياتي. لكن العديد من تلك القصص والحكايات الشخصية، يتم انتقاؤها بعناية شديدة وإخراجها من سياقها، وإدماجها او تركيبها بقصص أخرى لإنتاج نص متخيل لم يكن له وجود من قبل..”
وفي نفس الصفحة بقول: “صحيح إن ما أكتبه، يوهم في ظاهره، بواقعية الأحداث والشخوص، وبأنه جزء حقيقي من سيرتي الذاتية.إلا أن الحقيقة، هي أنه مجرد تخييل مركب من وقائع وأحداث كثيرة حدثت فعلا. لكنها ليست بالضرورة قد حدثت لي أو معي”.
يمكن استخلاص نتيجة، أرى أن رواية “أحلام ملتبسة” تدخل تحت يافطة “التخييل الذاتي”، أي دمج فني بين الحياة الخاصة للكاتب وتجاربه، وبين تخيّل أحداث مكملة يقتضيها السرد والحكي الروائي، وليس في ذلك أية منقصة أو تقليل من قيمة الرواية..
تحبل ”أحلام ملتبسة” بالكثير من الأحداث، بلغة سلسة مفهومة ولائقة، تعكس تجربة كاتب يقول على لسان السارد: “لست من أولئك الذين أتوا إلى الكتابة من نظريات الأدب ومن تلاخيص الكتب(…) بل جئتها من وجع وقلق دائمين وذاكرة موشومة بمصائر وحيوات شتى”.