منتصر حمادة
اندلع نقاش مجتمعي في الساحة المغربية مؤخرا، على هامش التفاعل مع أجواء عيد الأضحى، لولا أن الأجواء نفسها، تميّزت ببعض المظاهر غير السوية من قبيل التباهي بشراء أضحية العيد أو التهافت عليها، في سياق تميّز بصدور رسالة ملكية يوم 26 فبراير الماضي، والتي نقتبس منها هذه الإشارة التي تلخص الشيء الكثير: “من منطلق الأمانة المنوطة بنا، كأمير للمؤمنين والساهر الأمين على إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، وما يقتضيه واجبنا في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير، والتزاما بما ورد في قوله تعالى: “وما جعل عليكم في الدين من حرج”، فإننا نهيب بشعبنا العزيز إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة. وسنقوم إن شاء الله تعالى بذبح الأضحية نيابة عن شعبنا وسيرا على سنة جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عندما ذبح كبشين وقال: “هذا لنفسي وهذا عن أمتي”.
ومعلوم أنه بين الفينة والأخرى، قد تتوجّه المؤسّسة الملكية إلى الرأي العام برسالة حول قضية مجتمعية، خاصة إذا كان الموضوع المعني مرتبطا بمحددات دينية وثقافية، على غرار ما عاينا ما موضوع مدونة الأسرة في منعطفي 2004 و2024، أو عبر التدخل الملكي لجواز ممارسة المرأة مهنة كتابة العدل، ضمن أمثلة أخرى، لصيحة تحديدا بالسياق المغربي أو الخصوصية المغربية في تدبير ثلاثية الدين والسياسة والاجتماع. نقول هذا أخذا بعين الاعتبار أن الحديث عن خصوصية مغربية في تدبير تلك الثلاثية، ليس مقارنة مع السائد عربيا وحسب، أي في محور طنجة – مسقط، وإنما حتى في السياق الإسلامي، أي محور طنجة ــ جاكرتا.
في الحالة الخاصة بأضحية العيد، وبالرغم من أن الأضحية سُنّة مؤكدة وليست فرضا على المذهب المالكي، لكنها عند نسبة مُعتبرة من المغاربة، تكاد تكون فرضا، بل نعاين ممارسات بعيدة أساسا عن المحدد الديني في معرض التعامل معها، من قبيل اللجوء إلى القروض البنكية أو الاقتراض من المؤسّسات والأقارب ضمن ممارسات أخرى، بسبب غَلَبة المحدد الثقافي/ المجتمعي على نظيره الديني، وحتى لو كان الأمر يهم نسبة متواضعة في المجتمع، فإن هذه الممارسات قائمة فعلا، وليس صدفة أننا أصبحنا نعاين إشهارات لمؤسسات بنكية خاصة بعيد الأضحى تحديدا.
تجميعا لكل هذه المعطيات، وجه الملك رسالة سامية وصريحة عنوانها عدم القيام بشعيرة ذبح أضحية العيد، وقد اختتمت بآية كريمة، أي آية “قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني”. والحال أن الملك في الحالة المغربية، هو أمير المؤمنين أيضا، وبالتالي نحن هنا إزاء خطاب للملك ــ أمير المؤمنين موجه إلى الرأي العام في موضوع الأضحية. بمعنى آخر، حتى في حال استحضار الأثر الإسلامي الشهير الذي جاء فيه أن “الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، فإن السلطان في الحالة المغربية هو أمير المؤمنين أيضا، وبالتالي تزداد مهابة الرسالة الملكية.
ما كان منتظرا بشكل تلقائي، الاستجابة مع مضامين الرسالة، هذا دون الحديث عن الإكراهات التي تطلبت ذلك، والتي لا شك أن الرأي العام نفسه، على عِلم بها، من قبيل تأثير ماضي سنوات الجفاف، مؤشرات القدرة الشرائية، أرقام قطيع الغنم وإكراهات أخرى، حتى إن الرأي العام أعرب عن ارتياح جلي على هامش الإعلان الرسمي، عبر الرسالة الملكية، بخصوص عدم القيام بشعيرة ذبح أضحية العيد، ولم يصدر الارتياح عن الطبقات الفقيرة أو المعوزة وحسب، وإنما صدر حتى عن الطبقة المتوسطة، وهذا أمرٌ دالٌ.
ما جرى عمليا بعد أسابيع من تلاوة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية لمضامين الرسالة الملكية حول الموضوع، أننا عاينا ممارسات غير سوية في سياق التفاعل مع مقتضيات الرسالة نفسها، مما يفسر صدور تعليمات من وزارة الداخلية، بهدف حث المواطنين على الالتزام المجتمعي بتلك المقتضيات، وإن كان يفترض من المؤسسات الإعلامية والمنصات الرقمية، أن تكون حاضرة بوتيرة أكبر في معرض تزكية مضامين الرسالة الملكية، والرفع من وتيرة احترام مقتضياتها.