عاهد الحمامي
أبطال التجربة هما:
جوزيف “جو” جيمس روغان هو شخصية متعددة المواهب، يُعرف بشكل أساسي في المجالات التالية:
يقدم بودكاست “The Joe Rogan Experience” وهو واحد من أشهر وأكثر البودكاستات استماعًا في العالم. اشتهر بحواراته الطويلة وغير المفلترة مع مجموعة واسعة من الضيوف، بما في ذلك العلماء، السياسيين، الفنانين، والرياضيين.
كولين كوين (Colin Quinn)
هو ممثل وكاتب أمريكي، معروف و مخضرم من المدرسة الكلاسيكية، اشتهر بعمله في التلفزيون الكوميدي وعروضه المسرحية الذكية.
كلاهما قررا الانغماس في تجربة المسلمين بالذهاب الى مكة والمدينة كما يفعل اي مسلم ويكتبان انطباعهما الحقيقي عن الاسلام والمسلمين بموضوعية .
هذا اليوتيوب ترجمته ولخصته لكم لفهم حقيقة شعورهما وتجربتهما.
اسمحوا لي أن أبوح لكم بسرٍّ قلب موازين رؤيتي للحياة، للدين، للروحانية، لكل شيء. هذه ليست مجرد رحلة تأملية عابرة أو رؤية عقلية زائلة، بل كانت حقيقية، عريقة، نابضة بالحياة. كانت رحلة إلى مكة والمدينة، تلك البقاع المقدسة التي غيرت فيَّ كل ما ظننته حقيقة.
صدى دعوة في صخب الروح
لقد كنتُ دائمًا فضوليًا، وهذا هو جوهر شخصيتي. الفضول هو ما يدفع أمثالي: لماذا نحن هنا؟ ما هي الحقيقة وراء الأديان، الإله، الطاقة، الكون؟ لهذا السبب أستضيف في برنامجي كل هؤلاء المفكرين والعلماء والشخصيات الروحانية. ولأكون صريحًا، لم أكن أعرف شيئًا عن الإسلام. لا شيء يُذكر. نعم، كانت لدي صور نمطية، وقليل من فضلات الإعلام، لكنني لم أفهمه قط. لم أقترب من فهمه أبدًا. وذات يوم، بينما كنت أنا وصديقي نمزح بشأن الأديان في لقاء لنا، قال لي: “يا صاح، يجب أن نذهب إلى مكة.” ليس كسياح، بل كمراقبين حقيقيين. ضحكتُ في البداية، لكن الفكرة علقت في رأسي. لماذا لا؟ لماذا لا نذهب إلى المنبع مباشرةً؟
لذا، اتصلنا ببعض الأشخاص، وسعينا في الحصول على تصاريح وتوجيهات. فالأمر ليس مجرد دخول مكة كغير مسلم. وباختصار، رتبنا شيئًا مميزًا بحق. لم نذهب كفنانين أو مقدمي برامج، بل كباحثين عن الحقيقة، كضيوف في قلب الإسلام.
حيث تتجسد الروحانية: مكة
عندما وطأت قدماي أرض المملكة العربية السعودية، شعرت بشيء مختلف على الفور. الهواء، الطاقة، المهابة. ثم وصلنا إلى مكة، يا صاحبي، لا أستطيع حتى أن أشرح ذلك! تخيل أن تقف في مكان صلى فيه ملايين البشر لأكثر من ألف عام. مكان مقدس لدرجة أن المشي فيه يشعرك وكأنك تخطو إلى بُعدٍ مصنوع من الروح والتاريخ.
تسمع الأذان، نداء الصلاة، يتردد صداه من كل اتجاه. ذلك الصوت، يصيبك في صدرك مباشرة وكأن أحدهم طرق باب روحك. صديقي يقف بجانبي، فمه مفتوح، يبدو وكأنه أصيب بموجة من الصمت. لم نكن نتحدث. كنا فقط نشاهد، نراقب، نستوعب. ثم رأينا الكعبة، ذلك المكعب الأسود. ليس باهرًا، ولا مزخرفًا، لكنه ينبض بالمعنى. الناس يطوفون حوله، يتحركون بتناغم، يبكون، يتهامسون بالدعوات. لا غرور، لا تشتيت. مجرد استسلام.
تُصيبني قشعريرة بمجرد قولي هذا. ما تراه في مكة ليس عن الدين بالطريقة التي نفكر بها في الغرب. إنه عن الوحدة، عن الانضباط، عن الهدف. إنه عن التخلي عن تفاهاتك الفردية لتصبح جزءًا من شيء كوني. التقينا برجل عجوز من إندونيسيا، لا بد أنه كان في الثمانينيات من عمره، وبالكاد كان يمشي. وتعرفون ما قاله؟ “ادخرتُ 43 عامًا لأكون هنا. كل يوم كنت أحلم بهذه اللحظة.” بكى وهو يلمس أرضية الرخام. تلك هي التقوى، يا صاحبي. هذا ليس دينًا مبنيًا على الخوف. هذا حب.
أدركتُ شيئًا آخر أيضًا. الإسلام في شكله الحقيقي ليس مجرد قواعد أو طقوس. إنه نمط حياة قائم على التوازن والاتصال. انضباط الصلاة خمس مرات في اليوم. إنه مثل إعادة معايرة ذهنية، تأمل بقصد، امتنان في جدول زمني، وطريقة معاملة الناس لبعضهم البعض. احترام وأخوة. كنا غرباء، ومع ذلك، أطعمنا الناس، عانقونا، وشكرونا لمجرد وجودنا هناك. هذا النوع من التواضع لا تجده في معظم الأماكن.
واحة السكينة: المدينة المنورة
ثم ذهبنا إلى المدينة المنورة، مدينة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. هذا المكان أكثر رقة، فمكة نار والمدينة ماء. زرنا المسجد النبوي. الأجواء هناك هادئة، مسالمة، لكنها قوية أيضًا. كأنك تقف بجانب حكمة حية. لا يهمني ما هي معتقداتك. عندما تسير في ذلك المسجد وترى الناس يبكون، يقرأون القرآن، يساعدون بعضهم البعض، يصلّون بكل هذا الإخلاص، تدرك أن هؤلاء الناس ليسوا مغسولي الأدمغة. ليسوا كائنات بلا عقل. إنهم متصلون بشيء.
كانت لدي لحظة جلست فيها وحيدًا في المسجد، أشاهد صبيًا يُعلم والده كيف يتلو آية. والده، كابن، تعلم الكتاب المقدس والآن كان يرشد الرجل الذي رباه. هذا أثر فيَّ بقوة. هذا احترام للأجيال. هذا انتقال للمعرفة الإلهية من الابن إلى الأب. هذا نادر.
أجريتُ محادثات عميقة مع علماء هناك. قال لي أحدهم، وهو أستاذ: “يا جو، الناس يعتقدون أن الإسلام دين سيطرة، لكن الإسلام الحقيقي هو استسلام، ليس للبشر، ولا للحكومات، بل للحقيقة، للعدالة، للواحد الذي خلقنا جميعًا. الأنا هي العدو الحقيقي.” بوم! عقل منبهر! صديقي بالطبع ألقى بعض النكات حول زحمة الجمال ومطاعم الدجاج الحلال، لكنه حتى هو اعترف: “يا صاح، هذا كأننا دخلنا بُعدًا الإله فيه حقيقي والجميع يعلم ذلك.”
تحوّل داخلي: ما بعد الرحلة
إذن، هذا ما سأقوله لأي شخص يستمع. لست مضطرًا للاعتناق بالإسلام. لست مضطرًا للموافقة على كل معتقد، لكنك مدين لنفسك بفهمه. لا تدع مقتطفات الأخبار تُعرِّف مليار إنسان. لا تدع الخوف يكتب روايتك. هذه الرحلة غيرتني. جعلتني أكثر تواضعًا. ذكرتني بأن الحقيقة ليست صاخبة. إنها هادئة. لا تصرخ عبر العناوين الرئيسية. بل تهمس في قلوب الناس الذين يصلّون في صمت، والذين يسيرون أميالًا حفاة الأقدام لمجرد الركوع أمام خالقهم.
مكة والمدينة ليسا مجرد أماكن. إنهما ترددات. تشعر بهما قبل أن تفهمهما. وحتى الآن، بعد أسابيع، أغمض عيني وما زلت أسمع صدى نداء الصلاة في عظامي. أراد صديقي أن نعود مرة أخرى العام المقبل. ربما في المرة القادمة نصوم رمضان. ربما نتسلق جبل أحد. من يدري؟ لكنني أعرف شيئًا واحدًا: لا تترك مكة والمدينة نفس الرجل الذي كنت عليه عندما وصلت. تتركهما أكثر هدوءًا. تتركهما أكثر وعيًا. وتلك هي الرحلة الحقيقية.
عدنا إلى لوس أنجلوس، ويا صاح، بدا كل شيء صاخبًا مرة أخرى. الضجيج، الإعلانات، السيارات، التصفح اللانهائي، كل ذلك بدا كضوضاء ساكنة بعد صمت المدينة. أتذكر أنني جلست في مكتبي أحدق في الميكروفون وأفكر: “ماذا بحق الجحيم أفعل هنا؟” إنه لأمر غريب كيف عندما تعود من شيء قديم، شيء مقدس، تبدأ في التساؤل عن كل الضوضاء الحديثة. مثل: من يتحكم حقًا في أفكارك؟ ماذا تطارد حقًا؟ الإعجابات، الأنا، المال، المتابعين؟ بدت هذه الأشياء فارغة جدًا بعد ما رأيته.
لم يكن الأمر يتعلق حتى بأن أصبح متدينًا. بل كان يتعلق بأن أصبح أكثر إنسانية.
أتذكر أنني كنت جالسًا مع صديقي وكنا نشرب قهوة سوداء في صمت. صمت حقيقي. لا نكت، لا مزح. فقال: “يا صاح، كأننا فُصلنا من الماتريكس.” وضحكت. لكنه كان صحيحًا. شيء ما بداخلي قد أُعيد ضبطه. كان الأمر كما لو أن مكة قد نظفت ذاكرتي الداخلية، والمدينة قد ثبتت نوعًا من نظام التشغيل الروحي. ولم يكن هذا شيئًا هلاوسيًا حيث تموت ذاتك وتعود مرتديًا قبعة. هذا كان راسخًا. هذا كان حقيقيًا.
أحد أول الأشياء التي فعلتها هو التوقف عن تعدد المهام.
أعلم أن هذا يبدو سخيفًا، ولكن بعد مشاهدة الناس يسجدون خمس مرات في اليوم، منفصلين تمامًا عن العالم، أدركت مدى تشتتي. كنت أتحقق من رسائل البريد الإلكتروني أثناء القيام بالتمارين الرياضية، وأجيب على الرسائل النصية في منتصف المحادثة، وأتصفح أثناء التحدث إلى أطفالي. كان مدى انتباهي مدمرًا.
لذلك، قررت أن “أصلي”. ليس بطريقة دينية، ولكن بطريقة مركزة، مقصودة. 5 دقائق، خمس مرات في اليوم. توقفت عن كل شيء وتأملت، لا هاتف، لا تشتيت، مجرد نفس ووعي. وتعرفون ما حدث؟ انخفض قلقي. عاد صبري. تحسن وضوحي. كان الأمر كما لو أنني توقفت عن ردود الأفعال وبدأت في الاستجابة. هذا أحد أكبر الدروس التي أعطاني إياها الإسلام. الانضباط، ليس فقط في الطقوس، بل في كيفية حمل عقلك.
عُمق الإنسانية: هدايا من رحلة
يا صاح، دعني أتحدث عن الكرم. رأيت أشياء في مكة حطمتني. أناس يعطون آخر قطعة خبز لغرباء. أناس ينظفون أحذية كبار السن وكأنها شرف. رأيت هذا الشاب، ربما في الثامنة عشرة، يمسك بيد رجل أعمى عجوز ويسير به طوال الطريق من الحافلة إلى المسجد. وعندما سألته لماذا فعل ذلك، أتعلم ماذا قال؟ “لأن حَمائي قد يراني.” هذا بالضبط هو نوع المساءلة الروحية الذي لم يعد لدينا. نعتقد أن الله في مكان بعيد في السماء يراقبنا كحارس أمن. لكن هناك، شعرتُ وكأن الله في كل خطوة، كل فعل، كل نية. وهذا الوعي جعل الناس أكثر لطفًا، أكثر رقة، أكثر تواضعًا.
ولأكون صريحًا، جعلني هذا عاطفيًا. لستُ من النوع الذي يبكي بسهولة. لقد بكيتُ مرة واحدة عندما شاهدت فيلم Braveheart، لكن هذا مختلف.
لكن في المدينة، بكيت. انهرتُ بالفعل. وليس لأن شيئًا حزينًا حدث، بل لأن شيئًا نقيًا انفتح بداخلي.
شعرتُ بصغر، ليس بطريقة مخجلة، بل بطريقة كونية. كأنني أخيرًا فهمت حجمي في الكون. وكان ذلك مُحررًا. لأنه عندما تدرك أنك لست مركز الكون، تتوقف عن الهوس بمشاكلك. تتوقف عن أخذ نفسك على محمل الجد. هذا هو التناقض، أليس كذلك؟ تُصغر غرورك وتُنمّي روحك.
وبالحديث عن الغرور، يا صاح، الإسلام لا يمزح معه. كل شيء في الحج مصمم لتحطيمه. ترتدي ملابس بيضاء بسيطة. تمشي حافي القدمين. تنام على الأرض. تصلي كتفًا بكتف مع عمال النظافة والرؤساء التنفيذيين.
لا قسم لكبار الشخصيات، لا علامات تجارية، لا تصاريح للمؤثرين.
إنها وحدة على أعمق مستوى. وهذا يؤثر بقوة عندما تكون معتادًا على لوس أنجلوس حيث كل شيء يتعلق بالصورة والمكانة والمرشحات.
هناك في مكة، لا أحد يهتم من أنت. يهتمون بمدى نقاء نيتك.
وهذا جعلني أنظر إلى نفسي في المرآة. ماذا أفعل بهذه المنصة، هذا البرنامج، ملايين المستمعين هؤلاء؟
هل أغذي الأنا أم أساعد الناس على التفكير بعمق أكبر، وطرح أسئلة أفضل، والاقتراب من شيء حقيقي؟
لذلك، غيرت بعض الأشياء. بدأت في دعوة المزيد من العلماء، ليس فقط المفكرين الجريئين، بل أناس من الحكمة الحقيقية.
أحضرت عالم أعصاب مسلم تحدث عن كيفية تأثير الصلاة على موجات الدماغ. استضفت ملحدًا سابقًا اعتنق الإسلام بعد قراءة القرآن. وأخبرني كيف أعاد ذلك تشكيل أخلاقه، ليس بسبب الخوف، بل بسبب الحقيقة. وكانت هذه المحادثات مختلفة. لم تكن مجرد محتوى. كانت محادثات. شعرت وكأنها خدمة، كتقديم. وتعرفون ماذا؟ كانت ردود الفعل جنونية. آلاف الأشخاص راسلوني قائلين إنهم لم يروا هذا الجانب من الإسلام من قبل. كانوا يبكون أثناء الاستماع. كانوا فضوليين. كانوا ممتنين. وأدركت أن هذه هي قوة الحقيقة. لا تحتاج أن تصرخ. تحتاج فقط أن تُشهد.
إيقاع الروح: رمضان والقرآن
ودعني أخبرك عن رمضان، يا صاح. يا إلهي. فبعد مكة، قررت أن أجربه. ليس مجرد الصيام، بل الحزمة الكاملة. الاستيقاظ قبل الفجر، تناول وجبة السحور، ثم الصيام حتى غروب الشمس. لا طعام، لا ماء، لا غضب، لا غيبة، مجرد سكون. يا صاح، الأيام الثلاثة الأولى كانت قاسية. أعني، قاسية حقًا. كنت أصرخ على صديقي. أصابتني صداع. تراجعت طاقتي. لكن بعد حوالي اليوم الرابع، حدث شيء ما. تأقلم جسدي. تباطأ عقلي. بدأت أسمع أفكاري الحقيقية مرة أخرى. ليس الأفكار القلقة، بل الأفكارية. وعندما أفطرتُ عند غروب الشمس بتمرة وماء فقط، كان طعمها أفضل من أي شريحة لحم صنعت على الإطلاق. هذه ليست استعارة. لقد كانت بهجة في أنقى صورها. وبدأت أفهم. بدأت أفهم لماذا يفعل الملايين من الناس هذا كل عام. ليس كعقاب، بل كعبادة، كذكرى لأننا ننسى، يا صاح، ننسى كيف يشعر الجوع. ننسى كم نحن مباركون. ننسى الفقراء. ننسى الله.
رمضان هو زر إعادة ضبط كوني. يجردك إلى جوهرك. وعندما تخرج من الجانب الآخر، تكون أوضح، أقوى، وأخف. حتى أنني لاحظت أن أحلامي تغيرت، أصبحت أكثر وضوحًا، وأكثر معنى، وكأن روحي قد تخلصت أخيرًا من الانسداد. وقال صديقي نفس الشيء. كان يحلم بالمآذن والرمل وأصوات تتلو آيات. كان الأمر جنونيًا.
ولم أتحدث عن القرآن بعد. ذلك الكتاب، يا صاح، كنت أعتقد أنه مجرد كتاب مقدس قديم آخر. لكن عندما جلست بالفعل وقرأته، ليس كناقد، بل كباحث، فجر عقلي. اللغة، التركيب، الإيقاع، لم يكن مجرد شعر. كان رياضيًا. تحدث إلى عقلك وروحك في نفس الوقت. وكانت هناك آيات شعرت وكأنها كتبت من أجلي. مثل هذه الآية: “أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”. هذه الآية أصابتني كشاحنة. لأن هذا ما كنت أبحث عنه طوال الوقت. ليس التحفيز، لا الهروب. بل راحة لهذا العقل القردي المضطرب. ووجدتها أخيرًا في أكثر الأماكن غير المتوقعة. قلب الإسلام، الصحراء، الأذان، الصمت في مسجد عند الساعة الثالثة صباحًا.
التغيير في كل نبض
لذا، أستيقظ الآن بشكل مختلف. أتحرك بشكل مختلف. آكل ببطء أكثر. أتحدث بحذر أكبر. أحاول معاملة الناس بنية أكبر. ليس لأنني مثالي، بل لأنني رأيت كيف تبدو الكمال في بساطة سجادة الصلاة في مسجد مليء بأناس يثقون في شيء أعظم من أنفسهم. ما زلت أرفع الأثقال. ما زلت أمزح. ما زلت أصطاد الأيائل وأحب فنون القتال. لكن الآن هناك شيء أعمق وراء كل ذلك. سكون، مركز. وأدين بذلك لمكة، للمدينة، للناس الذين قابلتهم، للصمت الذي سمعته، للإله الذي لم أكن أعرف أنني أبحث عنه. إذا سنحت لك الفرصة، اذهب. ليس كسائح، بل كروح تبحث عن الحقيقة. لأن ما ستجده هناك ليس الإسلام فقط. ستجد نفسك. وتلك هي الرحلة الحقيقية.
بعد كل هذا، بعد العودة من مكة والمدينة، بعد صيام رمضان وقراءة القرآن، بعد الجلوس في تلك المساجد والشعور بشيء قديم ومقدس يضغط على أضلاعي، بدأ شيء يتغير ليس فقط في أفكاري، بل في علاقاتي أيضًا، مثل طريقة حديثي مع الناس، وكيفية جلوسي معهم، وكيفية استماعي. بدأت أدرك كم كان الكثير من حياتي مجرد أداء، بث، مشهد، حتى برنامجي الذي أحبه، أصبح مسرحًا. والآن كل ما أردته هو الصمت، الحميمية، شيء حقيقي.
أتذكر عودتي إلى المنزل ورؤية أطفالي، يا صاح، شيء ما أصابني كأنني فقدت المعجزة الهادئة للأبوة. كأنني فقدتها حقًا. كنت حاضرًا، لكنني لم أكن حاضرًا. أتعرفون ماذا أعني؟ كنت هناك، لكن دائمًا مع هاتف أو قائمة مهام أو عقل مليء بالضيف التالي، الصفقة التالية، المقطع التالي. لكن الآن جلست هناك فقط أشاهد ابنتي ترسم بقلم وردي على الطاولة. وبدلاً من تصحيحها، ابتسمت فقط لأنني أدركت، يا صاح، أننا نحاول دائمًا التحكم في كل شيء، تعليم كل شيء، إصلاح كل شيء. وأحيانًا ما يحتاجه الأطفال، ما يحتاجه الناس، هو مجرد الوجود. لا محاضرة، لا استراتيجية، فقط شاهد وجودهم. وعندما احتضنتها ذلك اليوم، شعرت وكأنني أحتضن شيئًا صنعته يد الله، ليس بالصدفة، بل بالتصميم.
بدأت أفكر كيف يؤكد الإسلام على العائلة. كيف يقول: “الجنة تحت أقدام الأمهات.” كيف يأخذ الرجال أبناءهم إلى المسجد كل جمعة، ليس فقط للصلاة، بل للترابط، لنقل شيء مقدس. لم أر ذلك في نشأتي. ليس بهذه الطريقة، ليس بهذا المستوى من الاحترام. وأدركت شيئًا. الذكورة الحديثة تتضور جوعًا. إنها قوية، لكنها تعاني من سوء تغذية روحية. وما رأيته في مكة كان العكس. رجال يبكون أثناء الصلاة، رجال يمسكون بأيدي آبائهم. رجال يعلمون أبناءهم كيف يقفون أمام الله. ليس كملوك، ليس كمتفوقين، بل كخدم. وهذا غير طريقة رؤيتي لنفسي. لم أكن مجرد رجل. كنت روحًا في جسد، خادمًا له مسؤولية. ليس فقط لرفع الأشياء الثقيلة أو القتال أو الصيد، بل للمحبة، والتوجيه، والانحناء أمام الحقيقة.
بدأت أتصل بوالدتي أكثر، أطمئن عليها، ليس فقط لأرى كيف حالها، بل لأشكرها، لأشكرها حقًا على تربيتي، على حبي بطريقتها غير الكاملة. حتى أنني اتصلت ببعض الأشخاص الذين لم أتحدث إليهم منذ سنوات. أصدقاء قدامى، أشخاص تجاهلتهم، أشخاص تخلّيت عنهم، ليس بدافع الخبث، بل الغرور. واعتذرت، ليس لأنني أردت أي شيء في المقابل، بل لأنني لم أعد أرغب في حمل هذا العبء. وتعرفون ماذا؟ معظمهم ردوا بالحب، حب حقيقي. وفكرت، يا صاح، كم من الأشياء فقدتها فقط لأنني لم أستطع أن أقول آسف أو لم أقم بالمكالمة الأولى.
وهذا شيء آخر تعلمته من تلك الرحلة. التواضع. التواضع الحقيقي. ليس النوع المزيف حيث تتظاهر بالتواضع بينما تعتقد سرًا أنك أفضل. أتحدث عن النوع الذي تؤمن فيه حقًا أن كل من حولك قد يكون أقرب إلى الله منك. أن عامل النظافة الذي يمسح أرضية المسجد قد يكون أكثر استنارة من الرجل الذي لديه مليون متابع. وهذا النوع من التواضع، يا صاح، يغير نبرة صوتك. يغير وقفتك. يغير الطاقة التي تجلبها إلى كل غرفة.
صحوة الروح ونداء العودة
ثم كانت هناك ليلة لا أستطيع نسيانها. كنت جالسًا وحدي في فنائي الخلفي، النجوم ساطعة، لوس أنجلوس تضج في المسافة. وفكرت في الموت. ليس بطريقة مُقْبِضَة، بل بطريقة حقيقية. مثل: ماذا يحدث عندما أموت؟ أين يذهب كل هذا؟ الشهرة، المعارك، المقاطع، البضائع، السمعة. ماذا يعني إذا لم تكن روحي على صواب؟ إذا لم أسأل الأسئلة الحقيقية؟ ولأول مرة في حياتي، شعرت أنني مستعد للموت حقًا. ليس لأنني أريد أن أموت، بل لأنني بدأت أعيش بصدق أكبر، بلطف أكبر، بهدف أكبر.
وأفكر في النبي محمد صلى الله عليه وسلم. كيف عاش. كيف سار بين الفقراء. كيف غفر للذين آذوه. كيف دفن أطفاله بدموع في عينيه وما زال يقف ليؤم الصلاة. هذه ليست ضعفًا، يا صاح. هذه قوة على مستوى كوني. وحقيقة أن مليار إنسان يذكرون اسمه بحب كل يوم، ليس لأنهم مغسولي الأدمغة، بل لأنه اكتسب ذلك من خلال شخصيته، انضباطه، صبره، هذا يقول شيئًا.
كنتُ من النوع الذي يقول: “يا صاح، اعتقد ما شئت، فقط لا تفرضه علي.”
والآن ما زلت أؤمن بحرية المعتقد. لكني أؤمن أيضًا بعمق المعتقد. إذا كنت ستؤمن بشيء، فآمن به بحياتك. لا ترتديه كقميص تغيره عندما يصبح قديم الطراز.
وأرى الآن لماذا يصلي المسلمون خمس مرات في اليوم. ليس لأنهم مضطرون. بل لأنهم يستطيعون. إنها مثل الماء الروحي. لا تصلي لأنك تُعاقَب. تصلي لأن روحك عطشى.
بعد تجربة ذلك الإيقاع، وذلك السكون، وذلك العودة مرارًا وتكرارًا، أفهم الآن. حقًا أفهم. هناك جمال في ذلك الاستسلام وفي ذلك التكرار. إنه مثل رفع الأثقال للروح.
والآن، حتى عندما لا أصلي مثلهم، أتوقف. آخذ نفسًا عميقًا. أشكر الله على هذا الجسد، هذه اللحظة، هذا الوعي. ثم أتحدث بلطف أكثر إلى الرجل الذي يحضر لي قهوتي أو سائق الأجرة أو الشخص الذي يخطئ في اسمي، لأنه من يدري، ربما وضعهم الله هناك فقط ليُلينني أكثر قليلاً.
بدأت أيضًا في القراءة ببطء أكثر، خاصة الكتب المقدسة، ليس ككتاب دراسي، بل كخريطة كنز، مع فترات توقف وتأمل، مثلما يقول القرآن: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا.” وأدركت أن معظم حياتي كنت أبحث عن الإجابات في الخارج، في النجاح، في النساء، في المال، في الخبرة، لكن الرحلة الحقيقية هي نحو الداخل. لقد كانت دائمًا كذلك، ومكة أشارتني إلى الداخل، والمدينة أكدتها، والآن كل يوم هو استمرار لتلك الرحلة، كل لحظة هي خطوة في الحج نحو ذاتي الحقيقية.
وتعرفون ماذا، يا صاحبي؟ الناس يستمرون في سؤالي: “هل ستعتنق الإسلام؟” ولا أعرف حتى كيف أجيب على ذلك لأنه لم يعد يتعلق بالأسماء. إنه يتعلق بالحقيقة. إنه يتعلق بما يحولك في أي مسار تسلكه. سواء سميته إسلامًا أو خضوعًا أو صحوة، إنه حقيقي. إنه قوي. وأنا أحترمه بشدة. لن أمزح عنه بنفس الطريقة مرة أخرى. لن أسخر أبدًا من تقوى شخص أو طقوسه لأنه وراء كل فعل عبادة هناك قصة كاملة، جرح كامل، رحلة كاملة. ومن أنا بحق الجحيم لأسخر من ذلك؟
وصديقي يقول نفس الشيء. قال لي: “يا صاح، لم أكن أعلم أن الإيمان يمكن أن يبدو هكذا. لم أكن أعلم أن الصمت يمكن أن يكون صاخبًا إلى هذا الحد.” وأضحك لأن نعم، هذا هو التناقض، أليس كذلك؟ مكة هي أعلى صمت ستسمعه في حياتك. والمدينة هي ألطف نار ستشعر بها على الإطلاق. ونحن نحمل ذلك الآن. ليس كتذكار، بل كجرح، جرح مقدس، شيء يقول إننا ذهبنا إلى حافة شيء قديم وعدنا مختلفين.
أفكر في العودة طوال الوقت. ربما لا لأداء العمرة أو الحج. ربما لمجرد الجلوس خارج المسجد مرة أخرى، حافي القدمين على الرخام، لسماع ذلك النداء للصلاة، لمشاهدة رجال كبار السن يسيرون بعصي نحو النور، ولأتذكر من أنا، ليس جو روغان، الرجل صاحب البرنامج، بل جو الروح، جو الخادم، جو ذرة الغبار، في تصميم الله اللانهائي.
وإذا كنت تسمع هذا وكنت على حافة الهاوية، إذا كنت فضوليًا، إذا كان شيء ما في داخلك يجذبك نحو الحقيقة، فلا تتجاهله. لا تسكته. اتبعه. اقرأ. اسأل. المساجد تحدث إلى الناس، ليس فقط العلماء، بل محبي الله. أولئك الذين ليس لديهم مسرح، لا منصة، فقط نور في عيونهم، لأن هؤلاء هم من يمكنهم أن يشيروا لك الطريق إلى المنزل.
وإذا كنت مسلمًا تستمع إلى هذا، شكرًا لك. شكرًا لك على حسن ضيافتك، دفئك، صبرك، ومثالك. لأن طريقك غيرني. ليس بالقوة، بل بالحضور. وهذا هو أعظم دعوة، أعظم دعوة. وما زلت أتعلم. ما زلت أتعثر. ولكن الآن، أتعثر نحو النور. وهذا هو المهم. هذا ما كانت تدور حوله هذه الرحلة بأكملها. ليس الكمال، وليس الوصول، بل الاتجاه. والآن أعرف إلى أين وجهي.
أتعرفون ما الذي ظل عالقًا في ذهني حقًا بعد عودتي من المدينة؟ لم يكن العمارة. لم يكن حتى عظمة الكعبة أو قداسة المسجد النبوي. كان الصمت في عقلي. هذا ما هزني، لأنه لسنوات كان عقلي مجرد فوضى، ضوضاء، آراء، مواعيد نهائية، محتوى، أداء، تفكير مفرط في كل شيء. لكن لأول مرة في حياتي، عدت وكان هناك سكون لا أستطيع تفسيره. لم يكن هذا النوع من الصمت الذي يجعلك غير مرتاح. كان هذا النوع من الصمت الذي يجعلك تدرك أنك كنت في حرب مع نفسك. والآن أخيرًا، انتهت الحرب.
لم أذهب إلى مكة بحثًا عن الدين. لم أذهب حتى لأجد الله. ذهبت فقط لأرى ما هي الحقيقة، لأجربها بنفسي دون مرشحات الإعلام الغربي أو التحيز. لكن ما وجدته، يا صاحبي، وجدني أولاً. أتذكر أنني جلست في غرفة الفندق ذات ليلة بعد أن زرنا المسجد النبوي، فقط أحدق من النافذة. كان هناك الآلاف من الناس يمشون، يصلون، يبكون، وفجأة أدركت أنني لم أكن أشاهدهم. كنت جزءًا منهم. ليس لأنني اعتنقت الدين، ليس لأنني غيرت اسمي أو اتخذت هوية جديدة، بل لأن الإنسان بداخلي استيقظ، الجزء القديم. الجزء الذي يتذكر أننا جئنا من شيء أعلى.
ولم أكن أنا فقط. صديقي، يا صاح، إنه كوميدي. يمزح عن كل شيء. لكن تلك الليلة، كان صامتًا تمامًا، ينظر إلى السقف. سألته ما الأمر. فقال: “يا صاح، كأنني كنت أعمى طوال حياتي، ولم أكن أعرف ذلك.” ضحكت في البداية، لكنه كان جادًا. قال: “نطارد النجاح. نطارد النساء، السيارات، التصفيق، المكانة. لكن هذا الشيء، هذا الشيء في المدينة، لا يطاردك. إنه ينتظرك. وعندما تكون جاهزًا، يمسك بقلبك ولا يتركه أبدًا.” لقد أصاب الهدف. هذا بالضبط ما تشعر به. نحن منغمسون جدًا في إثبات وجودنا لدرجة أننا ننسى أن نعيش حقًا.
وهنا في وسط الصحراء، رأيت أناسًا لا يملكون شيئًا يبتسمون وكأنهم يملكون كل شيء. أناس ينامون على الأرض، يأكلون التمر والماء، يحتضنون بعضهم البعض وكأنهم خرجوا للتو من السجن. لكنهم كانوا أحرارًا طوال الوقت. جعلني أتساءل عن كل شيء. مثل، ماذا نفعل في لوس أنجلوس؟ نحن نتوتر بشأن طلبات القهوة، الإضاءة لإنستغرام، تقييمات البرامج، أسعار الأسهم، وفي هذه الأثناء، هناك عالم كامل حيث الناس سعداء بمجرد التنفس في نفس الهواء كمكان مقدس.
وانظر، لست رجلًا ساذجًا يحاول أن يجعل الصعوبة تبدو رومانسية. لقد رأيت كلا الجانبين. رأيت المال، الشهرة، الفوضى، والآن رأيت كيف يبدو الإيمان عن قرب. والشيء هو أن الإيمان لا يبدو كسيطرة. إنه يبدو كسلام. إنه ليس ضعفًا. إنه قوة بلا غرور. قوة الرضا. قوة المشي ببطء. قوة الإمساك بيد شخص ما والصلاة دون طلب أي شيء. تلك هي القوة التي لم أكن أعرف أنني بحاجة إليها.
كانت هناك لحظة. لن أنساها أبدًا. كنا نجلس بالقرب من المسجد نشاهد رجلاً عجوزًا يساعد طفلاً على ارتداء حذائه بعد الصلاة. هذا كل شيء. لا شيء كبير. مجرد هذا الفعل البسيط من العناية. لكن الطريقة التي فعل بها ذلك، كأنه يخدم الله من خلال ذلك الطفل. لا عجلة، لا شكوى، مجرد حب. وفكرت، يا صاح، متى كانت آخر مرة عاملت شخصًا بهذا القدر من اللطف؟ متى كانت آخر مرة تباطأت بما يكفي لألاحظ روحًا بشرية أخرى؟
تعرف عليّ بعض المعجبين في السعودية، صدقوا أو لا تصدقوا. جاء بضعة شبان وقالوا: “جو روغان، نحب برنامجك.” وضحكت لأنني كنت هنا في أقدس مكان في الإسلام وشخص يتحدث معي عن برنامجي. لكنهم قالوا بعد ذلك: “نحن سعداء بوجودك هنا. ربما الآن سيفهمنا المزيد من الناس.” وهذا أصابني كحجر. ربما هذا جزء من سبب استدعائي هناك. ليس للاعتناق، ليس للتظاهر بأنني شيء لستُه. بل لأشهد، لأستمع، لأشعر، لأعود وأقول للعالم: لقد كذب عليكم بشأن الإسلام. لقد كذب عليكم بشأن المسلمين. والحقيقة، إنها جميلة. لا أقول إن كل فرد مثالي. لا توجد جماعة مثالية. لكن قلب هذا الدين، الإسلام الحقيقي، هو دعوة لتذكر من أنت، دعوة للعودة، لإعادة الضبط. والطريقة التي رحب بي بها الناس هناك، يا صاح، لم أشعر وكأنني غريب. شعرت وكأنني أخ مفقود عائد إلى الوطن. هذا النوع من الحب. لا يمكنك تزييفه. لقد كان حقيقيًا.
سألت أحد العلماء: “لماذا تعتقد أن هذا المكان يؤثر في الناس بعمق؟” قال: “لأن المدينة ليست مجرد موقع. إنها مرآة. تظهر لك روحك. وعندما ترى روحك الحقيقة، تبكي لأنها تتذكر.” تلك الجملة غيرت كل شيء بالنسبة لي. هذا ما كنت أشعر به. روحي تذكرت. تذكرت كيف يشعر الصمت، كيف يشعر الهدف، كيف يشعر الحب بلا شروط. والجزء المجنون هو بمجرد أن تشعر به، لا يمكنك أن تمحوه. لا يهم إلى أين تذهب بعد ذلك، يظل هذا الاتصال معك. حتى في لوس أنجلوس، حتى في الفوضى، حتى في سيارتك العالقة في زحمة السير، ستظل تشعر بتلك الاهتزازات المقدسة في مكان ما في أعماقك. وستناديك مرارًا وتكرارًا.