22 مارس 2025 / 10:43

رئيس المجلس العلمي لطانطان يكتب عن ضوابط العمل الإحساني داخل المساجد

عبد الخالق حسين ـ رئيس المجلس العلمي لطانطان
1- تم تركيب هذه (الثريا الضوئية) يوم الخميس 20 مارس 2025؛ بمسجد عبد الله بن ياسين بحي القدس بكلميم..
فقد تقدم أحد المحسنين بمقترح المساهمة “بصدقة” عبارة عن (مصابيح ثريا) لفائدة المسجد.. فاتصلت بمندوبية الشؤون الاسلامية بكلميم؛ و قدمت الطلب، فقبل السيد المندوب المقترح مشكورا؛ بل فرح به أشد الفرح؛ و أعطى موافقته بالشروع في العمل .. تطوع أصدقاء حرفيون ، يحبون خدمة بيت الله؛ وتم العمل في صباح رمضاني جميل؛ وبعد ساعات من التركيز و الإتقان أضيئت المصابيح.. و وقفنا تحتها نرفع أكف الضراعة “للمجيب سبحانه” أن يضيء قلوبنا وعقولنا وحياتنا بنور منه؛ ودعونا مع مولانا امير المؤمنين محمد السادس أعزه الله ؛ الساهر على عمارة المساجد و خدمتها..

2- لكن الموضوع الأهم في هذا السرد ؛ هو (الدروس المستوحاة) من هذا العمل؛ خصوصا ما يجيب منها عن اسئلة الناس في “علاقة” العمل الخيري – الذي يعشقه ويتشوف إليه كل مغربي- علاقته بفضاء المسجد ؛ أو لنقل بإيجاز : “ما الطريق “القانوني” الذي ينبغي أن يسلكه كل مواطن متطوع لتقديم خدمة خيرية للمسجد أو في المسجد ؟

3- ومن المفيد أن أقدم التوجيهات التالية؛ لعل الله ينفع بها جميع أهل الخير و الإحسان.. وذلك بحكم أنني “خطيب للجمعة” بهذا المسجد؛ وبحكم أنني أشغل “منصب رئيس المجلس العلمي”؛ فمن الله علي بخبرتين: خبرة “ميدانية” كخطيب؛ وخبرة “قانونية” كرئيس للمجلس يشرف على جزء من تطبيق القانون المنظم لأماكن العبادة ؛ مع تغليف ادعائي هذا بكثير من التواضع و الاقرار بالجهل؛ و قولي : الله أعلم..

4- فأقول وبالله التوفيق..
جميع المساجد في مملكتنا الشريفة؛ تشرف عليها مندوبيات الشؤون الاسلامية في الشق العمراني و التدبيري و كل ما يتعلق بالموارد البشرية .. كما تشرف المجالس العلمية المحلية على الجانب العلمي و الثقافي الذي يمارس داخل المساجد .. ولهذا “لا يجوز” قانونيا؛ إجراء أي عمل او اصلاح او نشاط داخل المساجد إلا “باذن” من مندوبية الشؤون الإسلامية و المجلس العلمي.. تماما كما انه “لا يجوز” القيام بأي نشاط داخل المؤسسات التعليمية “بدون إذن و علم” من نيابة التعليم/ المديرية الإقليمية الساهرة على قطاع التعليم..

ولهذا عندما طلب “المحسن” تقديم هذه الصدقة او الهبة ؛ قمنا بالخطوة القانونية الأولى – رغم أني رئيس المجلس العلمي – فاتصلنا بالمندوبية الاقليمية للشؤون الاسلامية لأخذ الموافقة ؛ وبعد “الموافقة”؛ وتحديد موضوع الطلب و توقيته ؛ أذن لنا بالدخول إلى المسجد من أجل أداء الخدمة ؛ فاتصلنا بفريق العمل وانطلقت الاشغال..

5- وهذا التذكير القانوني مهم جدا؛ فهو موجه لبعض المواطنين الذين يتساءلون:
– ” لماذا لا يسمح لي بتعليق لافتة بالمسجد كتب عليه “فقط” دعاء دخول المسجد ، أو دعاء القنوت؛ او المرجو عدم تشغيل الهاتف ؟
– أو لماذا لم يسمح “لجمعية المسجد” ان تقوم بإحياء حفل ديني داخل المسجد ؟..
– أو لماذا لا يسمح لي بتسجيل او تصوير خطبة الجمعة لتعم الفائدة ؟
بل البعض يتساءل : لماذا تغلق أبواب المساجد أصلا ؟

ولماذا لا يبقى مفتوحة على مدار ساعات الليل والنهار !!.. الجميل هو أننا كلنا مررنا من ( هجوم مثل هذه الاسئلة) التي أغلبها ينتمي لتفكير ما قبل المدينة و تعقيدات التمدن.. أقصد أن المدينة بتعقيدات الحياة فيها ؛ خلقت قضايا تحتاج إلى الخروج من التفكير السطحي و البريء ؛ الذي يعتقد بأن المسجد ينبغي أن يظل مفتوحا طول الوقت؛ و الجميع في القرية مثلا قائم بمسؤولية حماية بيت الله و الحرص على صد كل بدعة تهدد ما جرى به العمل بين الناس.. فقد كان المسجد في البادية مفتوح الابواب؛ ولكن كانت بيوت الناس كذلك ناذرا ما تغلق الأبواب لقلة السكان؛ و تعارفهم؛ و صلابة عادات الإحترام و التقدير لبيت الله..لكن لا أحد يستطيع العيش اليوم وباب بيته مفتوح باستمرار.. فقد تغيرت أحوال؛ ومنطقي أن تتغير قوانين ضبط تلك الأحوال..

6- لكننا بشيء من الاستيعاب، و اتساع الرؤية، و الاطلاع على القوانين المنظمة للشأن الديني؛ ندرك أن هناك فلسفة عميقة و رؤية حكيمة في مركزها مقصد “حماية المساجد” من العبث و التشويش و العشوائية و الاستغلال المشبوه..

7 – والجواب عن هذه التساؤلات ؛ مداره على أن المسجد (مؤسسة) كباقي مؤسسات الدولة.. ولكل مؤسسة في الدولة إدارة و مسؤولون و مساطر تنظيمية؛ وكل ذلك هدفه ضمان استمرارية المؤسسة في أداء مهامها وخدماتها للناس؛ فالادارة و المسؤولون على الشأن الدين يسهرون على نظام المساجد ؛ والمحافظة على السير العادي بها؛ و ضمان اداء العبادة و الصلوات في جو من الطمأنينة و الهدوء.. ولنتصور جدلا؛ أن لكل مواطن الحق أن يتصرف متى شاء؛ وبما شاء؛ في المسجد بحريته وهواه !!

فالنتيجة هي:
– أن كل مواطن – ولنستوعب جيدا عبارة “كل مواطن” – سوف يعلق دعاء “يعجبه” هو شخصيا ؛ على باب المسجد أو على حائط القبلة !!
– وأن كل مواطن سوف يتصرف في لون صباغة ابواب المسجد بناء على ذوقه !!
– وكل مواطن سوف يضع في المراحيض ماشاء من النعال و أواني الوضوء بناء على ما يوافق مزاجه !!
– وكل مواطن سوف بخرج هاتفه من جيبه ليصور الخطبة او أي مشهد شاهده في المسجد؛ ثم ينشره على الفيسبوك!!
– وكل مواطن؛ أو مجموعة من المواطنين سوف يدخلون موائد الرحمان لافطار الصائمين بالمسجد من باب الصدقة والاحسان !!
– وكل مواطن له الحق في التدخل في قوة صوت الميكروفون لان الصوت يسبب له صداع الرأس!!
– وكل مجموعة من المواطنين سوف تتدخل في مهمة الامامة لان قراءة الامام لا تعجبهم فيطالبون بإقالته!! ..

إنها أشكال من الفوضى لا تنتهي؛ بل لنقل هي الفوضى نفسها تمشي على رجلين!! ينبغي أن نرتقي بتفكير المواطن البسيط إلى التفكير المؤسساتي المنظم؛ فكما لا يعقل و لا يسمح و من غير المسوح به قانونيا؛ أن يدخل مواطن إلى مؤسسة تعليمية عمومية متى شاء ؛ و يقف في ساحتها؛ و لو ليوزع الحلوى او الدفاتر على التلاميذ !! فهو تصرف غير قانوني رغم أنه مقبول من الوجهة الخيرية و الإحسانية؛ فالإحسان أصبح هو الآخر مقنن بقوانين؛ لأن الإحسان نفسه أصبحت للأسف وراءه “أجندة غير إحسانية” !!

8 – وهكذا.. الامثلة كثيرة نسمعها بين الناس ..لماذا و لماذا ؟؟
والجواب هو : كما لا يحق لك ان تدخل فضاء وبناية مدرسة او ثانوية او محكمة؛ و تتصرف في بنايتها او تعطي تعليمات لموظفيها ؛ او تنظم فيها نشاطا معينا..
ببساطة؛ لأنها مؤسسة ذات حرمة؛ وهي مؤسسة عمومية أن خاضعة لقوانين تشرعها الأمة كلها .. و لا يحق لأحد أو جماعة أن تتدخل في المؤسسة إلا وفق هذه القوانين..

9 – فكذلك “المسجد مؤسسة” تابع لوزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية في شقها الاداري و العمراني؛ و تابع للمجلس العلمي الاعلى في شقها الوعظي و العلمي و الثقافي..
فكل تدخل في شؤون المسجد “بغير إذن وترخيص” من المندوبية الإقليمية للشؤون الاسلامية و المجلس العلمي المحلي؛ يعرض “المواطن المتدخل” للمساءلة القانونية؛ أو قد يدخل تحت العقوبة الجنائية وهي “عرقلة أداء الشعائر الدينية” والتي تصل الى العقوبة الحبسية..

10 – ولهذا نظم القانون مسألة “جمعيات المساجد” التي تتقدم بطلب بناء مسجد ما؛ فمجال اختصاصها هو السهر على بناء المسجد عمرانيا فقط.. أما بعد انتهاء اشغال البناء؛ فإنها تسلم المسجد لوازارة الاوقاف ليصبح ( وقفا) تابعا لقانون المساجد؛ و تحل الجمعية نفسها بقوة القانون؛ أي أنها تفقد الشرعية القانونية ؛ و لم تعد تربطها اي علاقة بتسيير المسجد..

تماما كما لو ان محسنا تبرع من ماله ببناء مدرسة عمومية ابتدائية مثلا .. فلا يعقل أن يعطى لنفسه صلاحيات في تسجيل التلاميذ؛ أو اختيار المعلمين؛ أو التدخل في مضمون المقررات والدروس..بل إن مهمته الإحسانية تنتهي كمتبرع و كمحسن بمجرد انتهاء اشغال البناء.. وهذه مسألة خطيرة ؛ لكن البعض لا يستشعر خطورها على الأمن الروحي للوطن؛ هل يدرك من يعتقد أن جمعية المسجد لها الحق في تسيير المسجد و التحكم في نظامه وسير الأنشطة فيه؛ كم من جمعية سوف تعطي نفسها الحق في تسيير مسجد الحي؛ وكم من فكرة و عقيدة و توجه و ايديولوجية سوف يغرق في سماعها المواطن العادي البريء !!

11 – عندما تنتهي جمعية بناء المسجد من عملها و تسلم المسجد لوزارة الاوقاف..تبدأ مسطرة أخرى وهي : انتظار إعطاء هوية للمسجد أي (رقم و طني و اسم) لتصبح البناية معترفا بها من الدولة.. وبعدها المرحلة الثانية ؛ انتظار توفر المناصب المالية؛ من أجل فتح باب الترشح لمناصب: الامام و المؤذن و الخطيب الذين سوف يقومون على المسجد.. فيتقدم للترشيح (كل من توفرت فيه الشروط) المعلن عنها من المندوبية و المجلس العلمي؛ و تفتح المباراة في وجه اي مواطن بالمملكة كلها؛ بمعنى لمواطن من “مدينة طنجة” الحق في التباري على “امامة مسجد” في مدينة طانطان أو كلميم..

و يعلن عن آجال تقديم الترشيحات ؛ و كذا يعلن عن موعد “امتحانات التأهيل”.. و تجرى مباراة على الصعيد الوطني في “نفس اليوم” لاختيار ائمة و مؤذني و خطباء المساجد الشاغرة .. والمباراة ذات مرحلتين: المرحلة الكتابية و المرحلة الشفوية/ المقابلة..لتوضع النتائج في “أظرفة سرية” و تبعث إلى وزارة الاوقاف و المجلس امجلس العلمي الاعلى بالرباط؛ ترتب اسماء المتبارين بحسب نقط الاستحقاق المحصل عليها.. و بعد اكتمال جميع المداولات ؛ تعلن الوزارة عن الناجحين المستوفين للشروط من حفظ للقرآن الكريم؛ و تمكن من الفقه الضروري؛ و احترام للتوابث الدينية للمملكة.. فيلتحق الناجحون باقاليمهم و يقدمون الوثائق الضرورية للمندوبية و المجلس العلمي ليملأوا وثيقة الالتحاق بالعمل و يلتحقون بمسجد التعيين..

12 – وقد يبقى المسجد مغلقا مدة من الزمن ؛ لأن منصب الامامة لم يتوفق فيه أي احد؛ و يتساءل “من لا يعرف القانون”؛ كيف لهذه البناية الجميلة ان تبقى مغلقة؛ ( هذا حرام !!) .. ولا يدري المعترض أن المسجد أصبح يخضع لإجراءات الشفافية و الجودة و الاستحقاق و الكفاءة في اختيار من يقوم بامامته و أذانه وخطابته ..

13- وقد يكون فتح المسجد وفق “مسطرة الاستثناء” فقد يقدر “السيد عامل الإقليم” أن المصلحة تقتضي فتح المسجد استثناء لصلاة التراويح مثلا رغم عدم نجاح أي مترشح ؛ فيعين السيد المندوب بالتنسيق مع رئيس المجلس العلمي “إماما من الائمة المرشدين” خريجي معهد محمد السادس ليقوم “بالامامة مؤقتا”؛ أقول مؤقتا ؛ خلال مدة محددة قد تكون شهر رمضان فقط .. في انتظار أن ينظم امتحان آخر في أجل تحدده الوزارة .. ولان أغلب الناس لازالوا يفكرون بمنطق القانون القديم الذي كان أغلبه عرفي؛ حيث كان المندوب بمجرد بناء المسجد يعين من يؤم الناس بناء على الاختيار فقط او بناء على اقتراح بعض الفضلاء .. لكن هذا الأسلوب في الإختيار ؛ هو ما جعل عددا من المساجد تعاني من موارد بشرية تنقصها الكفاءة على مستوى ضبط المحفوظ او طريقة القراءة أو مستوى العدة و الكفاءة الفقهية!

14 – غير أن سياسة هيكلة الحقل الديني بأمر من مولانا امير المؤمنين؛ قد تداركت عن وعي ودراسة كل هذه ” الثغرات”؛ و جاءت توجيهات أمير المؤمنين أعزه الله تتغيا الارتقاء وتجويد رسالة المساجد؛ وهدفها الاسمى هو تجاوز اخطاء الماضي بوضع “مساطر صارمة” لاختيار ائمة المساجد و خطبائها بناء على الكفاءة والمؤهلات العلمية و احترام التوابث الدينية للمملكة؛ و الالتزام بما جرى به العمل المغربي لمدة قرون..

15 – و هنا افتح قوسا يسهم في تعميق فهم المواطنين : فقد نسمع أن فلان حافظ للقرآن و يتقن التجويد ( يقال عنه : تبارك الله عليه) ولكن الوزارة لم تختره للإمامة أو الخطابة !! ؛ فيتشعب القيل والقال ؛ ويدخل على الخط الذين في قلوبهم مرض؛ ويقول الخراصون:” الأمر فيه إن..”

والجواب ببساطة : إن مباراة اختيار أطر تسيير المسجد في الامامة و الأذان والخطابة ؛ مباراة متعددة الجوانب : فهي تشمل حفظ القرآن؛ و ضبط المقررات القانونية المنظمة للمجال الديني؛ واستيعاب دليل الامام و الخطيب و الواعظ؛ و الالتزام بالثوابث الدينية للمملكة؛ بالاضافة الى الجانب الاخلاقي والسلوكي داخل المجتمع ..

16- فقد يكون المرشح حافظا لكتاب الله وجميل الصوت بالقراءة .. ولكن ملفه القضائي مليء بالخصومات و الشكايات!! و قد يكون متمكنا من الفقهيات ؛ و لكن يفتي الناس وفق مذهب غير المذهب المالكي !

وقد يكون قارئا له أتباع و مشايعون؛ و لكنه غير قادر على خدمة الأمن الروحي للأمة المغربية؛ وهذه قضية تحتاج لبسطها وشرحها مقالا خاصا ؛ أكشف فيه ” بروفايل الإمام و الخطيب و الواعظ” العضوي؛ المسكون بهموم المملكة الشريفة؛ والمستوعب لواجب الوقت و تحديات المرحلة؛ و القادر على التمييز بين ( علم لا ينفع) و ( فليقل خيرا او ليصمت) و باب من الحكمة لا يستوعبه و يتحقق به إلا الراسخون في العلم.. وما مشاريع وزارة الاوقاف والمجلس العلمي الأعلى في التكوينات الأساسية و المستمرة و أهمها ( ميثاق العلماء) الذي مساهمة في صناعة هذا الفقيه العضوي المنشود.

17- إن إمام المسجد عندنا؛ إمام أصغر ينوب عن الإمامة العظمى التي هي إمامة أمير المؤمنين؛ فينبغي أن يمثل القدوة الدينية و الاخلاقية والقانونية و الوطنية في أبهى صورها..وللأسف هناك قضايا لا يمكن أن يحسم فيها رجال الصحافة و المدونين على مواقع التواصل؛ فهي حصريا من اختصاص علماء المجالس العلمية لانهم بحكم يكوينهم العلمي و خبرتهم الميدانية.. وأهمها أنهم علماء من أبناء المنطقة؛ و يعرفون الخصوصيات؛ و الاعراف و الذهنيات؛ فهم أعرف الناس بمن يصلح للمنصب علما و حكمة و تدبيرا.. و هم يحرصون على تعيين الامام والخطيب الذي سوف يضيف الى الحي و المجتمع قيمة إيجابية في الامن الروحي و الاستقرار الاجتماعي..
وهذا الكلام أقوله لتجربتي و خبرتي الاجتماعية ..

فكم من الافكار الميتة و القاتلة التقطناها من ( متكلم في الدين) لم يكن حكيما و مستوعبا لروح الشريعة وروح العصر و اخيارات الأمة المغربية ؛ مما جعلنا لسنين نردد مقولات وفتاوى مصادمة لثقافتنا ؛ و معاكسة لتديننا المغربي؛ وخصوصية عقيدتنا الاشعرية و مدهبنا المالكي و تصوفنا السني.. ولم نعالج أنفسنا إلا بعد قراءات متنوعة؛ و ارتقاء في الدراسات الجامعية؛ و مجالسة للعلماء الربانيين الوطنيين الذين جمعوا بين علوم الظاهر والباطن..فحلت عقدنا؛ واكتشفنا جهلنا رغم علمنا.. و رجعنا الى أنفسنا ننصحها بالتواضع و عدم طلب الشهرة بالدين؛ و الإجتهاد في فهم واستيعاب ( نموذجنا و خصوصيتنا في التدين المغربي)..

18 – والحمد لله منذ اعادة النظر في مساطر اختيار الائمة و الخطباء؛ بتنا نشهد نهضة و تنويرا على مستوى الخطاب الديني في المساجد؛ و كذا على مستوى السلوك الاجتماعي للأئمة من حيث الاندماج في هموم الناس؛ وليس مصادمة اختياراتهم الحضارية..و قد وقع الكثير من الغلط و التشويش على عقول عوام الناس؛ بل حتى على بعض المتعلمين و المثقفين ؛ لأنهم لم يطلعوا على مدونة القوانين الجديدة المنظمة للمساجد؛ والتي أبدعتها تراكمات من الخبرة؛ و التصميم على جعل المساجد “مجالا للروحانية” و “السمو الاخلاقي” ( و أن المساجد لله؛ فلا تدعو مع الله أحدا).. فأحيانا نسمع أن الجمعية الفلانية تعتزم تنظيم إفطار جماعي داخل المسجد؛
أو حفل خيري ؛ او تنظيم حفل ديني أو مسابقة قرآنية؛

و هذه المطالب تبدو مشروعة و معقولة بالنظر الاخلاقي المجرد؛ لكن تصوروا معي مسجدا يقع في حي به (أربعون جمعية) تنشط ما بين العمل النسائي؛ و الخيري؛ و التوجيهي ؛ والعلمي و تحفيظ القرآن .. وكلها تطالب بفتح فضاء المسجد للإستفادة منه و النشاط داخله !! هل تصورتم إلى أي “وجهة مجهولة” سوف تبحر سفينة مؤسسة المسجد؟ بل هل سيبقى من روحانية ورفعة المسجد شيء ؟

( في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها يالغدو والآصال..)..سوف نشهد بأم أعيننا جماعة المسجد أصبحت جماعات متباغضة؛ فهؤلاء أنصار فلان.. و هؤلاء يقاطعون علان.. و اولائك لا يسمعون لذلك الواعظ لانه مبتدع في نظرهم.. و آخرون لا يصلون وراء فلان لأن عقيدته منحرفة.. و هؤلاء يتهمون الواعظ بمخالفة السنة لحلقه اللحية.. و لولا خشية الاطالة؛ لعددت لكم من العجائب والغرائب التي نسمعها من أناس تظن أنهم أهل دين وخلق وورع؛ ولكن تجدهم أهل خفة عقل و تحريف..فكيف إذا فتحت المساجد لهؤلاء؛ أليس الفتنة أشد من القتل؟.. فاعلموا وفقكم الله؛ أن “اتقاء هذه الفتنة” التي دمرت عقول امم بل مزقت أوطانها هي ( الغاية الأسمى) لإمارة المؤمنين في حرصها على الأمن الروحي للأمة المغربية.

19 – إن الانشطة التي يتمناها كل مسلم مخلص لدينه ووطنه في شقها الخيري؛ من اختصاص مؤسسة محمد السادس لرعاية القيمين الدينين؛ فهي التي توزع القفف الرمضانية بالمساجد.. و تنظم حملات التبرع بالدم في المساجد.. و الأنشطة في شقها العلمي الثقافي؛ كالمسابقات القرآنية و ليالي القرآن أو المديح النبوي أو الدروس و المحاضرات؛ وكذا الكراسي العلمية؛ فهي من اختصاص الجهة العلمية التي هي مؤسسة المجلس العلمي ..

ولهذا ؛ فالأنشطة التي تبقي المسجد منفتحا على المجتمع؛ أصبحت مقننة بمساطر و إجراءات قانونية ؛ وتشرف عليها جهات رسمية من الاداريين والعلماء المشهود لهم بالكفاءة و استيعاب اختيارت الأمة من أعضاء المجالس العلمي يسندهم عدد كبير من الأئمة المرشدين و السيدات المرشدات خريجي معهد محمد السادس؛ و هم المنشغلون بحماية توابثنا الدينية من إمارة للمؤمنين و عقيد اشعرية و مذهب مالكي و تصوف سني..
وللتذكير فقط؛ فمندبية الشؤون الاسلامية يسيرها مندوب تابع لوزارة الاوقاف.. والمجلس العلمي يرأسه رئيس المجلس العلمي و هو تابع للمجلس العلمي الاعلى الذي يرأسه أمير المؤمنين اعزه الله..

20- و ختاما ؛ فإنني أحدثكم بكل تواضع ؛ من داخل المؤسسة الرسمية التي هي المجلس العلمي؛ لأقول لكم: ” اطمئنوا أنار الله سرائركم بأنوار الإيمان ؛ فالعمل متواصل بجد و اجتهاد لإنفاذ توجيهات مولانا أمير المؤمنين في جعل المساجد مناراة للجمال والكمال والجلال؛ من حيث المعمار و الهندسة المغربية الجميلة و المعبرة عن عبقرية الصانع المغربي.. ومن حيث اختيار القيمين الدينيين القائمين على أمور المسجد الذين يشترط فيهم التمكن القرآن وعلومه؛ من العلوم الشرعية؛ و الثقافة المعاصرة ؛و اللغات الاجنيبة؛ و حسن التواصل؛ بالإضافة إلى القرب من هموم الناس..

صدقوني؛ أمامنا اجتهاد طويل في سبيل الإصلاح و التنوير وتأهيل الحقل الديني ليعبر عن هويتنا المغربية المتفردة.. و ها نحن قد بدأنا المسير وفق توجيهات مولانا أمير المؤمنين؛ و هناك إرادة قوية من إمارة المؤمنين على أن ينخرط المسجد في رسالة خدمة القرآن و استيعاب روح سنة سيدنا رسول الله؛ و بناء و صناعة واخراج المؤمن الصانع للسلام و المعروف و البر و الإحسان..