رؤية منصف المرزوقي لمسار الاندماج المغاربي في ضوء القرار الأممي 2797

30 نوفمبر 2025

تحرير : خديجة منصور

يقدم الرئيس التونسي الأسبق، الدكتور منصف المرزوقي، رؤية ذات طابع تحليلي راسخ حول مستقبل الفضاء المغاربي، مستندا إلى تراكم معرفي وتجربة سياسية تمتد لعقود. وقد برز هذا المنظور بوضوح خلال مداخلته في الرباط ضمن ندوة نظمها حزب جبهة القوى الديمقراطية، حيث أعاد المرزوقي قراءة المشهد الإقليمي في ضوء التحولات الأخيرة، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 2797 المتعلق بالصحراء المغربية، باعتباره علامة فارقة في تحديد المسار الواقعي لتسوية النزاع.

ويرى المرزوقي أن القرار الأممي يمثل نقطة تحول أساسية، ليس فقط لتأكيده الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كخيار عملي وواقعي، بل لكونه ينهي سرديتين ظل الخطاب الرسمي الجزائري يستند إليهما لسنوات. فاعتراف الأمم المتحدة بالأطراف المعنية بالنزاع يطيح بطرح “النزاع الثنائي”، فيما يشير تراجع مفهوم “تصفية الاستعمار” في هذا الإطار إلى انحساره داخل الوعي الدولي والمؤسسات الأممية. ويؤسس المرزوقي رؤيته للحل على مبدأ يراه بديهيا: فضاء مغاربي رحب يشمل جميع دول المنطقة.

ويمتد تحليل المرزوقي ليشمل التبعات الاقتصادية والجيوسياسية والإنسانية لاستمرار الانسداد، حيث يعتبر أن أوضاع سكان مخيمات تندوف تجسد معاناة متراكمة عبر الأجيال، وأن الموارد الكبيرة التي أنفقتها الجزائر كان يمكن أن تحدث فرقا في مستوى الخدمات لو وجهت للداخل. كما يشير إلى أن المغرب والجزائر خسرا معا فرصا تنموية وسياسية مهمة، في حين حرمت تونس من إمكانات سوق مغاربية موحدة قادرة على تغيير معادلات النمو.

ويستشهد المرزوقي بما يصفه بـ“المفارقة السياسية” في المواقف الجزائرية، إذ يلاحظ قدرتها على اعتماد الواقعية السياسية في قضايا دولية بعيدة كالتصويت حول غزة، مقابل غياب هذه المقاربة في محيطها الإقليمي المباشر، وفي المقابل، يثني على الدبلوماسية المغربية لما يراه من مزيج بين المهنية والواقعية في الدفاع عن الصحراء المغربية.

ويذهب المرزوقي إلى أن بناء فضاء مغاربي متماسك يقتضي تفعيل دور المجتمع المدني وإطلاق مبادرات تشريعية تشمل الحريات الخمس: التنقل، الاستقرار، العمل، التملك، والمشاركة في الانتخابات البلدية. ويرى أن هذه المبادئ تمثل الأساس الحقيقي لأي مشروع وحدوي قادر على إعادة تشكيل مستقبل المنطقة.

ويختتم المرزوقي موقفه بالتأكيد على أن “المصالحة التاريخية” بين المغرب والجزائر ضرورة لا يمكن تجاوزها، وأن استمرار القطيعة يضع الفضاء المغاربي أمام حدود مسدودة. ويرى أن الجزائر أمام خيارين: إما إعادة صياغة سياساتها بما ينسجم مع التحولات الدولية، أو مواجهة تغييرات تفرض عليها، وينتهي إلى أن مستقبل المغرب الكبير مرهون بتبني مقاربة واقعية لتسوية النزاع وفق القرار الأممي 2797 وبإحياء مشروع الاندماج المغاربي على أسس جديدة تستجيب لتطلعات شعوبه.

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

“الإسلام الإخواني”: النهاية الكبرى

يفتح القرار التنفيذي الذي أصدره أخيرا الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، والقاضي ببدء مسار تصنيف فروع من جماعة “الإخوان المسلمين” كمنظمات إرهابية، نافذة واسعة على مرحلة تاريخية جديدة يتجاوز أثرها حدود الجغرافيا الأميركية نحو الخريطة الفكرية والسياسية للعالم الإسلامي بأكمله. وحين تصبح إحدى أقدم الحركات الإسلامية الحديثة موضع مراجعة قانونية وأمنية بهذا المستوى من الجدية، فإن […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...