25 يوليو 2025 / 16:28

رأي: المغرب حضارة لا بداوة، وتسامح واعتدال لا تنابذ وتطرف

محمد الحيرش. أستاذ اللسانيات والتأويليات. كلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة تطوان

ضد الوهم

لا يمكن أن نفكر في شرطنا المغربي دون محاورة من سبقوا إلى التفكير في هذا الشرط. التراكم لا يحدث والتجديد لا يقع إلا بالانخراط المسؤول مع الآخرين في خوض تجربة الفكر بما تتطلبه من مساءلة ومراجعة واجتهاد وإضافة.

واهم من يعتقد أن تجربة الفكر في أي موضوع هي تجربة صِفرية (تبدأ من الصفر)، أو تجربة مونولوجية منفصلة عن الغير.

حتى في مجال العلوم الصُّلبة ليس هناك من العلماء من يفترض أن العمل الذي يقدمه مفصول عن اجتهادات الآخرين ومنقطع عنها.

أكد شرودنغر مرارا أن عمله لم يكن له أن يستوي على ما هو عليه إلا بالتفاعل والتواصل مع أعمال وجهود سابقة، وأنه لم يكن يأخذ الكلمة إلا بعد الآخرين، أي بعد كل من سبقوه.

الإشكال اليوم في المغرب يتجسد في ذلك النزوع الملحوظ الذي يراد له أن يسير نحو التعميم، ذلك النزوع الذي يبدو معه كما لو أن الفكر المغربي لم يبدأ إلا لحظة اليوم مع هذا أو ذاك.

هذا الإصرار على استئصال التجربة الفكرية المغربية من جذورها القريبة والبعيدة هو ما صار حقا يبعث على القلق.

أتذكر في أواسط التسعينيات كيف حاول البعض أن ينغلق بالنقاش العمومي في المغرب داخل زوايا مظلمة، لكن سرعان ما تبين أن ذلك النقاش لم يكن خالصا لوجه المغرب، بل كانت توجهه مقاصد وأجندات مغرضة.

كما أتذكر بالموازاة مع ذلك كيف كان بعض النقدة وأشباه المثقفين يطلقون شعارات غريبة عن عمقنا وصيرورتنا التاريخية. كان هناك من يتجرأ على نعت كل السابقين في الفكر والأدب والسياسة، وفي كل المجالات بأنهم مجرد أصنام ينبغي إسقاطها. أصبحت عبارات من مثل: “الموجة الجديدة” و”الغارة الجديدة” وما شابه ذلك هي العبارات التي كان يركب عليها آنئذ هواة التجديد الذي لا مقتضى له ولا أساس.

من الواجب القول اليوم بأن التشويش المتواصل منذ سنوات على التجربة المغربية في اعتدالها وتسامحها وانفتاحها بدأ يُسخِّر مَعاوِلَ من هنا وهناك، بعض هذه المعاول على درجة كبيرة من الاحترافية وعلى قدر وافر من الإمكانات، وبعضها الآخر مجرد خدم في سوق الأنشطة المدرة للدخل.

لكن العائق الذي ظل يصطدم به هؤلاء المشوشون جميعُهم أنه تعذر عليهم الوصول إلى نتائج مباشرة وفورية، لسبب عميق ووجيه وهو أن النماذج التي يُسنِدها تاريخ وتقف وراءها حضارة لا يمكن النيلُ منها حتى ولو تعددت المعاول وتنوعت الوسائل. المغرب عمق لا سطح، وحضارة لا بداوة، وتسامح واعتدال لا تنابذ وتطرف.

جمعة مباركة.

المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك: https://web.facebook.com/sadek.elhirech