18 أغسطس 2025 / 13:12

رأي: قضية القميص المثير من منظور فلسفي وديني

إيمان شفيق

في عصر تتسارع فيه المواجهات بين حرية التعبير والرموز الدينية، أثارت صورة تم تداولها على نطاق واسع لامرأة ترتدي قميصا يتضمن إساءة إلى الذات الإلهية، موجة من الجدل والغضب، خصوصا في الأوساط المحافظة. الصورة – التي ظهرت خلال فعالية نسوية – تضعنا أمام سؤال محوري: أين تنتهي حرية التعبير، وأين تبدأ حرمة المقدسات؟

 

“الله” في العقيدة الإسلامية: الاسم الأعظم

لفظ “الله” في الإسلام ليس مجرد اسم عادي، بل هو الاسم الجامع لكل صفات الكمال الإلهي. هو اسم الجلالة الذي يفرد به سبحانه، ولا يطلق على غيره، كما ورد في قوله تعالى: “هو اللّه الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشّهادة، هو الرحمن الرّحيم” (سورة الحشر: 22)، وهو اسم تفتتح به سور القرآن الكريم بـ”بسم الله الرحمن الرحيم”، وتختم به الدعوات والعبادات، وتحمله القلوب كرمز للتوحيد. من هنا، فإن استخدام هذا الاسم المقدس في شعار يحمل طابعا جنسيا وسياسيا لا يعد فقط صادما، بل تعديا على مفهوم إيماني عميق يشكل جوهر العقيدة الإسلامية.

 

بين الحرية والقداسة

من منظور الفلسفة الليبرالية، خاصة عند المفكر “جون ستيوارت ميل”، فإن حرية التعبير ركيزة أساسية لا يجب قمعها إلا إذا تسببت في “ضرر حقيقي” للغير. البعض قد يرى في القميص تعبيرا شخصيا أو احتجاجيا ضد الأنظمة القمعية، الدينية أو الاجتماعية. لكن هذا الطرح يصطدم بإشكالية فلسفية أعمق: هل يمكن استخدام الرموز المقدسة كأدوات احتجاج دون انتهاك حقوق الآخرين الروحية؟

الفلاسفة مثل “نيتشه” استخدموا الصدمة لكسر الجمود الفكري، ولكن حتى هم اعترفوا بأن الصدمة تحمل تكلفة أخلاقية وإنسانية. حين يتحول اسم “الله” إلى شعار سياسي أو جنسي، فإننا لا نكسر فقط الخطوط الحمراء، بل نعيد تعريف قدسية اللغة ذاتها.

 

بين الحريات الفردية والخصوصية الثقافية

من الواضح أن القميص جزء من سردية نسوية راديكالية، ترى في الجسد أداة مقاومة، وفي الصدمة وسيلة لزعزعة السلطة الدينية والهيمنة الأبوية. لكن هذه الوسائل، رغم نجاعتها أحيانا في السياق الغربي، تفشل في مجتمعات محافظة ذات حساسية دينية عالية، مثل المغرب أو غيره من الدول الإسلامية، حيث تعد الرموز الدينية جزءا من الهوية الجماعية لا الفردية.

نقرأ في آية كريمة: “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم” (سورة الأنعام: 108) وواضح أن الآية تعكس مبدأ عميقا: الاحترام المتبادل للمقدسات ضرورة إنسانية قبل أن تكون دينية.

 

الصدمة لا تنتج الفهم بالضرورة

نعم، للفرد حرية التعبير، لكن ليست كل طريقة تعبيرية تؤدي إلى التغيير المنشود. حين تستخدم الأسماء المقدسة، كـ”الله”، في شعارات تمس الهوية الدينية، فإننا لا نفتح حوارا، بل نغلق الأبواب ونبني جدران الصراع.

التغيير الحقيقي لا يأتي من استفزاز المعتقدات، بل من بناء مساحات تفاهم بين الخصوصية الثقافية وحقوق الإنسان، وهي مهمة معقدة لا تنجزها صورة، بل مسار طويل من التوعية والحوار الصادق، فهل يجب أن تمارس حرية التعبير بلا قيد؟ ربما، ولكن إن كانت الحرية تهدم القيم المشتركة بدل أن تحميها، فإنها تتحول من حق إلى عبء.