ذكرى المسيرة الخضراء.. حصيلة خمسين عاما من النضال الوطني

6 نوفمبر 2025

محمد زاوي

تحل اليوم، 6 نونبر 2025، الذكرى الخمسون للمسيرة الخضراء في سياق خاص، حيث أتت السياسات المغربية أكلها بعد أكثر من نصف قرن من الصمود والعمل السياسي الجاد والحكيم. فحيث كانت بعض المطالب تبلغ عنان السماء مطالبة الدولة بحسم الملف شعبيا وميدانيا، كانت إدارتها تفكر وتدبر بمنطق الممكن تاريخيا، وترى أن الفعل الشعبي لا يأتي أكله إلا إذا كان مسنودا بشروط وتوازنات تاريخية تمكّنه من ذلك. فقررت الدولة المسيرة الخضراء عندما كانت بعض الأطراف السياسية تطالبها بإطلاق حرب شعبية، وقررت “الاحناء لعواصف” الحرب العالمية الثانية عندما طالبتها بعض الأحزاب والتنظيمات بدعم “حزب تحرير الجنوب” مطلقا، وقررت بناء قاعدة اقتصادية واجتماعية قابلة للحل في الصحراء المغربية عندما كان البعض يتخذ من “الصحراء” ذريعة للمطالبة بحيز أكبر من “ديمقراطية مزعومة ولا تاريخية”.

وفي السياق الراهن، راهنت الدولة على التحولات الجيوسياسية الجارية، حيث تراجع الأحادية القطبية الأمريكية واضطرار إدارتها “الجمهورية” لتغيير سياساتها الخارجية بما فيها تلك المتعلقة بملف الصحراء المغربية، وحيث خروج دول كالصين وروسيا من منطقة “الحرب الباردة”، وحيث استعداد إفريقيا لدخول العالم الجديد، وحيث حاجة الدول الأوروبية إلى وسيط اقتصادي وسياسية موثوق في القارة الإفريقية؛ لقد راهن المغرب على كل هذه التحولات، فيما كانت بعض الأطراف العولمية والعدمية تطالبه بالخروج عن منطق الحساب وتبَنّي دبلوماسية إيديولوجية مغامرة يجني المغرب من ورائها “جعجعة بلا طحين”.

وهكذا، فبعد أكثر من خمسين عاما من النضال الوطني الحكيم، كان المغرب على موعد مع تحولات كبرى فارقة في التاريخ الحديث للصحراء المغربية؛ وهي تحولات يمكن إجمالها في ما يلي:

1-إعداد البنية القابلة للاستثمارات الكبرى ومؤسسات الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية.. وهذا عمل شرع فيه المغرب منذ طرحه لمبادرة الحكم الذاتي عام 2007، لتتوالى بعد ذلك الأوراش الاقتصادية والاجتماعية والإدارية الكبرى في الصحراء المغربية، تمهيدا لواقع قابل لمبادرة الحكم الذاتي باعتباره الواقع الوحيد الضروري والممكن.

2-اعتراف دولي بمغربية الصحراء، نظرا لعدة اعتبارات هي: كون الاعترافات تشمل قوى كبرى من جميع القارات، كون الاعتراف صادرا أساسا عن جهة دولية ما زالت تقرر جيوسياسيا إلى حدود الساعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي الولايات المتحدة الأمريكية، وكون دول عظمى أخرى كالصين وروسيا توافق عمليا على هذا الاعتراف كما تتهيأ له من خلال وتيرة علاقاتها المتصاعدة مع المغرب… الخلاصة أنه عالم جديد يعترف بمغربية الصحراء، وأفقه هذا الاعتراف مهما تأخر لهذه الأسباب التكتيكية أو تلك.

3-انحسار الأطروحة الانفصالية، ومعها الأطروحة الهيمنية للنظام الجزائري؛ وليس ذلك مغاربيا وإفريقيا فحسب، ولا غربيا وأوروبيا فحسب، بل في علاقة الجزائر بحلفائها الكلاسيكيين أنفسهم.. فالصين تحسب حساب موقفها من مغربية الصحراء بحسابين هما: مصالحها في المغرب وتناقضها مع الولايات المتحدة الأمريكية. أما روسيا فقد سارعت إلى منافسة الأوروبيين على السواحل الجنوبية تحت السيادة المغربية.. وهما معا، أي روسيا والصين، لم يقبلا بعضوية الجزائر في مجموعة “بريكس” لاعتبارات دولية وجيوسياسية واقتصادية تخصهما وباقي دول المجموعة.. لقد كان هذا الواقع الجديد كافيا لردع الجزائر، لكنها ربما تضغط تكتيكيا الخروج بأقل الخسائر في استراتيجية أصبحت محسومة لمصلحة المغرب..

4-جعل قضية الصحراء المغربية في صلب التخطيط الاستراتيجي للدول الإفريقية الصاعدة، من خلال توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع عدد كبير من دول القارة الإفريقية، كذا بتحويل الصحراء المغربية إلى “واجهة أطلسية” تربط قارات العالم الخمس عبر موقعها الاستراتيجي المطل غربا على المحيط الأطلسي، والمنفتح شمالا وجنوبا وشرقا على أوروبا وإفريقيا وآسيا وأستراليا -على التوالي-.. لا تبحث الدول الإفريقية الصاعدة، كنيجيريا وكينيا والسنغال وباقي دول غرب إفريقيا (“الإكواس”)؛ لا تبحث هذه الدول عن دولارات تبيع بها موقفها من هذه القضية أو تلك، وإنما إلى مشاريع استراتيجية تقلل خسائرها في مواجهة الرأسمال الأجنبي بالاستثمار الخلاق على أراضيها، وتربطها بالعالم المتقدم بتوفير منصات وموانئ ومطارات ووسائط تمكنها من تسويق منتوجها الاقتصادي.. وقد نجح المغرب إلى حد بعيد في هذه السياسة، كما نجح في ربطها بقضية الصحراء المغربية.

5-الترسيخ الأممي لسيادة المغرب على صحرائه من خلال القرار الذي اعتمده مجلس الأمن مؤخرا، والذي ينص صراحة على السيادة المغربية في الأقاليم الجنوبية.. إنه ترسيخ أممي واضح، شكلا ومضمونا.. فمن حيث الشكل، اعتمِد القرار بأغلبية أعضاء مجلس الأمن، في حين اكتفت الأطراف التي لم تصوت عليه بالامتناع (روسيا والصين وباكستان) أو عدم المشاركة في التصويت (كما هو حال الجزائر)؛ ما يعنيه ذلك من إجماع حال دون التصويت بالرفض أو استعمال حق الفيتو. أما من حيث المضمون، فقد نص القرار لأول مرة على سيادة المغرب على الصحراء، كما اعتبر الحكم الذاتي أساسا أكثر واقعية للتفاوض بين كافة الأطراف المنية، داعيا إلى حوار جاد ومستعجل بينها تحت إشراف إشراف أمريكي مباشر.. هذا تحول غير مسبوق في مسار قضية الصحراء المغربية، وقد أخذت به كل الأطراف علما، وهي على الأرجح تعمل على التأقلم مع مخرجاته..

6-الوحدة السياسة الوطنية في الداخل، وهي وحدة لم يسبق لها أن تحققت كما هي اليوم.. صحيح أن كافة الأحزاب والتنظيمات الوطنية كانت مُجمعة على مغربية الصحراء، إلا أنها كانت تختلف مع الدولة في هذه القضية التكتيكية أو تلك إلى حد بعيد.. ونذكر هنا على سبيل المثال موقف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من المسيرة الخضراء ومن الاستفتاء، وقبل ذلك موقف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من مطالبة الدولة بشنقيط وتناقضها مع النظام الجزائري.. في حين لا نكاد نعثر اليوم على مثل هذه المعارَضات من الأحزاب والتنظيمات الوطنية، يمينا أو يسارا. وإنما هو إجماع وطني على الاستراتيجية والتكتيك معا، تفرض فيه الدولة اختياراتها كما تفرض قدرتها ونجاعتها في تدبير ملف استُل بين فكي عالم معقّد كما تُستَل الشعرة من العجين.

“الإسلام الإخواني”: النهاية الكبرى

يفتح القرار التنفيذي الذي أصدره أخيرا الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، والقاضي ببدء مسار تصنيف فروع من جماعة “الإخوان المسلمين” كمنظمات إرهابية، نافذة واسعة على مرحلة تاريخية جديدة يتجاوز أثرها حدود الجغرافيا الأميركية نحو الخريطة الفكرية والسياسية للعالم الإسلامي بأكمله. وحين تصبح إحدى أقدم الحركات الإسلامية الحديثة موضع مراجعة قانونية وأمنية بهذا المستوى من الجدية، فإن […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...