ذكرى المسيرة الخضراء: الخطاب الملكي من روح المسيرة إلى وحدة ورفاه الجميع

دينبريس
تقارير
دينبريس13 نوفمبر 2024آخر تحديث : الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 11:56 صباحًا
ذكرى المسيرة الخضراء: الخطاب الملكي من روح المسيرة إلى وحدة ورفاه الجميع

عبد الحكيم الزياني

في الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، ألقى صاحب الجلالة الملك محمد السادس خطابًا ساميًا تناول فيه أهمية هذه المناسبة الوطنية العظيمة، مؤكدا على ضرورة تعزيز الرابط بين الماضي والحاضر. جلالته أبرز القيم الوطنية الراسخة والإنجازات التي حققها المغرب في قضية الصحراء المغربية، مشددا على دورها المحوري في الوحدة الوطنية. كما أعلن عن مبادرات جديدة لإعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج، وهي خطوة تعكس التزام المغرب الراسخ بوحدة شعبه واهتمامه العميق بأبنائه في جميع أنحاء العالم. هذا الخطاب، الذي جاء في إطار احتفال وطني كبير، يعكس رؤية جلالته المستمرة من أجل تحقيق التنمية الشاملة وتقوية الروابط بين المغاربة جميعا حيثما حلوا.

الخطاب الملكي: أسلوب يجمع بين القوة والوضوح
اعتمد جلالة الملك في خطابه لغة واضحة وفصيحة، تتسم ببساطة التعبير وعمق المعاني، وهو أسلوب يعكس قدرة الخطاب الملكي على مخاطبة كل فئات الشعب المغربي، بما في ذلك المغاربة المقيمون بالخارج. ويبدأ الخطاب بتقديم الشكر والاعتزاز بالشعب المغربي، قبل أن يتناول الذكرى المجيدة للمسيرة الخضراء، مشيرا إلى أنها ليست فقط حدثًا تاريخيًا، بل رمزا يعبر عن الوحدة الوطنية والتضامن الشعبي الذي حققه المغرب في مسيرته نحو استرجاع أراضيه الجنوبية.

تأصيل مفهوم الوحدة الترابية وترسيخ المكتسبات الوطنية
أكد جلالة الملك في ذات الخطاب، على أن المغرب أرسى واقعا غير قابل للجدل حول مغربية الصحراء، مبنيا على الشرعية التاريخية والتطورات الملموسة التي تشهدها المنطقة. وأشار إلى ثلاثة محاور رئيسية تعزز هذا الموقف:
1. التشبث بالانتماء الوطني: أشار الملك إلى أن أبناء الصحراء المغربية يحتفظون بارتباطهم العميق بمغربيتهم وبالولاء لملكهم، ضمن إطار البيعة الذي يربط السكان بالملكية منذ قرون.
2. التنمية والاستقرار: أبرز الملك المكاسب التنموية والأمنية التي تم تحقيقها في الصحراء المغربية، مؤكدًا أن المنطقة تنعم بالاستقرار والازدهار.
3. الدعم الدولي المتزايد: شهد العالم خلال السنوات الأخيرة اعترافًا متزايدًا بمغربية الصحراء، حيث أبدت دول عدة تأييدها لمبادرة الحكم الذاتي، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، مما يعزز موقف المغرب في الدفاع عن وحدته الترابية.

انتقاد الأطراف المعادية وإبراز مواقف المغرب الثابتة
على الرغم من التطورات الإيجابية، انتقد الخطاب الملكي بعض الأطراف التي تعارض الحلول الواقعية وتسعى لتشويه الحقائق المتعلقة بقضية الصحراء، حيث قال جلالته: “هناك مع الأسف، عالم آخر، منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن”.
بهذا الصدد أوضح جلالته أن بعض الجهات تستغل هذه القضية لأغراض سياسية ضيقة، فيما أخرى غير واقعية لاتزال تطالب بالاستفتاء الذي تجاوزته الأمم المتحدة، أو بتغطية مشاكلها الداخلية، أو بمحاولة الحصول على منفذ على المحيط الأطلسي، رغم أن أن المغرب لا يرفض الشراكة والتعاون، حيث اقترح سابقا مبادرة دولية تهدف إلى تسهيل وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي في إطار التعاون الإقليمي بغية تحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة.
وأضاف أن المغرب ملتزم بالشراكات الدولية ولن يتنازل عن سيادته أو وحدة أراضيه. كما دعا الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤوليتها وإبراز الفرق الواضح بين الواقع الذي تمثله المملكة في الصحراء، وبين الأطروحات غير الواقعية التي تتشبث بها بعض الأطراف.

الربط بين ذكرى المسيرة ودور الجالية المغربية بالخارج
اختار جلالة الملك ذكرى المسيرة الخضراء للإعلان عن توجهات جديدة بخصوص الجالية المغربية بالخارج، وهو ما يعكس دلالات عميقة تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية والمشاركة في التنمية؛ فالجالية المغربية، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الشعب المغربي، تلعب دورا أساسا في دعم القضايا الوطنية وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية. ويأتي تجديد الهيكلة المؤسسية لمجلس الجالية المغربية بالخارج لتلبية متطلبات المرحلة ولتأطير دور الجالية بالشكل الذي يعزز إسهامها الفعال في دعم الوطن من الخارج.
كما أن اقتران الحديث عن ذكرى المسيرة الخضراء بالتعديلات في مجلس الجالية المغربية بالخارج في الخطاب الملكي يحمل دلالات قوية، ويعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى ترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية وربط المغاربة في الداخل والخارج بالقضايا الوطنية الكبرى.

إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج: أهداف وتحديات
جعل جلالة الملك ذكرى المسيرة مناسبة للإعلان عن مشروع إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج عبر محورين رئيسيين:
1. تفعيل دور مجلس الجالية كمؤسسة دستورية مستقلة:
– يُعد مجلس الجالية المغربية بالخارج مؤسسة دستورية تهدف إلى تمثيل الجالية والتجاوب مع احتياجاتها. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، دعا جلالة الملك إلى ضرورة إخراج قانون جديد للمجلس، يضمن له دورا أكبر في التفكير وتقديم الاقتراحات حول القضايا التي تهم المغاربة المقيمين بالخارج. هذه الخطوة تهدف إلى ترسيخ استقلالية المجلس وضمان تمثيل مختلف مكونات الجالية على مستوى استشاري.
2. إحداث المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج:
– جاء الإعلان عن “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج” كجزء من استراتيجية شاملة لتعزيز دور الجالية، حيث ستكون هذه المؤسسة الذراع التنفيذي للسياسة العمومية في هذا المجال. وستضطلع بتوحيد وتنسيق الصلاحيات التي كانت موزعة بين عدة جهات، مما سيجعلها قادرة على إعداد وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للجالية المغربية.
– ستعمل المؤسسة أيضا على دعم الكفاءات المغربية بالخارج عبر “الآلية الوطنية لتعبئة الكفاءات”، حيث ستركز على تعزيز الاستفادة من خبرات الجالية في مختلف المجالات، ودعم أصحاب المبادرات والمشاريع الاستثمارية في المغرب.

التحديات التي تواجه مجلس الجالية والمؤسسة المحمدية
إعادة هيكلة مجلس الجالية والمؤسسة المحمدية تطرح مجموعة من التحديات، أهمها:
– التفاعل مع احتياجات الجالية المتغيرة: المغاربة المقيمون بالخارج يواجهون ظروفًا مختلفة ومتغيرة، سواء من حيث الحاجات الإدارية أو الثقافية أو الاقتصادية، مما يتطلب تجديد وتطوير طرق التواصل معهم وتلبية احتياجاتهم.
– تعزيز الهوية المغربية: تسعى الهيكلة إلى تكثيف جهود التأطير اللغوي والثقافي والديني للجالية المغربية، خاصة بين الأجيال الجديدة التي تواجه تحديات الاندماج والحفاظ على هويتها المغربية.
– تشجيع الاستثمار: من بين الأهداف الرئيسية للمؤسسة المحمدية ومجلس الجالية تشجيع استثمارات المغاربة بالخارج في وطنهم الأم. وعلى الرغم من مساهمة الجالية الكبيرة في الاقتصاد الوطني، فإن نسبة استثماراتهم الخاصة لا تزال في حدود 10%، وهو ما يستدعي تحفيزات أكبر لتشجيعهم على ضخ المزيد من الاستثمارات.

دلالات خطاب الملك وأبعاد إعادة الهيكلة

خطاب جلالة الملك بمناسبة المسيرة الخضراء جاء ليعبر عن رؤية شاملة تهدف إلى:
– توسيع مفهوم المشاركة الوطنية: المسيرة الخضراء كانت مثالًا ملهمًا عن التعبئة الوطنية من أجل قضية وطنية مشتركة، والآن تأتي إعادة هيكلة مجلس الجالية والمؤسسة المحمدية لتعزيز مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في خدمة قضايا الوطن ودعم تنميته.
– إظهار التضامن بين المغاربة في الداخل والخارج: ربط ذكرى المسيرة الخضراء بتحديث دور الجالية المغربية يؤكد أن كل مغربي، أينما كان، يحمل جزءا من قضية الوطن ويمثل صوته في الدفاع عن مصالحه وقضاياه، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية.
– تشجيع التنمية الشاملة: الملك يشدد على أن كل فرد من أبناء الوطن له دور في التنمية، بدءا من الجالية المغربية بالخارج إلى المواطنين في كافة المناطق المغربية، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.
دلالات الخطاب الملكي
إن اقتران الحديث عن ذكرى المسيرة الخضراء بالتعديلات في مجلس الجالية المغربية بالخارج في الخطاب الملكي يحمل دلالات قوية، ويعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى ترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية وربط المغاربة في الداخل والخارج بالقضايا الوطنية الكبرى، وفيما يلي أبرز الدلالات:

1. الوحدة الوطنية الشاملة:
المسيرة الخضراء كانت رمزًا للوحدة الوطنية والتضامن بين المغاربة لاسترجاع جزء مهم من أراضي الوطن، وبالتالي فإن ربط هذه الذكرى بتحديث دور الجالية المغربية بالخارج يوحي برؤية المغرب لوحدة وطنية تشمل جميع أبنائه، سواء في الداخل أو في المهجر.
الخطاب يؤكد أن قضية الصحراء المغربية هي قضية جميع المغاربة، سواء كانوا داخل البلاد أو في الخارج، وهو ما يعزز شعور الجالية بمسؤوليتها ودورها الفاعل في دعم القضايا الوطنية.

2. تعزيز مساهمة الجالية في التنمية وحماية الهوية:
المملكة تتطلع إلى إشراك الجالية المغربية بفاعلية أكبر في تنمية البلاد، تمامًا كما كان إشراك المغاربة من كافة الجهات ضروريًا في المسيرة الخضراء.
التعديلات تهدف إلى خلق هيئات مؤسسية قوية تدعم تواصل الجالية مع وطنها وتوفر لها فرصًا لتعزيز ارتباطها بالهوية المغربية من خلال التأطير اللغوي، الثقافي، والديني.

3. توسيع مفهوم التعبئة والمشاركة الوطنية:
التعديلات الجديدة لمجلس الجالية والمؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج تأتي لتعزز مفهوم التعبئة، الذي كان من أبرز عناصر نجاح المسيرة الخضراء. فهذا التحديث يهدف إلى تعبئة الكفاءات المغربية بالخارج، ودعم مساهمتهم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب.
يأتي هذا ضمن مسعى المملكة لتعزيز مشاركة المغاربة بالخارج في تنمية المغرب، بحيث لا يقتصر دورهم على الدفاع عن القضية الوطنية في الخارج، بل يمتد أيضًا للإسهام في الاقتصاد الوطني ورفد التنمية في الأقاليم الجنوبية وباقي مناطق البلاد.

4. التصدي للتحديات العالمية والإقليمية:
يواجه المغرب تحديات إقليمية ودولية تتطلب موقفًا وطنيًا موحدًا، بما في ذلك دعم المغاربة بالخارج لقضية الصحراء. التعديلات الجديدة على المجلس تمثل خطوة نحو تسهيل وتنسيق دور الجالية المغربية في الدفاع عن المصالح العليا للوطن، وتعزيز حضورها كقوة ضغط مدافعة عن مصالح المغرب في العالم.
في هذا السياق، يسعى الخطاب إلى تمتين هذا الدور، عبر مؤسسات مؤهلة تسهم في نقل الصورة الحقيقية عن المغرب وإبراز إنجازاته في ملف الصحراء المغربية.

5. استثمار طاقات الجالية لخدمة المغرب:
الملك يشير إلى أهمية رفع مساهمة الجالية في الاستثمارات الوطنية، تمامًا كما رفع المغاربة علمهم عالياً في الصحراء عبر المسيرة الخضراء. وهذا يرمز إلى ضرورة دعم وطنهم اقتصاديًا، بحيث تتكامل الجهود لتنمية كل الأقاليم، بما في ذلك تلك المتواجدة في الصحراء.
بإنشاء المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج، سيتم تمكين الجالية من تجسيد روح الوطنية عبر استثمارات ومشاريع تدعم الاقتصاد الوطني وتوفر فرص عمل، كما ستحظى الكفاءات المغربية بدعم خاص لتسهيل مشاركتهم في التنمية.

الخاتمة: رؤية مغربية موحدة نحو المستقبل
اقتران الحديث عن ذكرى المسيرة الخضراء بتحديث هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج يحمل في طياته رؤية ملكية شاملة تجمع بين التذكير بالماضي المجيد والاستعداد لبناء المستقبل المشرق. خطاب جلالة الملك ليس مجرد دعوة لتحديث المؤسسات، بل هو دعوة للتفاعل الإيجابي من قبل كل مغربي، سواء داخل الوطن أو خارجه، من أجل بناء وطن يليق بتطلعات الجميع.
فالملك ينادي اليوم بأن القضية الوطنية ليست مجرد نزاع إقليمي، بل قضية هوية وجوهر، وأن كل مغربي، مهما كان موقعه، يمتلك دورًا في الدفاع عنها وتعزيزها. إعادة هيكلة المجلس والمؤسسة الجديدة تمثل خطوة جوهرية نحو تكريس روح التضامن الوطني وتوسيع آفاق المشاركة في التنمية. إنها رسالة تدعو كل مغربي ليتحد، ليبني ويعزز مكانة وطنه في الداخل والخارج.
ختامًا، فإن اقتران الذكرى التاريخية للمسيرة الخضراء بإعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج يعكس حرص المملكة على بناء روابط عميقة بين الوطن وأبنائه، ليست فقط روابط المشاعر والهوية، بل روابط الشراكة والعمل والمساهمة الفعالة في دفع عجلة التنمية وتحقيق الرخاء في كل شبر من هذا الوطن العزيز.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.