محمد أكعبور ـ باحث في الخطاب والإعلام الديني
كلما اقترب رمضان بشهور تجد النساء يربين الدجاج ويعتنين به أيما اعتناء لا يوازيه إلا اعتناء بالولد الرضيع، وتعظم العناية في شأن ذكره حتى يكبر له العُرف لما له من تأثير في العُرف تهئية له لرفع الأذان وأي أذان !!!
إنه الإيقاظ لتناول وجبة السحور بما ورد في خصوصها من تحصيل بركة كما في خير الحديث، ولما للطعام من أثر في تقوية الفرد على العمل والإنتاج للحفاظ على مستوى السكري في الدم تجنبا لأثر الدوخة في تعطيل العمل بعد عطل الفرد وهي وجبة يحرص الجميع على تكامل مكوناتها الغذائية من نشويات وبروتينات وفيتامينات وشرب مزيد من السوائل وما أجد أفضل من الماء، حتى إذا تدرب المرء على الاستيقاظ بمرور الليالي فأصبح العمل لديه إلفا؛ ثم تأتي العشر الأواخر التي تفضل الأولى والثانية بما تضمه من فضلى الليالي ؛ ليلة مباركة ليلة القدر العمل فيها خير من ألف شهر مما ليست فيهن وألف شهر ما يعادل سبعية عاما أو يزيد .
قبيل عصر الليلة تجد سوق الديكة الناس إليها مساق ركبانا أو على ساق سوق مليئة بما لذ وطاب من النعم المسداة في الليلة المهداة ديكة بألوان تسر الناظرين وأحجام تأسر القاصدين والمارين .
ما أجمل تلكم الأصوات المتعاليات للديكة وهي مربَطة بإحكام مقبوضة اليد عهدت المناداة في الآن ذاته بصوت واحد متناغم من حناجر متواليات تأوله الإنسان حروفا فأنتج صوت مقاله “كوكوهو” وفي رواية “كوكوعو”.
تجد الشيبة والعجائز يقبضن قبضة محكمة البضاعة الصائتة مخافة الإفلات من اليد والهرب إلى على السطوح العوالي ومن تم إلى الساحات الخوالي مما قد يعقبه جري الأرنب، ثم لا يلبث أن يفلت؛ وخوفا من ذلكم تجد سبلا وحيلا حفظا له من مكروه وبأس فتضيع الجهود ويسود القنوط واليأس .
لذلكم تجدهم أشد الحرص أن تفلت من بين أيديهم أو من خلفهم أو على جنب .
تتعالى أصوات الديكة ممتزجة بضجيج وحركة السوق نتيجة التفاوضات للبيع والشراء في زحام الزقاق أو الممر المخصص بجناح السوق أو “السويقة” بالحي ؛ واليوم بالشارع ومما وقفت عليه وأنا أغادر المسجد بعد أداء فرضة يومها والليلة إلينا ترتجل والشهر عنا يرتحل بهدوء وسكينة أن الناس تعرض أمام المسجد ديكتها .
هكذا يصير مصير تلكم الديكة المعدة لوظيفة دينية ثم مالبثت أن تحورت إلى أداء وظيفة دينية واجتماعية ممتزجة ولا يضر.
مصيرها إذن ؛ إلى الذبح ليلة خير الليالي فرحا بالزمن العامر ليلة عند الله عظيمة ليلة القرآن وإنماء الإيمان والسعي لبلوغ درجة الإحسان.
تنشغل النساء بإعداد ألذ الطعام وأشهى الأطباق وأرفع الأذواق إكراما لمن يرفعوا الأصوات على الأبواق بتلاوة للقرآن والذكر والاستغفار والصلاة على سيدنا رسول الله عليه صلوات الخلق مما يدب على الأرض فيغدو ويروح.
بعد صلاة مغربها فرادى أو جماعات كما العمل به منذ عهد الساعات في إقامة الطاعات وتناول وجبة إفطار يمايز كل إفطار في الزمن والمكان بالاحتفال بالأطفال الذين تذوقوا مرارة الجوع وشدة العطش أول مرة في حياتهم بعدما ألفوا طوال عمرهم لحدود اللحظة أكلا وشربا وزيادة رفقا بهم وعطفا عليهم .
عقبه يلبس الجميع لباس الأداء الديني المغربي لباس الحشمة والوقار والتاريخ فبعده عطر فياح فتصفيف الشعر فتزيين “الحالة” للظهور بمظهر الجمال والاعتزاز بالدين والانتماء للوطن في أفق الذهاب إلى الوجهة ؛المسجد العامر لصلاة العشاء ثم بعدها المعهود من النوافل الرمضانية بعدد الركعات المسنونات يعقبها ذكر جماعي تلهج به الألسنة .
وقفة استراحة لتهيئة الفضاء المسجدي للدخول إلى التقاليد الاجتماعية لإحضار الموائد كما جرت به العوائد وبذلكم تعم الفوائد .
يصطف الجميع صفا صفا وعلى الأساطين والحيطان متكئين وصواني الشاي تأتي تباعا خلفها معدات وحلويات لذيذات تركن بجوارها منتظرا الدور تبعا في احتفالية بهيجة بليلية بهية ؛ إنها الليلة البيضاء وزيادة الضياء بإشعال مزيد من الأصابيح والثريات .
يبدأ الفقيه الإمام الواعظ بافتتاحية المجلس الليلي الرمضاني بما تيسر من كتاب الله أو ذكر الله مع ما يتخلل ذلك من دروس الوعظ والإرشاد في إذكاء الروح ؛ روح العزم على البقاء إحياء لليلة طمعا في تحصيل فضلها وبركتها ومما ورد فيها من خير وكذا الحديث عن أماراتها والتأكية صراحة على أن قد لا تدرك الليلة القادمة فتنغم وتنعم واغتنم مما يجعل الجميع يجدد العهد على العزم للبقاء من أجل الأداء الجماعي لما شرع فيها من العمل مما يحيي في النفوس مزيدا من الأمل ثم لا تلبث أن ترى المجلس ينفض ليستأنف من جديد ينفض ولا ينفك، محسنون فرادى وجماعات ذهبوا للديار لجلب ماطاب على النار فلذ واستلذّ يحملون أطباقا وطبقات.
أطباق الدجاج “البلدي” بالبصل والزيتون المرافق الشقيق للدجاج يزين الحامض والفلف الحار باللون الأحمر والأخضر في إشارة سيميائية على العلم الوطني مما يبعث على امتزاج حب الوطن والدين، طبقات من الخبز ؛ خبز الفرن “تفرنوت”أو “أفرنو” الخبز الذي يعتمل في مرق الدجاج في مشهد يجعلك تكسر الزجاج مرفوقا بشراب لجاج ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما ويسيرا إنما نطعكم لوجه الله ، ولذلك استمر في الناس منذ عهود وهو عليهم ومنهم وفاء بالوعود ولا يوفي بها إلا الأحرار من الناس الأخيار .
داخل طبق الدجاج للدجاجة في الاحتفال نصيب وإن كان زهيدا ولكنه الأثمن والأغلى لكونه يوضع في الطبق على الأعلى بعده قصعة كسكس من “بركوكش” أو من حبات الشعير”البلبلة” أو من حبات الذرة “بداز” بالخضر واللحم والشراب السائغ المصطفى للاحتفال بما وجهنا إليه المصطفى هدى وهداية.
حتى إذا جاءت الحداثة والعصرنة في زمن العولمة بقي المبدأ هو هو بدخول الديك الرومي الذي لا يكاد أحد يميز فيه بين الذكر والأنثى إلا من الراسخين في العلم ؛ العلم بأسرار المهنة والديك الرومي فئات وطوائف هو الآخر وأحب فئة إلي هو “مارادونا “لتوسطة واعتداله ولبسطة جسمه لاكتنازه وغير اختنازه مما له مرافق غذائية تجعله أطيب وأحلى وهو الأول من جنسه وأغلى من بنيه مرافق غذائية عصرية مما استلذ من التوابل و”العطرية”وما يرافقه من خبز المخابز في عصر الآلة والمكننة مما يسر النساء اللواتي يتعبن كثيرا في الطهو والإعداد بسبب عجن وخبز وأخواته .
هكذا نحن المغاربة في رمضان في كل مسجد بدوار أو حي أو زقاق، الكل يفرح ويسر ويُسر لصاحبه في غده تفاصيل الحدث الديني والاجتماعي.
إنها الليلة المباركة حيث يحرص الجميع أن ينال حظه الوافر من تلكم الليلة الغراء ليختم الحدث بالدعاء بمزيد فضل وخير وبركة في بيوت الله وإنجاء النساء المعدات للطعام من النار الحارقة ليتغلب الرجاء على الخوف والترغيب على الترهيب كما الدعاء للأطان بالأمن والرخاء وبالنصر والحفظ للسلطان.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=17422