د. خالد الشرقاوي السموني
يشكل أفراد الجالية المغربية بالخارج إحدى الدعامات الأساسية لتنمية المغرب وحلقة وصل بين المغرب والعالم، بالنظر لتواجدهم في أكثر من خمسين بلد عبر العالم. ولعل السمة الأساسية التي تميز أفراد الجالية المغربية بالخارج وتشترك فيها مختلف أجيال الهجرة المغربية هي الارتباط الوثيق بوطنهم الأم، والاستعداد الدائم للدفاع عن مصالحه والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني .
فمثلا على مستوى التحويلات المالية ، نذكر أنه في نهاية عام 2022، سجلت تحويلات مغاربة العالم رقما قياسيا غير مسبوق، وفق مؤشرات مكتب الصرف، فقد وصلت إلى أكثر من مبلغ 100 مليار درهم ، ولأول مرة . فقد سجل مكتب الصرف منحى تصاعديا لارتفاع التحويلات المالية لمغاربة العالم بنسبة 14,6 في المائة (أي زائد 12,6 مليارات درهم) مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2021 (86,68 مليار درهم) ، مما سيسمح للاحتياطي النقدي المغربي بإمكانية التوفرعلى احتياطي عملة صعبة يمكنه من تغطية حاجيات الاستيراد وسيجعل الاقتصاد المغربي يتعاطى بشكل مريح مع تقلبات معدل النمو .
فضلا عن ذلك ، هناك دور اجتماعي متضمن في التحويلات المالية لأفراد الجالية ، يتجلى في تأمين المغاربة المقيمين بالخارج لحاجيات عائلاتهم بالمغرب؛ ما يعني مساهمتهم في الاستقرار والسلم الاجتماعي والدورة الاقتصادية للبلاد، كما أن جزءا كبيرا من هذه التحويلات يأتي عبارة عن استثمارات بالمملكة، على اعتبار توجه أفراد الجالية المستثمرين إلى قطاعات العقار والخدمات والفلاحة و التكنولوجيات الحديثة مؤخرا .
ومن بين المؤسسات الحكومية التي أحدثت للنهوض بأوضاع المغاربة المقيمين بالخارج وضمان حقوقهم وحمايتها ، نذكر مجلس الجالية المغربية بالخارج الذي احدث بظهير سنة 2007 ، ومع دستور 2011 ، تم ترقيته إلى مؤسسة دستورية ، وهو يؤدي الآن وظيفة أساسية في إبداء آرائه حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه. وقد حقق هذا المجلس تراكما في توفير المعرفة العلمية حول الهجرة المغربية وتعبئة كفاءاتها، من خلال الدراسات و التقارير والاستشارات الوفيرة التي أنجزها في هذا المجال ، ما يدل على الأهمية والمكانة المتميزة التي صار يحظى بها ضمن مؤسسات الحكامة المنصوص عليها في الدستور.
كذلك كان مغاربة العالم محل اهتمام من قبل لجنة النموذج التنموي التي اعتبرت الجالية المغربية إحدى الركائز الخمس لبلورة تنمية جديدة في المغرب، عبر إدماج الكفاءات وعبر اقتصاد المعرفة المرتبط باستعمال التكنولوجيات الحيوية والرقمنة وصناعة التكنولوجيات الحديثة، و الطاقات المتجددة ، وهي أمور متاحة لدى أفراد الجالية ، إذ يمكن لهم أن يقدموا في إطارها خبرتهم، بغية المشاركة في تنمية وطنهم ، ما يقتضي نهج سياسة استقطاب الكفاءات منهم المتوفرين على مؤهلات عالية ، حسب ما جاء في تقرير اللجنة.
هذا مع العلم أن المغرب بلد يشهد إقلاعا اقتصاديا ويشكل بوابة إفريقيا ويتوفر على بنيات تحتية تستجيب للمعايير الدولية، قادر على تقديم عروض تنافسية من أجل جذب الكفاءات عالية التأهيل في المجالات العلمية و التكنولوجية ، و الاستفادة من القانون الإطار المتعلق بالاستثمار.
وهذا يستدعي ضرورة تعزيز الارتباط الروحي القوي لمغاربة العالم بالوطن ؛ والعمل على إيلائهم عناية خاصة من حيث تسهيل استثماراتهم للمساهمة في التنمية، و إشراك الشباب منهم في التنمية من خلال توفير الشروط الموضوعية لاستقطابهم، ورفع العراقيل الإدارية أمام الكفاءات الراغبة في الاشتغال او الاستثمار في المغرب، واعتماد مقاربات محفزة تعزز جذب الشباب ذوي المؤهلات العالية والعاملين فـي القطاعات المتطورة، مثلما جاء في تقرير لجنة النموذج التنموي.
إن الانفتاح على القضايا التي تهم مغاربة العالم يقتضي تجاوز الجانب السياسي والمصلحي الضيق المتعلق بدور مغاربة العالم في التحويلات المالية والتفكير فيهم كمغاربة قبل أن يكونوا موردا اقتصاديا.
كما يجب كذلك أن نعبئ الطاقات من أفراد الجالية ونحرص على تنمية ارتباطهم بالوطن والاقتراب من قضاياهم ونقلها إلى الحكومة و البرلمان والمؤسسات المعنية بالجالية والتفاعل بشأنها، وأيضا تقدير الإسهام اللامادي لمغاربة العالم من خلال كفاءاتهم البارزة في مختلف المجالات ومناصب القيادة المهمة التي يشغلونها في القطاعات المقاولاتية والسياسية والعلمية والفكرية كذلك .
والآن نحن نقترب من مرور سنة على الخطاب الملكي ليوم 20 غشت من العام الماضي ، الذي خصص جزءا هاما منه للجالية المغربية بالخارج ، لكن الحكومة لم تقدم أي التزام جدي وواقعي يتعلق بالجالية المغربية ، ولم تبلور سياسة عمومية مندمجة وواضحة المعالم تستجيب لانتظارات مغاربة العالم ، و لم تتخذ أية مبادرة تشريعية أو تنظيمية تهم هذه الفئة تنزيلا للخطاب الملكي ، رغم إحداثها للجنة الوزارية المعنية بتنزيل مضامين الخطاب الملكي .
لذلك ينبغي على اللجنة الوزارية المعنية تنزيل مضامين الخطاب الملكي ل 20 غشت، و التسريع بوضع الإطار التشريعي الخاص بالجالية المغربية بالخارج ، وبلورة سياسة عمومية مندمجة وواضحة المعالم تستجيب لانتظارات أفرادها.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20293