24 أبريل 2025 / 13:03

دور عمل الأئمة والمرشدين والمرشدات في ترسيخ القيم

محمد خياري

تمهيد:

توجد في المغرب ثوابت دينية راسخة، وهي العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف وإمارة المؤمنين، هذه التوابث تتضمن مجموعة من القيم يمكن أن تشكل مرجعا هاما لعمل المرشدين والمرشدات، ودورهم المنشود في مجتمع مفتوح وتعددي، حتى يكون أفراده فاعلين وأطرا إيجابيين وطاقات بشرية مؤهلة قادرة على صقل وتنمية شخصيتها وإكسابها اهتمامات جديدة، ذلك أن الثوابت الدينية تساعد المجتمع بأفراده وجماعاته المختلفة على التمسك بمبادئ ثابتة ومستقرة نسبيا، وتحفظ له هذا التماسك والثبات اللازمين لممارسة حياة اجتماعية سليمة؛ كما تساعد المجتمع على مواجهة التغيرات التي تحدث فيه من خلال الاختيار الصحيح الذي يسهل على الناس حياتهم، ويحفظ للمجتمع استقراره ويصون كيانه في إطار واحد.

فلكل مجتمع من المجتمعات نماذج وأنماط توجه سلوك أفراده، هذه النماذج تتبلور في صيغ مجردة، تشكل ما يسمى بالقيم المجتمعية، وتنتقل لأعضاء المجتمع الجدد عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية، وتهدف إلى خلق الشخصية المثالية فيه ([1]) : فالإخلاص في العمل، والصدق في القول، والثقة والوفاء، ومحاربة التواكل والتهاون وغيرها من القيم هي بمثابة مجموعة من المثل والمقاييس وأنماط الحياة التي تعمل مرشدا عاما لسلوك الأفراد. تكتسب في مراحل مبكرة من حياتهم ، وتتأثر بمنظومة قيم الوالدين، ومع العمر تتأثر بقيم الأقران والمجتمع كذلك، وترتبط بواقع الحياة اليومية ارتباطا وثيقا، فتكون في الحقل والمصنع والمدرسة والأسرة…، وتقوم بدور أساسي في صياغة سلوكات الافراد وردود أفعالهم، وعند إصدار الأحكام يكون لها دور أساسي تؤديه، لأنها عملية تنبني على القدرة على وزن الأفضليات، وعلى الموازنة بين المزايا والمساوئ، وعلى اختيار النتائج المترتبة مستقبلا على الأحكام الحالية، فإذا لم تكن هناك قيم، أو وجدت قيم مهملة فإنه لا يمكن الاختيار بين سياق تصرف وسياق تصرف آخر([2]). خاصة مع ما أحدثته الثورة العلمية والتكنولوجية من إعادة بلورة الكثير من المعارف والمفاهيم عن الحياة، الأمر الذي أدى إلى التذبذب وعدم الاستقامة في القيم الموروثة والمكتسبة على حد سواء، وعدم قدرة عدد كبير من أفراد المجتمع وبخاصة الشباب على التمييز الواضح بين ما هو صائب و ما هو خاطئ، وبالتالي ضعف قدرتهم على الانتفاع والاختيار بين القيم المتصارعة الموجودة، وعجزهم عن تطبيق ما قد يؤمنون به من قيم، الأمر الذي ينتج عنه وجود أزمة قيمية في الوقت الذي تتجه فيه المجتمعات إلى محاولة التطوير والتحديث والتخلص من كافة المعوقات الداخلية والخارجية في تنميتها.

وسنحاول في هذه الدراسة التفصيل في الأدوار التي يمكن أن يقوم بها الأئمة المرشدون والمرشدات في الارتقاء بالقيم لدى فئة الشباب والأطفال بالمغرب خاصة من خلال العمل على ترسيخ توابث المغرب الدينية والآليات المسهلة لذلك من خلال المحاور التالية:

أولا: خصائص القيم في الثوابت الدينية المغربية؛

ثانيا: الأدوار التي يمكن أن يقوم بها المرشدون والمرشدات لترسيخ هذه القيم؛

ثالثا: آليات ترسيخ القيم من خلال عمل المرشدين والمرشدات.

أولا: خصائص القيم في الثوابت الدينية المغربية؛

إن القيم في الثوابت الدينية المغربية ليست مجرد أسماء تسرد أو صفات توضع بل هي بمثابة مرتبة عميقة في الدين تجد أصولها في آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهي طريق شاق وطويل على المجتمع ككل أن يصبو إليها خلال ممارسة الطاعة المستمرة والجهاد الداخلي، وهذا في ظل ما يعرفه العالم من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات وتداخل العديد من الأزمات، كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2023، حين أكد أن المغاربة معروفون بخصال الصدق والتفاؤل والتسامح والإنفتاح والإعتزاز بتقاليدهم العريقة وبالهوية الوطنية الموحدة ومعروفون على الخصوص بالجدية والتفاني في العمل، وقال أن المغرب في مساره التنموي الحالي، الذي وصل فيه إلى درجة من التقدم والنضج، في حاجة إلى هذه الجدية للإرتقاء به إلى مراحل جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، التي يستحقها المغاربة فكلما كانت الجدية حافزا كما قال، كلما كان النجاح حليفا في تجاوز الصعوبات ورفع التحديات، وهذا في الحقيقة ينبغي أن يكون برنامج عمل المجلس العلمي الأعلى برمته، وليس المرشدين والمرشدات فقط، خاصة أنه مقبل على تنزيل مشروع كبير في عملية تبليغ دين الله إلى عباده ألا وهو مشروع “ثمرات العبادات” الذي يروم إلى جعل الناس يتذوقون ثمرات العبادات في حياتهم اليومية عبر قيم راسخة ومثل عليا تتواجد في توابث المغرب الدينية و تتميز بالخصائص التالية:

أنها ترجح طريق الاشتغال العملي:
فالتجربة في الإسلام المغربي تتميز حين مقاربتها للقيم بترجيحها لطريق الاشتغال العملي بديلا عن الاستدلال النظري، مستندة في ذلك كله على الرؤية القرآنية والنبوية التي تقوم على أن مهمة الدين الخاتم ووظيفته الحصرية هي تتميم وتكميل مكارم الأخلاق والاجتهاد في البحث عن المعاني و القيم و المقاصد التي تساعد في بلوغ آفاق التعرف على الحق وتحصيل الكمال عبر سيرورة تحويلية للنفس اصطلح عليها بالترقي في الأحوال ، والتي هي مجرد تعبيرات عن التحولات القيمية التي يمر منها الفرد في المجتمع من خلال التخلي والتحلي والتجلي، ومن خلال التربية ورياضة النفس وتزكيتها بالمجاهدة والاجتهاد في إتيان مختلف الطاعات وسائر القربات.

فالتصور العملي للقيم باعتبارها مقاصد أخلاقية يطلبها الفرد بالتجربة والاشتغال وليس بالتأمل والنظر، هو ما يخرجها من الجمود والضيق إلى الحركية والاتساع، بحيث تصبح القيم مراتب معنوية لا حصر لها للترقي كما تصبح شاملة لكل الأفعال دائمة الاتساع لاحد لها، لأنها ترتبط بالإحسان، وترسيخ قيم التسامح والتواضع وتطويع الذات على محبة الآخرين واقتسام كل القيم الأخلاقية من سلم وحوار ابتغاء أن يستفيد منها الكل. ومن هنا كانت أهمية التدين الاجتماعية كمنظومة مشحونة بالقيم ليس في التقاليد التي تؤسس على الانفرادية والابتعاد عن معاشرة الناس بمعايشة حالة التوحد والاستبطان في ذاتية الله بل في القيمة الجمالية والأخلاقية والاجتماعية والدينية لها في خدمة المجتمع.

والدين هنا رغم أنه يهتم بصفاء القلب من الشهوات كحب الرئاسة وحب السمعة وحب المحمدة من الناس فإنه يهتم كذلك بصفاء القلب من الكدرات أي من الأمراض القلبية كالحقد والحسد والكبر والعجب والغرور وسوء الظن بالناس والسعي الدائم نحو التحقق بالصفاء الباطني الذي ينعكس في السلوك وهي أهم قضية تشتغل عليها المؤسسة العلمية حاليا.

ومن هنا يمكن للقيم الدينية أن تشكل الإطار المرجعي للفعل الاجتماعي للمرشدين والمرشدات ونمطيته وهي التي توجهه وتزوده بالمعايير التي تشكل آلية ضبطه ومراقبته ويتأثر بها ويستجيب لها بدرجات مختلفة تبدأ بالتقبل وتنتهي بالتفضيل.

أنها تعتمد على مبدأ الاقتداء:
من خلال مبدأ الصحبة بمعنى صحبة المرشدين والمرشدات لأفراد المجتمع خاصة منهم الأطفال والشباب كل في دائرة اشتغاله، وهذا يفترض من المرشدين والمرشدات أن يكونوا ملمين بالأحوال بصيرين بعيوب النفس مطلعين على خفايا الآفات، ولهذا فالاقتناع بالتربية الروحية على يد مختص في الميدان أصبح اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، خصوصا في هذه الفترة الحرجة المؤذنة بالانهيار المدوي للتدين والأخلاق والقيم، وما يجده الإنسان في صحبة مختص لحظة واحدة لا يجده في مطالعة ألف كتاب ولا في رياضيات ألف سنة.

ومن هنا يكون لصحبة المرشد والمرشدة أثر عميق في شخصية الشاب أو الطفل وأخلاقه وسلوكه، فالصاحب يكتسب صفات صاحبه بالتأثر الروحي والإقتداء العملي، والإنسان اجتماعي بالطبع لابد أن يخالط الناس ويكون له منهم أخلاء وأصدقاء فإن اختارهم من أهل الفساد والشر انحدرت أخلاقه، وانحطت صفاته تدريجيا دون أن يشعر حتى يصل إلى حضيضهم ويهوي إلى دركهم، أما إذا اختار صحبة أهل التقوى والاستقامة والمعرفة بالله فلا يلبث أن يرتفع إلى أوج علاهم ويكتسب منهم الخلق القويم والإيمان الراسخ والصفات العالية والمعارف الإلهية ويتحرر من عيوب نفسه ورعونات خلقه.

أن لها بعد كوني:
من أهم خصائص التجربة الدينية التي تشتغل عليها المؤسسة العلمية كذلك هذا البعد الكوني الذي يسم القيم المعرفية والأخلاقية والتربوية والجمالية التي ينطوي عليها الدين، وفي الآن ذاته، يتساوق أيما تساوق مع جوهر الشريعة وثوابت الدين الإسلامي وكذا مع المبادئ الكونية التي تشكل المقاصد البعيدة للأديان والفلسفات الكبرى ذات العمق الإنساني.

ومن هنا تصبح القيم والمثل العليا الدينية التي يشتغل عليها المرشدون والمرشدات منهلا للقيم والمثل الكونية التي يمكن أن تعتمد كقاعدة لتأسيس بنيات الحوار والتعايش والتآخي والتسامح بينهم من جهة وبين الشباب والأطفال من جهة أخرى وهذا الغنى الروحي والروحاني الذي تهبه دائرة الدين هو ما سيبدد ويحطم قلاع الاغتراب التي تطبق على الإنسان، وذلك من خلال التوكيد على إنسانية الإنسان وتحريره من كل قيود وتناقضات الواقع والحياة. وتجعله ينفتح على القيم الإنسانية العميقة التي تحفظ كرامته وتعينه على وظيفته الوجودية؛ فالتخلق بأخلاق العفو والتراحم والتسامح يسبق أي سلوك فيه غلظة، والاشتغال على المحبة والتآلف بين الإنسان وأخيه هو الهدف الأسمى الذي تحققه البشرية لأنه بذلك يطغى المشترك الإنساني العام كل مجالات الأنشطة الإنسانية، وداخل هذا المجال الإنساني العام تبرز القيم الإنسانية المشتركة التي لا تختلف عليها الأديان والحضارات لأنها قيم إنسانية عامة أجمعت عليها البشرية قديما، ولأنها لا تخص الفرد الواحد ولا صلاح الأمة الواحدة وإنما تبتغي صلاح البشرية قاطبة وتبتغي صلاح جميع المخلوقات في العالم ذلك أنها ترفع همة الإنسان إلى أن يأتي أفعالا على الوجه الذي يجعل نفعها يتعدى نفسه وأسرته ووطنه إلى العالم بأسره بحيث تكون كل بقعة من العالم وطنا له ويكون كل إنسان فيها أخا له([3]).

من هنا كان هذا الحرص الأكيد في عمل المرشدين والمرشدات على الإنسان في منظومته الفكرية ورفعه إلى المكانة التي يستحقها والمستنبطة أصلا من التصور القرآني للحقيقة الإنسانية ، تلك الحقيقة التي احترمت الكائن البشري وبوأته مركز الصدارة في سلم الكرامة وأوضحت للناس أجمع أن بني البشر من طينة واحدة وأن هذه الطينة تتساوى فيها جميع الأجناس ودعا الإسلام إلى احترام أديان الآخرين وعدم التهجم عليهم واستهجان عقائدهم وأفكارهم كما نص على التعايش السلمي بين رؤى الناس وأن منظومة قيم التدين المغربي التي تؤطر التربية السلوكية في المؤسسة العلمية وعمل المرشدين والمرشدات خصوصا هي المحبة ونبذ العداوة ومحوها من النفس وكذلك التوحيد العميق وطلب السعادة الأخروية.

ثانيا: الأدوار التي يمكن أن يقوم بها المرشدون والمرشدات لترسيخ القيم:

يقوم المرشدون والمرشدات بأدوار جد متنوعة للارتقاء بالقيم لدى فئات المجتمع ككل وخاصة فئة الشباب والأطفال، وهي أدوار تختلف باختلاف هذه الفئات وتنوعها ويمكن إجمال هذه الأدوار في ثلاث مجموعات هي كالتالي:

الأدوار التقليدية:
فالمرشدون والمرشدون لديهم أدوار تقليدية يمارسونها من خلال ترسيخ مجموعة من العوائد وقواعد السلوك التي تنتقل من جيل إلى جيل، و تساهم في تقوية اللحمة والتنظيم بين الأفراد، وتعليمهم العلوم الشرعية ومساعدة المحتاجين منهم بكل ما يعنيه ذلك من قيم التآزر التضامن والإيثار،والإتصاف بالأخلاق الدينية الحميدة وإدراك معاني العبادات ومغازيها الباطنية العميقة.

كما أن نشر القيم الدينية عبر الكتابات والأنشطة المختلفة يعتبر لازمة لا محيد عنها خاصة من خلال تلقين وتوجيه الأطفال والشباب وتوعيتهم بقوة القيم الدينية و أنها توفر لهم قاعدة فكرية يستند إليها الاجتماع الإنساني قديما وحديثا، وأن تنوع القيم واختلافها جاء في الأصل بهدف إثراء المجتمعات لتتعاون فيما بينها لخدمة القضايا الكبرى للإنسانية.

ومن هنا، فالتنوع هو وسيلة للتعارف والتعاون وتحقيق التكافل الاجتماعي؛ إذ إن طبيعة القيم تترك تأثيرا إيجابيا، وذلك لاحتوائها على مبادئ تحفظ حرية الإنسان وكرامته، وتنظم حياة الجماعات، وتؤسس أيضا لبناء المجتمعات، وتنظم العلاقات بين أفرادها، خاصة أن الشباب والأطفال في الوقت الحاضر، يشعرون بالإحباط وانعدام التوازن أمام التقلبات التي وقعت في فهم الدين؛ والهجوم الذي يتعرض له من قبل الجماعات المتطرفة والإلحادية نتيجة الفهم الخاطئ له.

وقد شهِد المغرب مثلما شهد العالم العربي والإسلامي عقودا مملوءة بالتهجم على الدين وما تحمله من قيم نبيلة. فأظهرت كل تلك الأحداث سلوكيات أكثر سلبية وعدوانية، وفيها كم كبير من التطرف والتعصب ومحاولة إقصاء الآخر، وبعد هذه المرحلة العصيبة من تلك النزاعات، كان لا بد من بداية مرحلة جديدة تحمي المواطنين في حياتهم وحرياتهم، وتصون كرامتهم وإنسانيتهم. فأصبح الواجب الأول للمرشد والمرشدة المؤمنة بالثوابت الدينية والوطنية المساهمة في إعادة الإعمار الاجتماعي والتنمية الاجتماعية، وصون حياة المواطنين وكرامتهم مهما تنوعت ثقافاتهم وأديانهم ، وإدارة هذا التنوع بشكل فاعل، يضمن إعادة تنظيم الدولة والمجتمع ويحييهما بناء على قواعد جديدة.

الأدوار الجماعية الجديدة:
لقد تضمن الدستور المغربي، وعدد من الوثائق المرجعية في مجال السياسات العمومية المتعلقة بالتربية كتقرير المجلس الأعلى للتعليم حول القيم وتقرير النموذج التنموي الجديد عددا من القيم الدينية والوطنية، وهي قيم نبيلة وجامعة للأمة المغربية داخل الوطن وخارجه ودور المرشدين والمرشدات ترسيخ هذه القيم بتأصيلها أولا من داخل المسجد و ثانيا بنشرها بين المرتادين لمؤسسات التنشئة المختلفة ومن خلالهم بين أفراد المجتمع ككل، وبهذا يكون المرشدون والمرشدات مساهمين فعلا في بناء المجتمع والأمة المغربية الواحدة، ومنخرطين في تعزيز دينامية الإصلاحات المرتكزة على التنشئة على القيم واكتساب الكفايات القيمية منها.

فالدستور المغربي ينص على تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء([4]).

والميثاق الوطني للتربية والتكوين ينص على أن نظام التربية والتكوين للمملكة المغربية يهتدي بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها الرامية لتكوين المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح والمتسم بالاعتدال والتسامح الشغوف بطلب العلم والمعرفة في أرحب آفاقها والمتوقد للإطلاع والإبداع والمطبوع بروح المبادرة الإيجابية والإنتاج النافع([5]).

كما أن تقرير المجلس الأعلى للتعليم حول القيم دعا إلى أن يكون ترسيخ التربية على القيم خيار استراتيجي لتجديد المدرسة ولقيامها الأمثل بوظائفها على ثلاث مجموعات من القيم:

قيم الانتماء الديني والوطني:
من خلال التشبث بالثوابت الدستورية للأمة المتمثلة في الدين الإسلامي السمح والوحدة الوطنية المتعددة الروافد والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي، والتمسك بالهوية الاجتماعية والتاريخية للمجتمع بشتى مكوناته وروافده والاعتزاز بالانتماء له والالتزام بمقتضيات العيش المشترك داخله.

قيم المواطنة المحلية:
من خلال التركيز على التربية على القيم الكونية لحقوق الإنسان ودمجها في المواقف والسلوكيات وامتلاك القدرة على الدفاع عنها، توفير المناخ المناسب للحصول على المعرفه والمعلومات التي تساعد الفرد على امتلاك المهارات اللازمة لخدمة بلده ومواطنيه عن طريق تطبيق المعارف التي اكتسبها في وضع الخطط والسياسات التنمويه لوطنه , وبالتالي تجسيد حقه في ادارة شؤون البلاد وهو ذات الحق الذي تم تأكيده في العديد من المواثيق والعهود الدوليه ومنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان . كما حرص الاعلان ان تقوم العملية التربوية بأقطابها المختلفة, الادراية والتربوية، على تعزيز مبادئ التفاهم والتسامح والتعاون واحترام حقوق الانسان.

قيم المحافظة على بيئة سليمة:
عبر اكتساب الوعي البيئي وإحداث تغيير حقيقي للسلوكيات المتلائمة مع البيئة والمنسجمة مع السياسات التنموية الهادفة إلى تعزيز طرق وأساليب مستدامة للعيش الكريم قائمة على الحق في بيئة سليمة وواجب حمايتها([6]).

بالنسبة لتقارير النموذج التنموي الجديد فقد تبنت في خلاصاتها الدعوة إلى تربية دينية تنشر قيما مدنية وقائمة على الإرث الروحي المنفتح والمتسامح للمغاربة. وهي الدعوة التي استجابت لها الحكومة الحالية في برنامجها بحيث اعتبرت أن التربية والتعليم مدخلان أساسيان لتعزيز الهوية المغربية و تربية الناشئة على التشبث بالقيم الثقافية المغربية، بكل مقوماتها الإسلامية، والتراثية والفكرية والمعرفية والاجتماعية والفنية، وأنها ستقوم بإعادة النظر في المقررات الدراسية ومناهجها التربوية، بشكل يربي في الجيل الصاعد حس النقد والإبداع والتفاعل مع الثقافة المغربية بشكل إيجابي، وستشجع الناشئة على التشبع بقيم الانفتاح والتسامح بين الأديان وتنمية شخصيتها الإنسانية بكل أبعادها الوجدانية والفكرية والاجتماعية والثقافية، والاهتمام بالإرث الثقافي بمختلف مكوناته([7]).

هذا على المستوى الجماعي أما على المستوى الفردي فللمرشدين والمرشدات دور أساسي في الارتقاء بالقيم داخل المجتمع المغربي نفصله كالآتي:

الأدوار الفردية الجديدة:
يلعب المرشدون والمرشدات دورا أساسيا على المستوى الفردي في ترسيخ القيم الدينية من خلال إعطاء الفرد مجموعة من الخيارات التي توجه شكل استجاباته وبالتالي تلعب دورا مهما في تشكيل شخصيته الفردية وتحقق له الإحساس بالأمان ويستعين بها على مواجهة الضعف فيه والتحديات التي تواجهه في حياته؛

بمعنى آخر أنها تعطي الإمكانية للفرد قصد أداء ما هو مطلوب منه، وتمنحه القدرة على التكيف والتوافق الإيجابيين وتحقيق الرضا عن نفسه ليتجاوب مع الجماعة حسب مبادئها وعقائدها؛ وتحفظ له هذا التماسك والثبات اللازمين لممارسة حياة اجتماعية سليمة ومستقرة.

فالمعقول والجدية والنية والكلمة والقناعة كلها قيم تساعد الفرد على تقدير ذاته وتؤثر على سلوكه وتمكنه من سلوكيات تجعله مقبولا مجتمعيا وملهما للآخرين. وترويض النفس وتهذيب الأخلاق وتخليص الذات من الأنانيات المفرطة كلها قيم تدفع عن المسلم غلواء الحياة وفساد الحضارة وضغط المادة، وتغطي زاوية حساسة ومهمة وتسد الخواء الروحي والنفسي الذي يعيشه الإنسان في حياته الفكرية وحضارته المادية.

وهنا يتضح أن الأدوار الفردية تتأقلم مع الأدوار الاجتماعية، بحيث تعطي في النهاية نمطا معينا من الشخصيات الإنسانية القادرة على التكيف الإيجابي مع ظروف الحياة لأداء دورها الحضاري المنشود.

شخصيات إنسانية مجمعة على نظافة البدن تحث على إتيان الواجبات و تؤكد على نوافل الخيرات واعتبار الخلق الكريم هو الدين عند أهل الدين، واعتبار الذكر هو الركن الأعظم في الطريق إلى الله والعمدة فيها، وبأن أهل الله لا يبالون بأنفسهم ولا يتكبرون ولا يتجبرون ويحضون على الصدق في أقوالهم وأفعالهم وعلى الورع وعلى التملص من عبودية غير الله والحض على إماتة النفس والاشتغال بالخالق عن المخلوق.

ثالثا: آليات ترسيخ القيم الدينية من خلال عمل المرشدين والمرشدات:

وهي آليات مستلهمة من تقرير التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي سنة 2017، وهو تقرير جاء في ضوء استخلاص الدروس من نتائج التشخيص والأفكار والاقتراحات السديدة المتضمنة في التقارير والدراسات الوطنية والدولية واستلهام التجارب الناجحة:

ترسيخ القيم عن طريق التعلم والأسرة:
تعتبر المدرسة مؤسسة للتنشئة الاجتماعية بامتياز وتعمل على إرساء الثقافة والإيديولوجية الخاصة بالمجتمع على وجه الخصوص، كما تعمل على نقل وصقل قيم المجتمع وغرسها في نفوس وأذهان الطلبة والتلاميذ، وتعد مرحلة الدراسة من أكثر مراحل الحياة أهمية لما لها من دور أساسي في صقل شخصية الطالب والتلميذ وتحديد مستقبله المهني بالإضافة إلى تزويده بكم من المهارات العلمية والشخصية حيث تترك أثرا كبيرا لعقود من الزمن من خلال غرس قيم المجتمع في نفس الطالب والتلميذ وصقلها.

لذلك فإن إدماج المرشدين والمرشدات في ترسيخ القيم من خلال آلية المدرسة يعتبر من الأهمية بمكان، فمثلا الأوقات التي يخصصها المرشدون والمرشدات داخل المدارس للأذكار أو تلاوة القرآن يمكن أن تكون آلية مساعدة للطفل أو الشاب للرفع من قيمة ضبط الوقت ولديه الصبر ومجاهدة النفس وحتى يكون هناك استثمار أمثل لآلية التعلم والأسوة الحسنة في تكريس مساهمة القيم للارتقاء بفئة الشباب والأطفال لابد من اتخاذ الإجراءات التالية:

إيلاء التربية على القيم العناية المستحقة في بناء المناهج والبرامج منذ المراحل الأولى للتعليم وحتى المراحل العليا منه وتوضيح مختلف الخيارات المتبناة في إدماج مواد وأنشطة التربية على القيم ضمن المنهاج العام الذي يشتغل عليه المرشدون والمرشدات؛
حصر مجالات التربية على القيم واختيار مصفوفة قيم ذات أولوية انطلاقا من المرجعيات الأساسية للمغرب ولاسيما الدستور ووضع آليات لتفعيلها وتتبعها وتقويمها والعمل على التدقيق المستمر لغاياتها بين المرشدين والمرشدات؛
إعداد أطر ودلائل مرجعية يتم من خلالها تحديد النسق المفاهيمي للقيم خاص بعمل المرشدين والمرشدات، من حيث المنطلقات الفكرية والمحددات الفردية والاجتماعية وتصريف غايات التربية عليها في مختلف مخرجات المراحل التعليمية مع تدقيق جوانبها الإجرائية وطرق اكتسابها وتصميم الأنشطة المناسبة لها بمراعاة تامة لتشابكها وتداخلها مع مختلف المكونات المنهاجية الأخرى المرتبطة باللغات والمعارف والكفايات؛
إعداد ميثاق تربوي تعاقدي وإنتاج رصيد وثائقي وازن وإرساء مرصد وطني وشراكات بين المرشدين والمرشدات والمدرسة وتكوين فاعلين تربويين في التربية على القيم بشكل دائم ومستمر وليس بشكل ظرفي وموسمي؛
إصدار مجموعة من القصص والروايات التي تستحضر النماذج الإسلامية، تكون رهن إشارة الأطفال والشباب بأثمان منخفضة؛
اختيار أنماط المرشدين والمرشدات الذين تتوافق قيمهم مع القيم المشتغل عليها؛
تجديد الوسائل وما تتطلب من برمجة واحترافية في الإنجاز وتخصيص مستويات معينة من التقييم في الموضوع.
من خلال الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية الموازية:
يمكن إدماج المرشدين والمرشدات في ترسيخ القيم كذلك من خلال إدماج نصوص ينتجونها منظمة للسلوك الديني القويم وتحصين الفضاءات ومحيطها من كل التعبيرات غير المنسجمة مع مشروع الأمة المغربية وثوابتها ومن كل محاولات التغرير بالأطفال والشباب (خطاب التطرف المخدرات التحرش وأنواع الاستغلال المشين بكرامة الأطفال والشباب ذكورا وإناثا)؛

تنمية الإحساس والاعتزاز بقيم الانتماء إلى المغرب كبلد بهوية متنوعة الروافد محددة المكونات اللغوية والثقافية والحضارية وكذلك تنمية الانتساب إلى المجتمع الإنساني والتشبع بالقيم الكونية على مستوى التنشيط وتنمية المشاريع والممارسات الدينية؛
تنظيم مباريات في الكتابة والإبداع والبحث والتنافس يشارك فيها الشباب والأطفال في قضايا القيم؛
تنظيم ملتقيات دورية للتعريف بالتراث للبلاد وتاريخه ورصيده الحضاري وكذلك تقديره للتراث الإنساني في مجالات القيم الروحية وتحفيزهم ماديا ومعنويا؛
اختيار مصفوفة قيم محددة كل سنة ووضع برنامج عمل مندمج وتنفيذه وتتبعه وتقويمه مع توفير الموارد الضرورية لذلك؛
إطلاق مشاريع تطوعية بيئية أو ثقافية أو أنشطة الاكتشاف والبحث والإعلام عن قيم التضامن وتقديم الدعم وتعزيز أدوار الفضاء الإعلامي بالبرامج الإذاعية والأنشطة الفنية والثقافية والبيئية والرياضية الخاصة بذلك؛
إنشاء مراكز الإنصات مزودة بمختصين مهمتها التفاعل والاكتشاف المبكر للحالات المقلقة لدى الشباب والأطفال من أجل تمكينها من الدعم النفسي والاجتماعي والتربوي وتقديم المساعدة الكفيلة بحل المشاكل وتجاوز العوائق والصعوبات كيفما كان نوعها.
استثمار الوسائط التكنولوجية
نظرا للأهمية البالغة التي أضحت تحتلها الوسائط المعلوماتية والرقمية لدى الأطفال واليافعين والشباب على وجه الخصوص وكونها أصبحت جزء من بيئتهم وواقعهم إلى جانب ما تحمله الثقافة الرقمية من قيم ذات صلة بتشكل الشخصية الفردية والاجتماعية وما تلعبه حاليا من دور في البناء الإيجابي لصورة الذات والتمكن من المعارف والكفايات القيمية واللغوية، فإن نشر القيم الدينية عبرها وعبر المنصات والمواقع والتطبيقات بالأنترنيت يعتبر كذلك حاسما في ترسيخ القيم ، وهذا يتطلب برامج مرنة على الانترنيت والتيك توك والشبكات الاجتماعية ، وكذلك تشجيع المتعلمين على الإبداع والابتكار التربوي وخاصة عبر الوسائط التكنولوجية للتواصل لأن ذلك يمكن أن يحفزهم أكثر على الانخراط الإيجابي في مختلف الأنشطة الداعمة للتربية و استثمار الوسائط التكنولوجية في العمليات التربوية والتعليمية والتكوينية. خاصة أن الإشكاليات القيمية والاجتماعية التي يطرحها سوء استعمال هذه الوسائط من قبيل الغش وانتهاك الملكية والحقوق الشخصية والتبعية للأنترنيت والبرامج الإلكترونية وفقدان الحس النقدي وربما الانسياق وراء بعض الأفكار والتوجهات المغرضة أو المتطرفة التي قد لا تعي بها الفتيان والشباب خلفيتها ومخاطرها.

فمنذ المراحل الأولى من حياة الطفل والشباب ينبغي تنويع وتثمين علاقاتهم بالمعرفة الرقمية عبر استعمالها بشكل بناء ومثمر وتحديد مختلف الكفايات المعرفية والمنهجية والاجتماعية المدنية والقيمية ذات الصلة بتنمية الحس النقدي والأخلاقي والمدني لديهم وتجنب أخطار الأنترنيت مع رصد التجارب الناجحة على الشبكة العنكبوتية في هذا الشأن ووضعها رهن إشارة المرشدين والمرشدات؛

كذلك من المهم إحداث فضاءات رقمية للقيم يشتغل عليها المرشدون والمرشدات تمكن الشباب والأطفال أن ينهلوا منها الوثائق والموارد ذات الصلة بمنظومة القيم ، وإشراك الشباب عبر شبكة الأنترنيت في النقاش وتبادل الآراء حول مواضيع الأخلاق والتزكية وغيرها من القضايا الهامة بالنسبة لمجتمعهم ولعالم اليوم من منطلق ضرورة استثمار كل الوسائل والقنوات المتاحة من أجل الإنصات المتواصل للشباب ولاهتماماتهم وطموحاتهم.

إعداد أطر وقيادات قادرة على نشر القيم من بين المرشدين والمرشدات:
يشكل المتشبعون بالقيم القلب النابض لكل نشاط يهم نشرها لأنهم يمثلون إمكانا بشريا واسع التأهيل والفعالية تتوقف عليه نشر القيم وتحقيق أهدافها وجودة الأداء بما يتلاءم مع حاجات ومتطلبات البيئة المغربية.

لذلك ينبغي تثمين الجهود القيمة والمبتكرة التي يبذلها العديد من المرشدين والمرشدات من خلال تعزيز مناهج تكوينهم ببرامج ووحدات قارة في موضوع التربية على القيم، وتأهليهم لممارسة أدوارهم، واعتماد تكوينات جديدة في مجال تدبير التربية على الزهد والورع واحترام الآخر والتضامن. وفي قيادة المشاريع ذات الصلة وتمكينهم من الكفايات اللازمة لذلك وإدماج الاطر المرجعية للتربية المؤشرات المحددة في التربية على القيم من خلال اختبارات قبول القيادات والأطر الحاملة لمشاريع التربية على القيم عند الترشح لتحمل المسؤوليات المختلفة داخل المجالس العلمية المحلية والجهوية .

اعتماد برامج خاصة بالتربية على القيم في برامج التكوين المستمر لتعريف المرشدين والمرشدات بمستجدات الموضوع وتطوراته المعرفية ولاسيما مهارات التفاهم والتواصل والحوار والتدبير الجيد للتفاعل حول الثقافي.

إطلاق أوراش ميدانية داخل المجالس العلمية المحلية والجهوية يشارك فيها مختلف الفاعلين وذلك بهدف انخراطهم المباشر في تجديد وبناء تصوراتهم ولثقافة العيش المشترك ومخاطر السلوكيات اللا مدنية واللا تربوية بوجه عام.

تكريم مختلف المرشدين والمرشدات الذين يجتهدون في أساليب التربية القيمية وتثمين التجارب الناجحة والمبتكرة في هذا المجال وتعميمها.

تكوين وتقوية آليات الإنصات والمساعدة النفسية والاجتماعية المرتبطة بالقيم ([8]).

 

[1] – جبريل بن حسن العريشي،سلمى بنت عبد الرحمن، محمد الدوسري : الشبكات الاجتماعية والقيم: رؤية تحليلية.

الطبعة الأولى 2015 الدار المنهجية للنشر والتوزيع – الأردن ص. 85-86

[2] – الصديق الصادقي العماري: التنشئة الاجتماعية وتحدي التغيرات القيمية بالمغرب المدرسة والمجتمع. مجلة سوسيولوجيين، المجلد الأول لعدد 01 السنة 2020، ص.ص. 33-35

[3] –عبد الصمد غازي: القيم بين النظر والعمل.. كونية الاجتهاد الصوفي

/#_edn8القيم-بين-النظر-والعمل-كونية-الاجتهادhttps://www.arrabita.ma/blog/

[4] – تصدير دستور المملكة المغربية 2011،

[5] – الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المرتكزات الثابتة ص 7

[6] – “تقرير التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي”، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. 2017، ص.ص. 28-29

[7] – البرنامج الحكومي لحكومة عزيز أخنوش 2021-2026، ص39

[8] – “ التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي”، تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. 2017، ص.ص