*محمد عسيلة
في ظل النقاش الدائر في المغرب حول النظام القانوني للتعليم وسبل تحسينه، يأتي هذا المقال ليسلط الضوء على تجربة النظام التعليمي في ألمانيا، الذي يُعدُّ نموذجًا يحتذى به في كثير من جوانبه. يركز المقال على دور المعلم في هذا النظام، مستعرضًا كيفية تنظيم ساعات العمل، والدعم المقدم للمعلمين، بالإضافة إلى طبيعة العلاقة بين المعلمين والآباء وأولياء الأمور. تمت كتابة هذا المقال بهدف تقديم صورة شاملة وواضحة تُسهم في إثراء الحوار حول التعليم في المغرب، وتقديم بعض الأفكار والرؤى المستوحاة من التجربة الألمانية، آملين أن يجد القارئ فيها ما يُثري معرفته ويُلهمه نحو تطوير التعليم.
تحتل مهنة التعليم مكانة هامة في المجتمع الألماني، حيث يتم تقدير الدور الذي يلعبه المعلمون في تشكيل مستقبل الأجيال القادمة. يتم تنظيم ساعات العمل وتوفير الدعم المهني بشكل يضمن أداء المعلمين بكفاءة وفاعلية. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر التفاعل بين المعلمين والآباء وأولياء الأمور جزءاً أساسياً من العملية التعليمية.
تنظيم ساعات العمل
تلعب ساعات العمل المنظمة دوراً مهماً في ضمان فعالية العملية التعليمية. في ألمانيا، مع اخذ تقسيم الولايات بعين الاعتبار، يعمل المعلمون بمعدل 23 إلى 28 ساعة دراسية أسبوعياً، (انطلاقا من 39 ساعة) بالإضافة إلى الوقت الذي يتم تخصيصه للتحضير للدروس وتقييم أعمال التلاميذ.. يُشجع المعلمون على استغلال الوقت المتاح لهم من سقف 39 ساعة بشكل فعال لضمان تقديم تعليم عالي الجودة.
الدعم والتعليم المستمر
تقدم الحكومة الألمانية والوزارات المعنية بالتعليم دعماً واسعاً للمعلمين، بما في ذلك الفرص للتطوير المهني والتعليم المستمر. يُشجع المعلمون على المشاركة في ورش العمل، الدورات التدريبية، والمؤتمرات لتعزيز مهاراتهم وتوسيع معارفهم.
التفاعل مع الوزارة ونيابة التعليم
تلعب الوزارة ونيابة التعليم دوراً حاسماً في دعم المعلمين وضمان تقديم تعليم عالي الجودة. توفر هذه الجهات قنوات اتصال مفتوحة لتلقي الملاحظات والاقتراحات من المعلمين وتعمل على معالجة أي تحديات قد تواجههم.
العلاقة مع الآباء وأولياء الأمور
تعتبر العلاقة بين المعلمين والآباء وأولياء الأمور عنصراً أساسياً في نجاح العملية التعليمية. يُشجع المعلمون في ألمانيا على بناء علاقات إيجابية مع الآباء وتوفير قنوات اتصال فعالة لمناقشة تقدم التلاميذ وأي تحديات قد يواجهونها. يتم تنظيم اجتماعات دورية وجلسات تواصل لتعزيز التعاون بين المدرسة والعائلة وضمان توفير الدعم اللازم للتلاميذ.
النظام التعليمي في ألمانيا يتميز بتنظيمه الدقيق والفعال، وذلك يشمل العملية التعليمية وحماية حقوق المعلم. فيما يلي بعض البنود والجوانب الرئيسية التي تنظم مهنة التعليم وتقييم العملية التعليمية وحماية المعلم في النظام التعليمي الألماني:
الإطار القانوني والتشريعات:
-القوانين الفيدرالية والإقليمية: تنظم القوانين الفيدرالية والإقليمية الولائية مختلف جوانب العملية التعليمية، بما في ذلك متطلبات التأهيل للمعلمين، ساعات العمل، وشروط العمل.
تقييم العملية التعليمية:
– أنظمة التقييم: يتم تقييم أداء المعلمين بشكل منتظم لضمان تقديم تعليم عالي الجودة. يشمل التقييم الذاتي، التقييم من قبل الزملاء، والتقييمات الرسمية من قبل المشرفين التعليميين.
– التطوير المهني: يتم تشجيع المعلمين على المشاركة في برامج التطوير المهني والتعليم المستمر لتحسين مهاراتهم وتعزيز قدراتهم التدريسية.
حماية حقوق المعلم:
– العقود والأمان الوظيفي: توفر العقود الوظيفية للمعلمين حماية واضحة لحقوقهم، بما في ذلك الراتب، ساعات العمل، وشروط العمل.
– الدعم والموارد: يتم توفير الدعم والموارد اللازمة للمعلمين لأداء واجباتهم بفعالية، بما في ذلك المواد التعليمية، التكنولوجيا، والدعم الإداري.
– الصحة والسلامة: تُعطى أولوية عالية لصحة وسلامة المعلمين في بيئة العمل، ويتم توفير التدابير اللازمة لضمان بيئة عمل آمنة.
التفاعل مع الآباء وأولياء الأمور:
– التواصل والتعاون: يُشجع على التواصل الفعال والتعاون بين المعلمين والآباء وأولياء الأمور لدعم تقدم الطلاب التعليمي.
– الشفافية والمساءلة: يتم تشجيع الشفافية في تقديم المعلومات حول أداء التلاميذ والعملية التعليمية، ويُعتبر المعلمون مسؤولين عن توفير تعليم عالي الجودة بشراكة مع اولياء الامور.
في ألمانيا، يتم تقسيم المعلمين بناءً على نوع المدرسة التي يعملون فيها، وهناك بشكل عام ودون الدخول في بعض التفاصيل ثلاثة أنواع رئيسية من المدارس: الابتدائية، الثانوية، والمهنية. الى جانب هذه المدارس، هناك المؤسسات التعليمية والمهنية الاستثنائية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة او ذوي التعثر الدراسي. كل نوع من هذه المدارس لديه خصائصه الفريدة ويتطلب مهارات وتدريب خاص للمعلمين.
المدارس الابتدائية:
– المعلمون: يتطلب تدريس المراحل الابتدائية معلمين متخصصين في التعليم الابتدائي. وغالبًا ما يكون لديهم معرفة واسعة بمجموعة متنوعة من المواد الدراسية.
– متابعة التحصيل الدراسي والتربوي: يتم متابعة تقدم التلاميذ بشكل دوري من خلال الاختبارات والتقييمات الأخرى. كما يتم إيلاء اهتمام خاص للتنمية الشخصية والاجتماعية للتلاميذ.
– السلطة التربوية: يتمتع المعلمون في المدارس الابتدائية بسلطة كبيرة (ليس بالمفهوم القدحي للسلطة!) في توجيه التنمية التربوية للطلاب واتخاذ قرارات بشأن الأساليب التعليمية والتقييم.
المدارس الثانوية:
– المعلمون: يتخصص المعلمون في المدارس الثانوية عادة في موضوعات محددة ويمتلكون مهارات تدريس متقدمة في هذه المجالات.
– متابعة التحصيل الدراسي والتربوي: يتم التركيز على التحصيل الأكاديمي وتحضير الطلاب للامتحانات النهائية. كما يتم تشجيع التلاميذ على تطوير مهارات التفكير النقدي والاستقلالية.
– السلطة التربوية: يحتفظ المعلمون بسلطة تربوية قوية، ولكن يُشجَّعُ التلاميذ أيضًا على تحمل المسؤولية عن تعلمهم.
المدارس المهنية:
– المعلمون: يتخصص المعلمون في المدارس المهنية في مجالات محددة ويقدمون تعليمًا يركز على المهارات العملية والتحضير لسوق العمل.
– متابعة التحصيل الدراسي والتربوي: يتم التركيز بشكل خاص على تطوير المهارات العملية والجاهزية للعمل. يتم تقييم التلاميذ بناءً على أدائهم في المهام العملية والاختبارات النظرية والتطبيقية.
– السلطة التربوية: يتمتع المعلمون بسلطة في توجيه تعلم التلاميذ وتقييمهم، ولكن هناك أيضًا تركيز قوي على التعلم الذاتي والمبادرة الشخصية.
في جميع أنواع المدارس، يلعب المعلمون دورًا حاسمًا في توجيه التحصيل الدراسي والتربوي للتلاميذ، ويتمتعون بسلطة تربوية تمكنهم على اتخاذ قرارات مؤثرة بشأن العملية التعليمية.
السلطة التربوية للمعلم:
– المرونة والابتكار: يُشجع المعلمون على استخدام طرق تدريس مبتكرة ومرنة لتلبية احتياجات التلاميذ المختلفة، مع الحفاظ على معايير عالية من الجودة.
– التوجيه والدعم: يلعب المعلمون دورًا هامًا في توجيه التلاميذ وتقديم الدعم اللازم لهم، سواء كان ذلك على الصعيد الأكاديمي أو الشخصي.
– التقييم والتقويم: يتحمل المعلمون مسؤولية تقييم أداء التلاميذ وتقديم تقويم مستمر لتحسين مستويات التعلم.
– التواصل مع الأهل وأولياء الأمور: يُعد التواصل الفعّال مع أولياء الأمور جزءًا أساسيًا من دور المعلم، حيث يعملون معاً لدعم تقدم الطلاب ورفاهيتهم.
التحديات والفرص:
– التحديات: يواجه المعلمون في ألمانيا تحديات متنوعة، بما في ذلك الحاجة إلى التكيف مع التنوع الثقافي والديني في الفصول والاقسام الدراسية والتغيرات المستمرة في التكنولوجيا الرقمية وأساليب التدريس.
– الفرص: في الوقت نفسه، يُتاح للمعلمين فرص للتطوير المهني والنمو الشخصي، بالإضافة إلى إمكانية المساهمة بشكل فعال في تطوير النظام التعليمي.
الدعم والتطوير المهني:
– برامج التطوير المهني: تُقدم مجموعة واسعة من برامج التطوير المهني للمعلمين لتحسين مهاراتهم ومعرفتهم.
– الدعم من الإدارة: تلعب الإدارة المدرسية دورًا مهمًا في توفير الدعم اللازم للمعلمين وتشجيعهم على تحقيق أفضل أداء ممكن.
يتمتع المعلمون بشكل عام في ألمانيا بسلطة تربوية كبيرة ويُعتبرون جزءًا لا يتجزأ من العملية التعليمية، حيث يلعبون دورًا محوريًا في توجيه ودعم التلاميذ . يُتاح لهم الدعم والموارد اللازمة لأداء واجباتهم بفعالية، ويُشجعون على التطوير المستمر لمهاراتهم ومعارفهم.
وعليه يوفر النظام التعليمي الألماني إطارًا قويًا ومنظمًا لدعم المعلمين وضمان تقديم تعليم عالي الجودة، مع التركيز على حماية حقوق المعلم وتعزيز التفاعل الإيجابي مع الآباء وأولياء الأمور.
تعتبر مهنة التعليم في ألمانيا من المهن المرموقة والداعمة، حيث يتم توفير الظروف المثالية للمعلمين لأداء دورهم التعليمي بكفاءة. التنظيم الجيد لساعات العمل، الدعم المهني المستمر، التفاعل الإيجابي مع الجهات الإدارية، وبناء علاقات قوية مع الآباء وأولياء الأمور كلها عوامل تسهم في تحقيق التميز في العملية التعليمية في ألمانيا.
ــــــــــــــــــ
*أستاذ لمادة اللغة العربية والدين الاسلامي باللغة الالمانية – مسؤول على تكوينات أساتذة اللغات الاصلية بوزارة التعليم الولائية في ألمانيا ـ مستشار لدى نيابة التعليم في قضايا الجودة والتحصيل والمناهج
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20646