عبد السلام البوسرغيني
هناك من يحذر من الدراسة في فرنسا، وهو تحذير ليس في محله لعدة أسباب، أولها وأهمها أن فرنسا ليست دولة فاسدة للتربية. وثانيا لأن تجربة أجيال الطلبة المغاربة الذين درسوا في فرنسا كانت مثمرة وناجحة في أغلبيتها الساحقة. فمن عادوا منهم إلى وطنهم عادوا مسلحين بسلاح العلم والمعرفة والمهارة المهنية، وساهموا في المجهود المبذول من أجل النهوض بالبلاد، ومن وجدوا ضالتهم في البقاء في فرنسا، كانوا خير ممثلين لوطنهم.
لا أدري من أين طلع علينا هذا السيد المدعو آدم بوكار بتدوينة شاذة ليحذر الناس من فرنسا التي تشع بثقافتها وعلومها على العالم، بما تقدمه معاهدها العليا من مساهمة في إزهار الحضارة المعاصرة.
يجب أن لا يغيب عنا إنه عندما كان المغرب في حاجة إلى الانفتاح على العالم بواسطة العلوم الهندسية والأدوات الثقافية، كانت فرنسا ومعاهدها الموئل الأول الذي قصده أبناء وطننا للتسلح بالعلم والمعرفة والمهارة المهنية، ثم اتسعت الآفاق أمام طلابنا لينهلوا معارفهم من المعاهد الأنجلوسكسونية.
ولقد كان انتشار اللغة الفرنسية في المغرب ولا يزال يساعد على مواكبته للعالم في تقدمه وازدهاره. ولكي يتاح له المزيد من الانفتاح اتجه إلى اللغة الإنجليزية لتصبح اللغة الثالثة الأكثر انتشارا بعد اللغتين العربية والفرنسية.
وعلى اعتبار أن من يتقن لغة واحدة قد يعتبر شبه أمي، فقد حرص المغرب على الاحتفاظ بتدريس اللغة الفرنسية ابتداء من المدارس الابتدائية وحتى الدراسة الجامعية. ولتوسيع المجال المعرفي انتشر التعليم باللغة الإنجليزية في التعليم الثانوي والجامعي. وكانت جامعة الأخوين أول جامعة تقتصر الدراسة فيها على اللغة الإنجليزية منذ أن أنشئت في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، واختار منشئها المغفور له الملك الحسن الثاني مدينة إفران الجميلة مقرا لها.
لقد أعطت هذه الجامعة للمغرب أفواجا من الأطر ذكورا وإناثا ساهموا في تعزيز الروابط الاقتصادية منها على الخصوص، ومع دول الخليج التي لا تستعمل في معاملاتها سوى اللغة الإنجليزية. ولقد وجد البعض من خريجي جامعة الأخوين مجالات العمل في هذه الدول الناشئة والمتطلعة.
هناك من يقول إن الآفاق أمام اللغة الفرنسية ضيق، وأن آفاق اللغة الإنجليزي أوسع، نعم قد يصح هذا القول. لكن بالنسبة للمغرب ستظل اللغة الفرنسية إحدى أدوات للتعامل مع الجارح، بل وحتى في الداخل، وذلك نظرا لما يجمعنا من روابط مع فرنسا، ولكون تغيير التعامل باللغات يحتاج إلى وقت طويل. ثم إن المغرب لا يمكن له أن يفرط في التراث المغربي الزاخر المكتوب باللغة الفرنسية الذي اجتهد كثير من المغاربة في إبداعه، وهو يشمل المجالات العلمية والهندسية والثقافية وتمتلئ به المكتبات في المغرب وخارجه.
من يريد أن يتحدث عن اللغات والدراسة عليه أن يأخذ بعين الاعتبار مختلف المعطيات المتصلة بهما لتحظى آراؤه بما تستحقها من الاعتبار، وعلى غرار باقي ميادين الحياة والنشاط البشري والإنساني التي يجب أن تخضع للتقييم السليم.
ـــــــــــــــــ
رابط صفحة الكاتب على فيسبوك
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23683