حسب الدراسة التي أعدها “فدوى عماري” و”رضى اليموري”، والمنشورة من قبل Policy Center for the New South، والمنشورة تحت عنوان “نشأة وتطور الجماعات المتطرفة المسلحة في الساحل في سياق أزمة متعددة الأبعاد”، فقد شهدت منطقة الساحل نشوء وتطور العديد من الجماعات المتطرفة، التي شكلت تهديدا أمنيا خطيرا بسبب استغلالها للهشاشة السياسية والاجتماعية في المنطقة.
هذه الجماعات مرت بمراحل مختلفة من الاندماج والتفكك وإعادة التشكل، وفقا لمصالحها وارتباطاتها الإقليمية والدولية:
بدأ التطرف العنيف في المنطقة مع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQMI)، الذي تأسس رسميا عام 2007، حيث كان امتدادا لتنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر. وتوسع التنظيم بسرعة في منطقة الساحل مستغلًا النزاعات المحلية، حيث انخرط في عمليات الخطف، التهريب، وفرض الضرائب غير الشرعية على السكان المحليين.
وفي عام 2011، وبسبب الصراعات الداخلية والانقسامات الأيديولوجية، انبثق عن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تنظيم جديد وهو حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا (MUJAO)، الذي ركز على استقطاب العناصر غير العربية، مثل الطوارق والمجموعات العرقية الأخرى.
وتميز هذا التنظيم باستخدامه استراتيجيات أكثر عنفًا، مثل التفجيرات الانتحارية، وتعاون لفترة مع جماعة أنصار الدين التي أسسها إياد أغ غالي، وهو زعيم طارقي بارز.
وفي عام 2017، اندمجت عدة جماعات تابعة لتنظيم القاعدة، مثل أنصار الدين، المرابطون، وجبهة تحرير ماسينا، تحت قيادة إياد أغ غالي، لتشكل ما يعرف بـ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، هذه الجماعة أصبحت الفرع الرئيسي لتنظيم القاعدة في المنطقة، متبنية خطابا يستند إلى الأيديولوجيا الجهادية، لكنها في الوقت ذاته اعتمدت على تحالفات محلية وتكتيكات مرنة، مما سمح لها بالتمدد والسيطرة على مساحات واسعة.
وفي المقابل، برز تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (EIGS) كامتداد لتنظيم داعش، مستفيدا من الخلافات داخل الجماعات الجهادية الموالية للقاعدة.
ومنذ عام 2019، تصاعدت حدة المواجهات بين EIGS وJNIM، حيث اشتبكت المجموعتان في معارك دموية للسيطرة على المناطق الاستراتيجية والممرات التجارية، وأدى هذا التنافس إلى تفاقم العنف في المنطقة وزيادة معاناة المدنيين، خاصة في مناطق مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
إضافة إلى ذلك، فقد ظهر تنظيم المرابطون، الذي أسسه مختار بلمختار بعد انشقاقه عن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، حيث تبنى استراتيجيات الهجمات المتنقلة والتفجيرات الانتحارية، وكان له دور في تنفيذ هجمات بارزة ضد أهداف غربية وإقليمية.
تشير الدراسة إلى أن هذه الجماعات لم تقتصر على تبني العنف فقط، بل دخلت أيضا في شراكات مع شبكات التهريب والجريمة المنظمة، مما عزز مصادر تمويلها وجعلها أكثر قدرة على البقاء والتكيف مع الضغوط الأمنية والعسكرية، كما أن الانقسامات العرقية والمظالم المحلية ساهمت في زيادة تعقيد المشهد الأمني، مما جعل من الصعب التعامل مع هذه الجماعات بوسائل تقليدية.
وخبصت الدراسة إلى أن هذه الجماعات المسلحة باتت تشكل تحديا أمنيا خطيرا على المنطقة، مع استمرار تحولاتها الديناميكية وتكيفها مع الظروف السياسية والاقتصادية.
وبحسب الدراسة، فإن أي جهود لمكافحة الإرهاب في الساحل يجب أن تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وليس فقط الحلول العسكرية، لضمان استقرار طويل الأمد.