تنفرد “دين بريس” بنشر خلاصة لدراسة حول الخطاب والممارسة في التجربة الديمقراطية لدى “جماعة بنكيران” (1990 ـ 1996 من إنجاز الأستاذ سعيد الراشيدي. وتعتمد الدراسة عمّا نُشر في جريدة “الراية” ما بين 90 و96، وأيضا في بعض المجلات والجرائد التي كانت تنشر حوارات لـ “عبد الإله بنكيران”، باعتباره رئيسا لـ”الجماعة الإسلامية” ثم “الإصلاح والتجديد” ما بين 1985 و1994. أي حوالي 224 عددا من “الراية”، إضافة إلى مجلات من قبيل “المستقلة” و”فلسطين المسلمة” و”المجلية المغربية” و”الوسط” وغيرها..
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمكن تناول موضوع “الإسلام السياسي” من مقاربات عديدة، ومن زوايا بحثية مختلفة، لا من حيث الزمان، باعتبار أن هذا الجانب من تأويل “الإسلام” يرجع أصله إلى بداية القرن الماضي بتأسيس جماعة “الإخوان المسلمين” ((1 ويمتد إلى زماننا هذا، مع احتساب كل التنظيمات المتفرعة عنها، ولا من حيث المكان، على اعتبار أن “الإسلام السياسي” (2) يتحرك في رقعة جغرافية واسعة تشمل العالمين العربي والإسلامي، مع استحضار التنظيمات المغتربة، والتي بدورها تسعى إلى “تبْيئة” الإسلام في كل مناطق العالم.
إن كل هذه “الاجتهادات” وبشتّى تلويناتها الفكرية والعقدية والمذهبية أنتجت خلال عقود من الزمن خطابات متعددة حول “الديمقراطية”، سواء كانت رافضة لها جملة وتفصيلا، كما هو حال الاتجاه “التكفيري” (3)، أو مستوعبة لها لكن مع إجراء عمليات تقويم على مستوى المضمون أو الخلفية الفلسفية المستصحبة لها (4)، كما هو الشأن بالنسبة لأغلب الحركات الإسلامية التي ارتضت لنفسها المشاركة السياسية والسبيل الديمقراطي لممارسة الحكم.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد النظري التأصيلي لمفهوم الديمقراطية وربطه بـ”الشورى الإسلامية”، بل إن الأمر تعدى إلى المستوى التنظيمي التطبيقي داخل جماعات “الإسلام السياسي” بتبني “آليات الديمقراطية” لاختيار القيادات الحركية العاملة في الميدان، أو على المستوى الخارجي عندما انخرطت بعض هذه الفصائل في شؤون الحكم كما هو الحال في بعض الدول العربية والإسلامية مثل مصر والمغرب والأردن وتركيا وإيران..
وفي خضم هذا المسار، استطاعت تنظيمات “الإسلام السياسي” أن تنتج أدبيات عديدة في المجال المفاهيمي للديمقراطية، حيث كان همّها الأول هو التوفيق بين “الديمقراطية” الغربية و”الشورى” الإسلامية، على شاكلة ما عرفه الفكر الإسلامي، إبان النهضة العربية والاحتكاك مع المستعمر، من محاولات أخرى للتوفيق بين قضايا فكرية مستحدثة وأخرى دينية تراثية، وهو الاحتكاك الذي أفرز اتجاهات فكرية منها الإصلاحية والمحافظة والحداثية والعلمانية والإسلامية..
وأمام هذا الزخم الإنتاجي، سواء في الخطاب والممارسة لدى “الإسلام السياسي” وعلاقته بالديمقراطية، ارتأينا في هذه الورقة أن نحصر مجالات بحثنا من حيث المكان والزمان، فاخترنا تنظيما إسلاميا معينا هو حركة “جماعة بنكيران” (5) بالمغرب، وحاولنا أن نرصد إنتاجاتها وخطاباتها ومقارباتها الفكرية لمفهوم الديمقراطية وبالتحديد ما بين سنتي 1990 و1996.
وبما أن هناك العديد من المتدخلين في موضوع “الديمقراطية” داخل هذه الجماعة الإسلامية، فقد تم اختيار “عبد الإله بنكيران”، كموضوع للبحث، باعتباره أحد القيادات المنتجة والممارسة للفعل “الديمقراطي”، حتى نستطيع الخروج باستنتاجات دقيقة في موضوع محدد من حيث المكان والزمان والأشخاص، لأن مثل هذه المواضيع تتجاذبها غالبا “انطباعات ذاتية”، سواء من جهة المدافعين عن أطروحات “الإسلام السياسي”، أو من قبل المعادين له والرافضين لكل تصوراته.
وافع البحث:
يمكن إجمال الدوافع البحثية لمقاربة هذا الموضوع بهذا الشكل المحدد زمنيا (90 ـ 96) ومكانيا (حركة التوحيد والإصلاح بالمغرب) وشخصيا (زعيمها التاريخي عبد الإله بنكيران) للاعتبارات التالية:
1 ـ تم اختيار حركة “جماعة بنكيران” كموضوع للبحث لأنها حركة تفاعلت بشكل كبير مع مفهوم الديمقراطية وتبنته في خطاباتها ومطالبها، ومارسته على المستوى التنظيمي، كما أنها استطاعت أن تبلور “رؤية سياسية” (6) تمخض عنها تأسيس حزب سياسي هو “العدالة والتنمية”، وهو بدوره نجح في أن يصل إلى دواليب التسيير الحكومي على المستويين المحلي والمركزي. هذا المعطى يغري الباحثين في موضوع “الإسلام السياسي والديمقراطية”، لأنه يقدم لهم مادة غزيرة ومتنوعة في مجال الرصد والبحث والتحليل..
2 ـ تم تحديد موضوع الدراسة زمنيا فيما بين سنتي 1990 و1996، على أساس أن أول عدد من جريدة “الراية” (7) صدر بتاريخ 13 يونيو 1990، وانتهى البحث إلى غاية توحيد الحركتين “الإصلاح والتجديد” و”رابطة المستقبل الإسلامي” (8). لأن هذه السنوات بالذات هي التي بدأت فيها “الجماعة الإسلامية” التفاعل مع مفهوم مستحدث هو “الديمقراطية”، وهي الفترة التي خرجت فيها إلى العلن بعد سنوات من العمل السري، وأسست فيها منبرا إعلاميا هو “الراية”، وتبنت ميثاقا مكتوبا، وأعلنت عن نيتها في المشاركة السياسية بعد محاولات حثيثة لتأسيس حزب سياسي (9)، فكانت هذه الفترة ذات أهمية كبيرة في تشكُّل نظرة هذه “الجماعة” للديمقراطية وكيفية ممارستها على أرض الواقع.
إن تحديد الزمن البحثي يسهل على الدارس مأمورية رصد الخطاب ومتابعة مآلاته بشكل دقيق، ويسعفه ذلك في تسطير استنتاجات تكون قريبة من الموضوعية، بالإضافة إلى أن بحثنا هذا لا يسمح بتناول علاقة “التوحيد والإصلاح” بالديمقراطية في كل المراحل التي قطعتها منذ التأسيس إلى زمننا هذا، مع التفرعات الكثيرة التي طالت الموضوع، فكريا وتنظيميا وسياسيا، لذلك حددنا نهاية البحث في سنة 1996، لأنها هي السنة التي تمت فيها الوحدة بين الحركتين، وبالتالي ميلاد عهد تنظيمي جديد، وأيضا هي السنة التي انضم فيها العاملون في هذه الجماعة إلى حزب الراحل “عبد الكريم الخطيب” المسمى “الحركة الدستورية الاجتماعية الديمقراطية” (10)..
3 ـ اعتمدنا في هذا البحث عمّا نُشر في جريدة “الراية” ما بين 90 و96 (11)، وأيضا في بعض المجلات والجرائد التي كانت تنشر حوارات لـ “عبد الإله بنكيران” (12)، باعتباره رئيسا لـ”الجماعة الإسلامية” ثم “الإصلاح والتجديد” ما بين 1985 و1994، وعلى أساس أنه كان أكثر نشاطا من حيث إنتاج التصريحات الإعلامية وكتابة الافتتاحيات، وأيضا لكونه الشخصية الأكثر تفاعلا مع محيطه الدعوي والسياسي، والأبعد تأثيرا على الأتباع، حيث كانت له مبادرة الإعلان عن المراجعات التي أطرت ميلاد “الجماعة الإسلامية” وانفصالها عن الاختيارات الثورية والعنيفة التي صبغت مرحلة “الشبيبة الإسلامية” (13) في عهد مؤسسها “عبد الكريم مطيع”.
وتم تركيزنا على شخص “بنكيران” في هذا البحث، لأنه أصبح فيما بعد رئيسا للحكومة المغربية، وما صاحب ذلك من تفاعلات سياسية وإعلامية استأثرت باهتمام المغاربة في فترة ولايته الحكومية. فاختار هذا البحث تسليط الضوء على تناوله لمفهوم الديمقراطية ما بين سنتي 90 و96، ورغبته في تأصيلها إسلاميا، وأيضا ممارسته لها داخل جماعته، حتى يكون هذا البحث مرجعا في فهم المسار الفكري لهذه الشخصية الإسلامية والسياسية، خصوصا في المراحل الأولى للعمل الإسلامي بالمغرب، ومقارنة ذلك مع ما حصل من تطورات فيما بعد في موضوع الديمقراطية التي تخصنا في هذا الباب..
السياق التاريخي
على المستوى العام، عرف المغرب انطلاقا من سنة 1990 تحولات عميقة في مجال حقوق الإنسان، وفرض هذا المطلب نفسه بقوة على الأجندة السياسية لصانع القرار، وجاء ذلك نتيجة الضغوط الدولية التي مورست ضد المغرب من أجل الكشف عن المعتقلات السرية فوق تراب المملكة. وانطلق مسلسل الانفراج الحقوقي مع الإعلان عن فتح معتقلات “تازممارت” و”أكدز” و”قلعة مكونة”، والإفراج عن المعتقلين بها، ثم أعقب ذلك عفو ملكـي شـامل سـنة 1994. وكان أكبر حدث في بداية هذا العهد الحقوقي هو تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتاريخ 18 مايو 1990، الذي تحول فيما بعد إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وشهدت هذه المرحلة أيضا إقرار صيغة جديدة للدستور المغربي سنة 1992 ، الذي أشار لأول مرة في ديباجته إلى مسألة حقوق الإنسان، حيث نص بأن المملكة المغربية “تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا”..
كما تميزت هذه الفترة من التسعينات بانطلاق المفاوضات بين المعارضة والمتمثلة في حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” و”حزب الاستقلال” وحزب “منظمة العمل الديمقراطي” وبين القصر الملكي من أجل إشراكها في الحكم، إلا أن المبادرة باءت بالفشل ولم يكتب لها النجاح إلا في سنة 1998 مع تعيين حكومة “عبد الرحمان اليوسفي”.
أما على مستوى العمل الإسلامي، فيمكن الإشارة إلى أنه في بداية السبعينات من القرن العشرين تأسست جمعية “الشبيبة الإسلامية” برئاسة “عبد الكريم مطيع”، وبعد مغادرة هذا الأخير المغرب إثر حادثة اغتيال الزعيم الاشتراكي “عمر بنجلون”، بقي تلامذته في المغرب يساندونه ويعملون في إطار “الشبيبة” إلى غاية سنة 1981، حيث انشقوا عن الجماعة الأم، وأعلنوا عن ميلاد تنظيم جديد سمي بـ”الجماعة الإسلامية” التي تحولت سنة 1992 إلى حركة اسمها “الإصلاح والتجديد”، ومن بين المنشقين “عبد الإله بنكيران” و”عبد الله باها” و”محمد يتيم” و”سعد الدين العثماني” الرئيس الحالي للحكومة المغربية. وترأس “بنكيران” الجماعة من سنة 1985 إلى 1994 ثم ترأسها “محمد يتيم” من سنة 1994 إلى غاية سنة 1996 (14). وهي الفترة التي تعنينا في هذا البحث.
وعرفت هذه المرحلة أيضا ميلاد “رابطة المستقبل الإسلامي” بقيادة “احمد الريسوني” سنة 1994، وهي مشكلة من جماعات إسلامية تكونت بعد انفراط عقد “الشبيبة الإسلامية”، وعلى رأسها “جماعة الدعوة” بفاس و”الجمعية الإسلامية” بالقصر الكبير و”جمعية الشروق الإسلامية” (15).
وبعد خروج “جماعة بنكيران” إلى العلن، كان لا بد من التأسيس لأوليات هذه المرحلة، وهكذا تم إقرار “التخلي عن كل أشكال السرية والعنف والتطرف والاصطدام مع الآخر، وتبني الخيار السلمي الحضاري في التعاطي مع الواقع”، ثم “الحرص على العمل في ظل المشروعية القانونية والدستورية للبلاد ونهج الحوار في التعامل مع الآخرين ومد الجسور مع كل مكونات المجتمع بما في ظلك السلطة” (16).
أولويات “بنكيران” وجماعته: تطبيق الشريعة والحدود وإقامة دولة الإسلام
في الفترة التي نتحدث عنها (90 ـ 96)، لم يكن من أولويات العمل الإسلامي المطالبة بحقوق الإنسان أو الديمقراطية أو النضال من أجل إقرار الحريات الجماعية، ومن خلال تتبعنا لبعض أدبيات الجماعة وبالخصوص ميثاقها، وأيضا لكافة تصريحات وحوارات “عبد الإله بنكيران”، اكتشفنا أن الهمَّ الأول كان بالأساس المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وحدود الله، وجمع الزكاة، ومنع بيع الخمور، والدعوة إلى الحجاب، ودعم حركات الجهاد في العالم الإسلامي (17).
ولم يتوان هذا القيادي أبدا في المطالبة بتطبيق الحدود في الإسلام، والمجاهرة بهذا المطلب في لقاءات رسمية، مثل ما وقع في الدورة الأولى للجامعة الصيفية نهاية غشت من سنة 1990، حينما أصرَّ “بنكيران”، وكان حينها رئيسا للجماعة الإسلامية، وأمام وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الراحل “عبد الكبير المدغري”، على ضرورة قطع يد السارق وجلد الزاني قائلا: “أمر الله أن نقطع اليد نقطعها.. وأمر الله أن نجلد الزاني نجلده..” (18).
وحتى عندما شارك “بنكيران” في تظاهرة فاتح ماي سنة 1993 وألقى خطبة أمام العمال، لم يشر فيها إلى الديمقراطية أو قضية حقوق العمال، وإنما كانت كلمته كلها عن جماعته الإسلامية وقضايا الصحوة الإسلامية، وطالب أمام الملأ بتطبيق شريعة الله في المغرب، وخاطب الطبقة الشغيلة في عيدها السنوي قائلا: “نريد أن تطبق فينا أحكام الله وليس أحكام البشر ولا أحكام المنحرفين”. وحينما سأله صحافي من مجلة “الوسط” عن فحوى مطالب مشروعه الإسلامي أجاب “بنكيران “إننا نريد من الدولة أن تجمع الزكاة من الأغنياء وتردها إلى الفقراء، وتقيم العدالة الاجتماعية, وتطبق الشريعة الإسلامية بما في ذلك الحدود..”(19).
ويبدو أن “بنكيران” لم يقطع خلال هذه الفترة مع الأفكار المتطرفة التي سادت أيام “الشبيبة الإسلامية” وتأثرها بفكر “سيد قطب” وكتابه الشهير “معالم في الطريق” (20)، حيث استمر في ترديد مقولات “الجاهلية” و”الضلال”، وهو ما ظهر واضحا في حواره مع “فلسطين المسلمة” حينما اعتبر “أن الضلال قد خالط هذا الشعب (المغربي) وهذه الدولة (المغرب)، ووقعت في الكثير من الأمور “الجاهلية” التي لا يقرها الشرع ولا يرضى عنها الله” (21).
وظل “بنكيران” خلال السنوات الأولى من تسعينات القرن الماضي يطالب أيضا بقيام دولة الإسلام في المغرب، وتأسيسها على “مبادئ الإسلام والتخطيط لها على أساس تحقيق أهدافه ومقاصده في هذه الحياة” (22).
وكان يؤمن بأنه على “الحركة الإسلامية” أن تراجع عملها ليتبين لها أن واجبها الأساسي هو بناء الرجال الراشدين والنساء الصالحات وإصلاح حال الأمة تدريجيا ليصبح الانتقال إلى طور الخلافة الراشدة على منهاج النبوة نتيجة طبيعية..” (23)، بل كان يشرعن بطريقة مبطّنة مقاومة كل فعل معارض لتأسيس الخلافة الراشدة بقوله و”لئن اعترضها معترض وهي على هذا النهج الأصيل فإن مواجهته تكون مشروعة والنصر يكون عليه مضمونا” (24).
يلاحظ أن “بنكيران”، خلال هذه الفترة، بقي وفيا لأفكاره القديمة المتشددة، ولم يتردد في المطالبة بتطبيق أحكام الله وشرعه وجمع الزكاة ومنع بيع الخمر وتحريم الأغاني إلى غاية انعقاد المؤتمر الاستثنائي للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية يوم 2 غشت 96، وانضمامه إلى الأمانة العامة لحزب الراحل “عبد الكريم الخطيب”، حيث صرح أمام مناضلي الحزب قائلا: “نحن في الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية عاقدو العزم على أن يكون حزبنا حزبا إسلاميا يدعو إلى جمع الزكاة من الأغنياء وردها على الفقراء وتحكيم شريعة الله ومنع بيع الخمور وإيقاف مسلسل الفساد في الإذاعة والتلفزيون والتعليم..”. والكلمة الوحيدة التي أشار فيها إلى الديمقراطية بالاسم، خلال هذا المؤتمر، هي حينما قال “نحن مع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن على أساس لا يتجاوز حدود الإسلام” (25).
والخلاصة أن زعيم “الجماعة الإسلامية” لم يكن منشغلا أبدا بالنقاش العمومي حينها والذي كان منصبا على احترام حقوق الإنسان وتطوير التجربة الديمقراطية ببلادنا كما أشرنا إلى ذلك في السياق التاريخي لهذا البحث، بل كانت أولياته الحركية هي إقامة الإسلام على مستوى الدولة وتطبيق شريعة الإسلام..
رفض “جماعة بنكيران” للديمقراطية في بداية الأمر
بالرجوع إلى أدبيات “جماعة بنكيران” في مراحلها الأولى يمكن التأكيد أنها شرعت في التفاعل مع مفهوم الديمقراطية بشكل تدريجي ومحتشم، ولم يستطع “الميثاق” الذي صادقت عليه الجماعة سنة 1990 الإشارة إلى لفظ “الديمقراطية” بشكل صريح، وإنما استعمل مصطلح “الشورى”، مما يعني أنه في هذه الفترة كان هناك نوع من الرفض للمفهوم الجديد، وهو ما يستنتج من الفقرة الوحيدة الواردة في “الميثاق” المذكور والمتعلقة بـ”الدعوة إلى إقرار شورى حقيقية في المجتمع وهي تعني من بين ما تعني الدعوة إلى إقرار الحريات العامة.. والعمل على تحقيق حرية التعبير والرأي وحق التجمع وإفساح المجال للجميع في إطار المقومات الإسلامية للمجتمع المغربي” (26).
والميثاق نفسه يدعو إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، في غياب التنصيص على أي مطلب ديمقراطي واضح، وهي الملاحظة نفسها التي أوردناه بخصوص زعيم الجماعة “عبد الإله بنكيران” وإصراره على المطالبة بتطبيق الشريعة والحدود في غالبية تصريحاته في الفترة التي نتحدث عنها. ويظهر هذا جليا عندما أصدرت الجماعة بيانا عاما في شهر نونبر 1990 لم تدع فيه إلى الديمقراطية، بل كان مطلبها الأساسي هو تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مناحي الحياة، وبأسلمة جميع القوانين التي اعتبرتها من الشرائع “الجاهلية”، وأكدت أن “المغرب ليس دولة قانون فقط بل هو دولة الشريعة أصلا ولهذا فالمضمون الإسلامي للحريات العامة لا يسمح للدولة بالترخيص لأماكن بيع الخمر أو الترخيص للحفلات المزعجة في الأعراس ولا لأماكن القمار. وتحدث البيان عن مسألة النساء العاريات والتبرج وعن فرض الإسلام للحجاب (27).
وإلى حدود هذا التاريخ، كانت الجماعة تصر على إقامة “دولة الإسلام” التي لا مكان فيها لأنصار “العلمانية”، وتدعو إلى مفاصلة تامة بين “العلمانيين” و”الإسلاميين”، بل تعتبر أن تطبيق الديمقراطية لا يكون إلا في مجتمع تكون أحزابه كلها ذات النهج الإسلامي، وترى أنه “متى صارت اختيارات الأحزاب والحكومات موافقة للدين أصبحت سواء في إسلاميتها، فتكون المنافسة حينئذ ديمقراطية”، وتعتقد “الجماعة” بوجود “معركة مستمرة تتعدد إخراجاتها ولكن حقيقتها واحدة وهي أنه لا ديمقراطية بين العلمانيين والإسلاميين في البلاد الإسلامية، فإما أن تكون الدولة إسلامية، وإما أن تكون علمانية..”(28).
ويظهر أن “الجماعة” عبرت عن رفضها للديمقراطية في بداية الأمر، وكانت تعتبرها لعبة بما في الكلمة من معنى، وتتصورها على شكل “فرق تتنافس داخل الحلبة وجمهور متفرج يتخيل أنه صاحب اللعبة، وحرس يحرسون اللعبة ويحولون دون تجاوزها للحدود المرسومة سلفا”، ولا ترى الجماعة مانعا في استمرار “الضغط إلى أن يحدث الانفجار ويتسلم الإسلاميون مقاليد أمورهم كما يجب أن يكون بدون تصويت ولا لف ولا دوران، ولترحل الديمقراطية إلى أهلها ما دامت لا تسمح باللعب للجميع” (29).
وعندما تقدمت جماعة “بنكيران” إلى السلطات المغربية من أجل تأسيس حزب سياسي اسمه “التجديد الوطني” سنة 1992 لم تتمكن بعد من بلورة مفهوم واضح للديمقراطية، ولم تفصح عن مطالب ديمقراطية حقيقية، واكتفت فقط بإيراد فقرة مبهمة ضمن أهداف الحزب تتحدث عن “دعم النهج الديمقراطي في إطار مقومات المجتمع المغربي” (30).
وبقي هذا الالتباس في التعامل مع مفهوم الديمقراطية مصاحبا لتصورات “الجماعة” إلى غاية 1994 عندما عثرنا على بيان لحركة “الإصلاح والتجديد” ووجدناه يطالب لأول مرة بـ”إقرار إصلاح سياسي وضمانة ممارسة ديمقراطية حقيقية تحقق مساهمة الجميع بدون استثناء أو إقصاء يتنافيان مع مبدأ دول الحق والقانون” (31).
وتميزت سنة 1995 بنشر كتاب “الحوار مع الفضلاء الديمقراطيين” للشيخ الراحل عبد السلام ياسين مرشد جماعة “العدل والإحسان”، وفي تعليقه على هذا الكتاب، قال “محمد يتيم”، وقد أصبح حينها رئيسا لـ”الإصلاح والتجديد”، إن “قضية الديمقراطية ينبغي أن نتعامل معها إيجابيا مادامت لا تلغي حقنا في أن نؤسس أنظمتنا الاجتماعية والسياسية على القاعدة العقائدية والثقافية المجمع عليها داخل مجتمعاتنا الإسلامية” (32).
يلاحظ أنه إلى غاية هذه المرحلة مازال هناك ربط للديمقراطية بالعقيدة الإسلامية وهو شرط بقي ملازما لكافة تصريحات الإسلاميين في هذه الجماعة، حيث نشرت “الراية” في الفترة ما بين 90 و96 مقالات عديدة تحاول تطويع مفاهيم الديمقراطية وإلباسها لبوسا إسلاميا..
التباس الديمقراطية بالشورى
كانت الديمقراطية من أكثر المفاهيم التي اصطدمت بها الحركة الإسلامية في العالم، وكان الإسلاميون في البداية يعترضون على الديمقراطية من ثلاث وجهات: أولا لأنها ترتكز على فضل الدين عن الدولة في حين أن الإسلام دين ودولة، وثانيا لأنها تقر بالسيادة للشعب في حين أن السيادة للشرع، وثالثا لأنها تقتضي حكم الأغلبية، والإسلاميون يرون أن كثرة العدد ليس معيارا للحق (33)..
وكان هؤلاء يعتقدون أن دينهم وتراثهم ترك لهم ما يسمى بـ”الشورى الإسلامية” وهي الكفيلة بتنظيم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، إلا أن اصطدامهم بمفاهيم وآليات الديمقراطية الوافدة من العالم الغربي، جعلهم يكتشفون أن تلك “الشورى” بمفاهيمها وأساليبها التقليدية غير قادرة على استيعاب الواقع المتطور، وعلى الحد من الاستبداد السياسي، ولن تسهم في تنظيم تداول سلمي للسلطة في المجتمعات الإسلامية الحديثة. ويعترف “عبد الإله بنكيران” بأن الديمقراطية فرضت على الإسلاميين إعادة النظر في علاقتهم بالحكام وجرّأتهم على المطالبة بكف الاستبداد الشائع في المجتمع مما أحيى معاني الشورى الأصيلة في نفوسهم(34).
ويرى أنه لما جاء الغربيون بديمقراطيتهم وبرلماناتهم التي تحاسب حكوماتهم وتناقشها، بغض النظر عن أسلوبهم في الاختيار أو الممارسة، وجدوا المسلمين متخلفين عن دينهم علما وعملا، مما جعلهم فريسة سهلة للحضارة الغربية ونظمها، فتبنت النخب المتغربة الديمقراطية التي اهتمت بالترويج لها دون تأصيلها، ولم يهتموا بنظام الشورى وتحديثه. فإذا كانت النخبة المغتربة من وجهة نظره لم تقم بواجب التأصيل للديمقراطية الوافدة، فقد رفض “بنكيران” الديمقراطية على النمط الغربي لأنها “لا تصلح لنا ولن يصلح لنا إلا نظام الشورى الإسلامي مع الاستفادة في تقنينه من كل إبداع إنساني بما في ذلك النظام الديمقراطي الغربي” (35).
وهكذا قبل “بنكيران” وجماعته الديمقراطية فقط كأسلوب وتقنية وتقنين، حيث يمكن “الاستفادة من مضمون الديمقراطية لتنظيم الشورى وجعلها تقنيات يتعامل بها” (36)، أي أن ضرورات الواقع في التعامل مع الدولة المغربية والانفتاح على الأحزاب السياسية، ورغبة “الجماعة” الدائمة آنذاك في تأسيس حزب سياسي، كل هذه الاعتبارات غيرت تدريجيا نظرتها إلى الديمقراطية، وشرعت في التفاعل معها على الأقل من وجهة براغماتية، والتمييز بين مضمونها وتقنياتها، فكان القبول بأساليبها ورفض مضامينها. وكان هذا هو الخطاب الطاغي على غالبية تصريحات قادة الجماعة فيما بين سنتي 90 و96.
وحتى عندما تسلم “محمد يتيم” قيادة “الإصلاح والتجديد” سنة 1994 أكد مسألة التمييز بين الديمقراطية كآلية وبين مضمونها، فهوا لا يرى مانعا من “الأخذ بالديمقراطية جهازا وآلية لتداول الرأي والسلطة ضررا خاصة إذا أضيفت إليها القيم الإسلامية.. (37)”.
ومن آثار هذا الاصطدام مع مفهوم الديمقراطية الغربي أنْ خلف ارتباكا واضحا في الجهاز المفاهمي لدى قادة “الجماعة الإسلامية” وفي مقدمتهم “بنكيران”، الذي التبست عليه الأمور كثيرا إلى درجة جعلته غير قادر على بلورة تصور واضح عن الديمقراطية، فكان في تصريحاته التي رصدناها ما بين سنة 90 و96 يخلط بشكل بيّن بين الديمقراطية والشورى، فهو يقول “بالشورى ويقبل أيضا بالديمقراطية ويريد أن يكون وفيا لها.. (38)”.
لقد طغت قضية التوفيق بين الديمقراطية والشورى على فكر الإسلاميين زمنا طويلا، واستعملوا كل آليات “الفقه” و”علم الأصول” من أجل التأصيل للديمقراطية في الإسلام، ويمكن أن نستشف هذا النزوح التوفيقي في الكثير من المقالات التي نشرتها الراية ما بين سنتي 90 و96، وبالخصوص مقالات “المقرئ أبو زيد” وسعد الدين العثماني”، هذا الأخير أفرد مجموعة من المقالات التأصيلية للشورى (39).
ممارسة ديمقراطية تنظيمية
في هذه الفترة التي نتحدث عنها، كثف إسلاميو “الجماعة الإسلامية” من نشر مقالات القيادي في حركة النهضة بتونس “راشد الغنوشي”، لأنه يعتبر من أكثر الشخصيات الإسلامية عمقا في الكتابة حول حقوق الإنسان والحريات العامة والديمقراطية، وأسبقهم تنظيرا في هذه المجالات، إلى جانب مفكرين إسلاميين آخرين من أمثال “حسن الترابي” من السودان.
ونشرت “الراية” مقالا هاما لـ”الغنوشي” بعنوان “الإسلاميون والخيار الديمقراطي”، وكان حافلا بنصائح عديدة للحركة الإسلامية وكيفية تعاملها مع المفاهيم الجديدة الوافدة من العالم الغربي، ففي هذا المقال ينصح “الغنوشي” إخوانه الإسلاميين في العالم بأنه ينبغي ـ كأولوية ـ أن يتمحور “الخطاب السياسي حول المطلب الديمقراطي لدى الاتجاهات الإسلامية والقومية” (40). ويرى بأن الديمقراطية تحتاج إلى أرضية إجماع ثقافي وحضاري حول خيار مجتمعي، والإسلام هو المكون الأساسي لهذا الإجماع، حيث يصبح تسليم الأطراف الأساسية بمرجعيته العليا عاملا مهما جدا في عملية التحول الديمقراطي واستقرار الحكم.. بل يؤكد “الغنوشي” أن “الديمقراطية ليست أداة للوصول إلى الحكم الإسلامي وإنما تقدم إطارا جيدا للدعوة والمشاركة وإنضاج البديل الإسلامي” (41)، داعيا الإسلاميين إلى تأصيل موقف واضح وإيجابي من الديمقراطية، وأن يهتموا بالمجتمع أكثر من الدولة، وبالتربية والإعلام والاقتصاد أكثر من السياسة والقانون، كما ينصح الإسلاميين برفع شعار الحرية وحقوق الإنسان مدخلا أنسب للتغيير من شعار الشريعة..
ومن أجل بلورة تصور توفيقي وتأصيلي لمفهوم الديمقراطية في الإسلام، وأمام الضبابية التي كانت سائدة لدى تصور الإسلاميين بخصوص الديمقراطية، اضطر “الغنوشي” إلى إصدار كتاب “الحريات العامة في الدولة الإسلامية” (42)، وهو أول كتاب يصدر عن مركز دراسات الوحدة العربية ويكون مؤلفه إسلاميا. وهو عبارة عن محاولة لتأصيل مفهوم الحريات وحقوق الإنسان والدولة والديمقراطية من الوجهة الإسلامية، وكان الإسلاميون في أمس الحاجة إلى مثل هذا الكتاب، خصوصا في هذه الفترة التي نخصها بالبحث.. وتجدر الإشارة إلى أن “الغنوشي” كان له تأثير واضح على فكر “الجماعة الإسلامية”، حتى بات مرجعا لهم في الفكر السياسي، وقد ساعدتهم تجربة “النهضة” كثيرا في تشكيل فكر شوري وتطوير ممارسة ديمقراطية على أرض الواقع.
وعند بلوغ سنة 1996، لوحظ ازدياد منسوب الحديث عن الديمقراطية، خصوصا بعد الانضمام إلى حزب “عبد الكريم الخطيب”، وأصبحت الحاجة ضرورية لدى إخوان “بنكيران” إلى ترشيد ممارستهم الديمقراطية، وتحديد موقف واضح من قضية الديمقراطية كما عبر عن ذلك “محمد يتيم”، وهو وقتها رئيس “الإصلاح والتجديد”، إضافة إلى اتخاذهم موقف إيجابي من التعددية، لكن دائما ضمن “احترام مقومات الأمة وهويتها الدينية والحضارية” (43).
ومارست هذه الحركة “الديمقراطية” في اختيار قادتها، وكانت وقتها متقدمة على باقي الجماعات الدينية الأخرى العاملة في الميدان، ففي سنة 1985 اختير “بنكيران” على رأس الجماعة، وفي سنة 1994 أجريت انتخابات داخلية أفرزت “محمد يتيم” رئيسا إلى غاية 1996، وهي السنة ذاتها التي انتخب فيها “أحمد الريسوني” على رأس “التوحيد والإصلاح”، وبعدها تم تغيير قيادة الحركة وتولَّى رئاستها على التوالي كل من المهندس “محمد الحمداوي” وحاليا المهندس “عبد الرحيم شيخي”..
ويحكي “محمد يتيم” عن هذه الممارسة الديمقراطية داخل حركته بأنها تستعيض عن “ترشيح الذات بالترشيح الجماعي، فالجموع العامة هي التي ترشح، ثم بأسلوب الجرح والتعديل، وهو أسلوب يمكن من التعرف على مؤهلات الأشخاص المرشحين والترجيح بينهم، بعد مداولات مطولة يتقدم فيها الأشخاص الأكثر معرفة بالمرشحين ببيان الصفات التي تؤهل أو تمنع هذا الشخص أو ذاك لتولي المسؤولية أو عدم توليها، وهو ما يمكن المندوبين في تصويت سري من اختيار واع ومسؤول، وبعيدا عن التكتلات الفكرية والمواقف المسبقة المبيتة” (44).
خلاصة بحثية:
ما يمكن استخلاصه في نهاية هذا البحث هو رصدنا بشكل تطبيقي تفاعل إحدى الجماعات الإسلامية المغربية مع الديمقراطية، وكيف تم رفضها في بداية الأمر، ثم القبول بها تدريجيا واعتبارها وسيلة للوصول إلى الحكم، بعد إخضاعها لعمليات الملاءمة مع ما يعرف بالشورى الإسلامية وتجزيئها إلى شكل ومضمون. ولا يمكن أبدا الاعتراف بالديمقراطية عند هذه الجماعة إلا وهي مرتبطة بالإسلام وخاضعة لشرعه وحكمه (45)، كما تم رصد التخبط والتناقض في تصريحات زعيمها عبد الإله بنكيران حول الديمقراطية وتلبسها بمفهوم الشورى عنده.
أما من حيث الممارسة والتطبيق، فيتم التعامل مع الديمقراطية على أنها أجهزة ووسائل وتقنيات لا بد منها لتدبير الاختلاف، خصوصا على المستوى التنظيمي وإفراز القيادات. ولقد وقفنا في هذا البحث من مسار حركة “التوحيد والإصلاح إلى غاية سنة 1996، مما يقتضي إنجاز بحث آخر يغطي ما تبقى من عمر هذه الحركة، لأنها استطاعت بالفعل تأسيس ذراع سياسي لها هو “العدالة والتنمية”، الذي كون فريقا برلمانيا، وحاز على الأغلبية في استحقاقين انتخابيين 2011 و2016، وهو الآن يقود الحكومة المغربية في ولايتين، مما يستدعي مستقبلا تقييم هذه التجربة على مستوى الخطاب والممارسة الديمقراطية..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تأسست جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928 بمصر على يد “حسن البنا”.
2 ـ أعتقد أن “الإسلام السياسي” لا يرتبط فقط بالجماعات الدينية التي تقبل بالمشاركة السياسية في وقتنا الحاضر وإنما له امتداد تاريخي يشمل ـ في نظرنا ـ كل التوظيف التي طال الدين الإسلامي من أجل تشكيل جماعة أو دولة أو حزب أو كيان سياسي، ابتداء من عهد الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا.. لكننا في هذا البحث نجعل “الإسلام السياسي” يقتصر فقط على الجماعات الإسلامية التي تسعى إلى إقامة الدين على مستوى الدولة من خلال السبيل الديمقراطي والمشاركة السياسية..
3 ـ انظر على سبيل المثال كتاب “نظرات في السياسة الشرعية: الشورى المفترى عليها والديمقراطية” للشيخ المغربي “محمد الفزازي”. وقد تراجع فيما بعد عن نظرته التكفيرية للديمقراطية وأعلن عن رغبته في المشاركة السياسية. وفي نظرنا تدخل الجماعات السلفية الجهادية في مفهوم “الإسلام السياسي” لأنها تريد إقامة دولة الإسلام بواسطة “الجهاد” ولا تقتنع بالديمقراطية كسبيل لذلك..
4ـ يعتقد الإسلاميون أن الديمقراطية الغربية تقوم على الفلسفة المادية وعلى قيم الربح واللذة والكبرياء.. لذلك وجب تحريرها وإشباعها بالقيم الإسلامية على اعتبار أن الديمقراطية شكل ومضمون.. يمكن مراجعة كتاب راشد الغنوشي: “الحريات العامة في الدولة الإسلامية”.
5 ـ لا بد من الإشارة إلى أن الفترة التي نتحدث عنها في هذا البحث (90 ـ 96) هي ما قبل الوحدة بين “الإصلاح والتجديد” و”رابطة المستقبل الإسلامي”، وحينها كانت تسمى بـ”الجماعة الإسلامية (81 ـ 92) ثم سميت بـ”الإصلاح والتجديد” (92 ـ 96). وبعد سنة 1996 بدأت تحمل اسم “التوحيد والإصلاح”.. ونرى أن نستعمل في هذه الورقة “جماعة بنكيران” كتعبير يسري على الفترة التي نتحدث عنها مادام لا يوجد اسم واحد لهذه الجماعة..
6 ـ هناك في أدبيات الحركة ورقة اسمها “الرؤية السياسية” على شاكلة “الرؤية الدعوية” و”الرؤية الفنية”.. وقد أصدرت حركة التوحيد والإصلاح رؤيتها السياسية سنة 2003..
7 ـ “الراية” أصدرتها “الجماعة الإسلامية” ثم “الإصلاح والتجديد” ثم “التوحيد والإصلاح”. وأصبحت تحمل اسم “التجديد” بعد سنة 2001.
8 ـ أعلن عن ميلاد رابطة المستقبل الإسلامي بتاريخ 4 ابريل 1994 وترأسها “احمد الريسوني”، الرئيس الحالي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وضمت في مكتبها التنفيذي كل من “أحمد العماري” و”عبد الناصر التجاني” و”محمد الروكي” و”رضوان بنشقرون” و”فريد الأنصاري” وغيرهم..
9 ـ تقدمت “الجماعة الإسلامية” بتاريخ 4 ماي 1992 إلى السلطات المغربية من أجل تأسيس حزب سياسي اسمه “التجديد الوطني” وتم رفض الطلب وقتها عندما كان الراحل “ادريس البصري” وزيرا للداخلية.. ومن بين أعضاء لجنته التنفيذية: بنكيران، وعبد الله بها، وسعد الدين العثماني، ومحمد عزالدين توفيق، ومحمد يتيم، واحمد عبادي..
10 ـ انعقد المؤتمر الاستثنائي لحزب “الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية” يوم 2 غشت 96 وانضم إليه بشكل رسمي أعضاء من “التوحيد والإصلاح” وهم “عبد الإله بنكيران” والراحل “عبد الله بها” و”سعد الدين العثماني” و”لحسن الداودي”..
11 ـ اعتمدنا في إنجاز هذا البحث على التنقيب في 224 عددا من “الراية”..
12 ـ من قبيل مجلة “المستقلة” و”فلسطين المسلمة” و”المجلية المغربية” و”الوسط” وغيرها..
13 ـ تأسيس الشبيبة الإسلامية كان سنة 1972 من خلال وضع ملف لدى السلطات المغربية. أما نشاطها الفعلي فيعود إلى أواسط الستينات..
14 ـ المصدر: كتاب “عشر سنوات من التوحيد والإصلاح: البناء والكسب، التطلعات والتحديات”. الطبعة الأولى نونبر 2006. طوب بريس..
15 ـ “عشر سنوات من التوحيد والإصلاح: البناء والكسب ، التطلعات والتحديات”. الطبعة الأولى نونبر 2006. طوب بريس.
16 ـ “عشر سنوات من التوحيد والإصلاح: البناء والكسب ، التطلعات والتحديات”. الطبعة الأولى نونبر 2006. طوب بريس.
17 ـ الجهاد الجزائري والأفغاني ومناصرة قضية كشمير والبوسنة والهرسك.. انظر الراية من سنة 90 إلى سنة 96.
18 ـ الراية عدد 3 بتاريخ 14 شتنبر 1990، وقد شارك في هذه الجامعة كل من “راشد الغنوشي (تونس) و”محفوظ نحناح” (الجزائر) و”مصطفى مشهور” (مصر) ومن المغرب “عبد الله بها” و”بنكيران” و”أحمد عبادي” (الرئيس الحالي للرابطة المحمدية للعلماء) و”مصطفى بنحمزة” (رئيس المجلس العلمي للوجدة وعضو المجلس العلمي الأعلى). واستقبل الراحل الحسن الثاني حينها كل هذه القيادات الممثلة للإسلام السياسي في العالم..
19 ـ العدد 45 وأعيد نشره في الراية عدد 36 بتاريخ 29 دجنبر 1992.
20 ـ تصريحات بنكيران الإعلامية وهو يعترف فيها بتأثره بكتاب “معالم في الطريق” للسيد قطب..
21 ـ شهر يونيو من سنة 1992 وأعادت نشره الراية يوم 20 يوليوز 1992.
22 ـ انظر افتتاحية كتبها “بنكيران” على صفحة الراية عدد 48 بتاريخ 8 يونيو 93.
23 ـ افتتاحية مؤرخة في 19 دجنبر 95 بعنوان “مناسبة للمراجعة”، وكانت المناسبة فك الحصار عن الراحل الشيخ “عبد السلام ياسين” مرشد جماعة العدل والإحسان.
24 ـ الافتتاحية نفسها.
25 ـ كلمة ألقاها بنكيران بمناسبة انعقاد المؤتمر الاستثنائي للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية يوم 2 غشت 96..
26 ـ نسخة قديمة من الميثاق يتوفر عليها الكاتب.
27 ـ الراية عدد 4 بتاريخ 29 نونبر 1990.
28 ـ افتتاحية العدد 15 من الراية منشور بتاريخ 10 فبراير 1992. عنوانها “هل تحل الديمقراطية صراع الاسلام والعلمانية”.
29 ـ افتتاحية الراية عدد 14 منشورة بتاريخ 24 يناير 1990. هذه الافتتاحية كانت بمثابة رد فعل على الانقلاب الذي عرفته الجزائر على الاختيار الديمقراطي عندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ وقتها في الانتخابات.
30 ـ نسخة من القانون الأساسي لحزب “التجديد الوطني” منشورة في الراية عدد 23 فاتح يونيو 1992.
31 ـ بيان منشور في العدد الصادر من “الراية” يوم 31 يوليوز 94.
32 ـ المستقلة عدد 66. التاريخ 14 غشت 95.
33 ـ يستندون في ذلك إلى القرآن الكريم الذي يعتبر الفئة المؤمنة دائما تكون قلة.. مثل قوله تعالى: “وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين” (يوسف:103).
34 ـ ندوة “الإسلام والغرب: شروط الحوار” نظمت بغرناطة في شهر فبراير 1993.
35 ـ انظر العدد 59 من الراية.
36 ـ جريدة “النبأ الجزائرية” (العدد 146 بتاريخ 21 مارس 94)، وكانت قد وجهت سؤالا لـ”بنكيران”، رئيس “الإصلاح والتجديد” وقتها، حول الديمقراطية في الإسلام.
37 ـ في حوار له مع جريدة “مغرب اليوم” العدد الخامس من الجريدة وقد أعادت نشرته الراية في عددها 192 بتاريخ 16 ابريل 96.
38 ـ حواره مع “المجلة المغربية” عدد 4 بتاريخ 3 نونبر 1992.
39 ـ يمكن مراجعة سلسة من المقالات نشرها سعد الدين العثماني ومحمد يتيم في الراية سنة 1994.
40 ـ الراية عدد 69 بتاريخ 9 نونبر 93.
41 ـ الراية عدد 69 بتاريخ 9 نونبر 93.
42 ـ الطبعة الأولى بيروت 1993.
43 ـ أجرت جريدة “مغرب اليوم” حوارا في عددها الخامس مع “محمد يتيم” نشرته الراية في عددها 192 بتاريخ 16 ابريل 96 وقد تحدث بشكل واضح عن الديمقراطية..
44 ـ “مغرب اليوم” العدد الخامس.
45 ـ إلى غاية سنة 2003 ما زالت “التوحيد والإصلاح” تنطلق من “أن الديمقراطية الغربية ليست نموذجا لنا، خاصة ما يتعلق منها بالجانب الفلسلفي المرتبط بالقيم الفلسفية المادية اليبرالية المؤلهة للإنسان. إن الديمقراطية عندنا تتحول إلى صيغ وأشكال لممارسة الشورى. وذلك يعني الرجوع إلى الآمة وإقرار سيادتها في إطار لا يتعارض مع الأحكام الشرعية”. صفحة 36 الرؤية السياسية شتنبر 2003.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=5968