ذ. محمد جناي
في سياق حالات الطوارئ يمكن للشائعات أن تكون مسألة حياة أو موت، فربما تخلق الشائعات حالة من المعاناة أو الغضب، أو تثير سلوكيات مدمرة أو ردود أفعال عنيفة، وعادة ما نتجاهل تلك الشائعات ، أو ربما نظل على جهل بها وبمخاطرها المحتملة حتى نجد أنفسنا مضطرين للتعامل مع مغباتها.
تعرف الشائعة على أنها معلومة غير متحقق من صحتها تتناقل من شخص لآخر ، وغالبا مايكون لكلمة شائعة دلالات سلبية ويغض الطرف عنها نظرا لأنها مجرد ثرثرة أو قيل وقال ، بيد أن الشائعات ليست في جوهرها سيئة أم جيدة، ولاصحيحة أم خاطئة أو مزيجا من كليهما.
الإشاعات التي تتخذ من موضوع جائحة كورونا (كوفيد 19) أكثر من أن تُحصى. منها ما تظهر في صور علمية رزينة، ومنها ما تتخفى في صيغة نظرية المؤامرة، والقوى المتخفية التي تحكم العالم من وراء الستار؛ ومنها من تلبس ثوب المظلومية غير ذلك كثير ، والإشاعة عادة تنتشر بفعل توفر عاملين أساسيين ، يتمثل الأول في الغموض الذي يلف بالموضوع الذي تتمحور حوله الإشاعة وهذا ينطق على فيروس كورونا، ويتجسد الثاني في أهمية الموضوع بالنسبة إلى البيئة التي تنتشر فيها الإشاعات. وتتوقف مساحة دائرة الإشاعة على نوعية الوسط الاجتماعي الذي يتفاعل معها، ويساهم في إنتشارها، فهناك إشاعات على مستوى المجتمع المحلي، وأخرى على المستوى الوطني ، وهناك إشاعات على المستوى الكوني؛ وهي سمة يتميز بها عصرنا الراهن نتيجة العولمة، وتطور وسائط التواصل الاجتماعي ووسائل النقل، وسهولة السفر.
ومعروف أن الإسلام له موقف صارم من مطلقي الشائعات وسماهم القرآن الكريم بالمرجفين، وقد حرم الإسلام الإرجاف والتسبب في الاضطرابات الشديدة، والخوض في الأخبار الكاذبة والمضللة، كما تعامل بشدة في هذا الموضوع حيث حذرنا الله تبارك وتعالى من هذا السلوك المذموم ونهانا عنه أشد النهي وما ذلك إلا لعظم قُبح الإشاعة وكثرة أخطارها على مستوى الفرد والمجتمع سواء ، يقول الله سبحانه وتعالى : { اِذْ تَلَقَّوْنَهُۥ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِۦ عِلْمٞ وَتَحْسِبُونَهُۥ هَيِّناٗ وَهُوَ عِندَ اَ۬للَّهِ عَظِيمٞۖ } (15) { وَلَوْلَآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَٰنَكَ هَٰذَا بُهْتَٰنٌ عَظِيمٞۖ }(16){ يَعِظُكُمُ اُ۬للَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِۦٓ أَبَداً اِن كُنتُم مُّومِنِينَۖ} (17){ وَيُبَيِّنُ اُ۬للَّهُ لَكُمُ اُ۬لَايَٰتِۖ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌۖ} (18) . سورة النور
ومساهمة المؤسسة الدينية في مواجهة الجائحة، الذي يهدد الصحة العمومية، لا يتوقف على هذه التوجيهات الربانية ، بل يمتد للوساطة بين وزارة الصحة والمجتمع، وذلك بأن يكون العلماء والوعاظ والمرشدين في طليعة من يقنعون المجتمع بضرورة الاستجابة الفورية لتوجيهات قانون الطوارئ الصحية والانضباط لها ، ومواجهة خطاب التشكيك الذي يحاول البحث في الدوافع السياسية وراء المرض، ويضعف بذلك جاهزية المجتمع للاستجابة لقرارات الدولة الصحية .
وتنقسم الشائعات إلى مجموعتين تبعا لنية الأفراد أو الجهات الذين يروجونها وهما :
*المعلومات الخاطئة وهي معلومات غير صحيحة يروجها الأفراد دون عقد النية على الخداع ،على سبيل المثال ترويج شائعة من قبيل سوء الفهم.
*المعلومات المضللة هي معلومات يتم ترويجها لغرض تضليل أناس آخرين أو الرأي العام أو التحايل عليهم ،ويتمثل أحد الأمثلة على هذا النوع من المعلومات في الأخبار الكاذبة حيث تروج فيها معلومات مضللة تحت ستار الأخبار في أغلب الأحيان لتحقيق مكاسب سياسي أو اقتصادي.
ولاتخرج أي شائعة عن دائرة هاتين المجموعتين عندما تروج في أوساط أي مجتمع، ورغم أنه قد تختلف الوسائل والدوافع وراء إطلاق شائعة ما، فإن لها التأثير عينه ،حيث إنها تعيق قدرة الفرد على اتخاذ قرارات مستنيرة فيما يتعلق بمستقبله ، ومن الممكن أن يكون لهذه القرارات المبنية على معلومات غير متحقق من صحتها مغبات وخيمة.
ونجد منظمة الصحة العالمية ، وفي بداية تفشي فيروس كورونا ،قامت بتعزيز رقابتها على الشائعات، وتضمنت عملية الرقابة هذه التحقيق في التقارير غير الرسمية الصادرة عن المرض والتحقق من صحتها،وخلص البحث الذي أجروه إلى أن غالبية الشائعات ترددت في الأسابيع القليلة الأولى من تحذير المنظمة، عندما أثيرت الكثير من المخاوف والبلبلة حول الفيروس، فانخفظت درجة عدم اليقين وقل عدد الشائعات المتداولة.
لا يمكن ولا ينبغي أن يتم تجاهل الشائعات باعتبارها ليست سوى ثرثرة حول الشؤون المحلية والوطنية ، حيث إن لها تأثير كبير على المجتمعات الإنسانية ،فلديها القدرة على تدمير كل مانسعى جاهدين على تحقيقه كجهات عاملة في المجال الإنساني ، حيث قد تتسبب في تعطيل البرامج وإحداث حالة من الارتباك لدى الأفراد والمجتمعات في الوقت الذي يواجهون فيه قرارات مصيرية قد تكون لها عواقب كارثية.
ومنذ تسجيل المملكة المغربية أول الإصابات بفيروس كورونا، وإقرار حكومة السيد سعد الدين العثماني إجراءات الحجر الصحّي للوقاية من هذه الجائحة ، انتشرت إشاعات متعلقة بـ “كوفيد- 19” وتداولها المغاربة فيما بينهم على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فانتشر بعضها كانتشار النار في الهشيم، وكان له أثر في حياة الناس وسلوكياتهم، ولعلّ أبرزها تلك المتعلّقة بنقص في المواد الغذائية الأساسية بسبب انتشار الفيروس، حيث اضطرت الوزارة الوصية ، إلى تكذيبها .
والتعاطي مع الإشاعات اليومية على مواقع التواصل الإجتماعي، ليس بجديد على الشعب المغربي، إلا أن تأثيرها ازداد خلال فترة انتشار الوباء وإقرار إجراءات الوقاية، حيث يتزايد الطلب على المعلومة والبحث عن المستجدّات من أيّ مصدر كانت، حيث تطالعك منشورات تؤكد أن فيروس كورونا المستجد “مؤامرة أمريكية “، وأن كوفيد-19 “فيروس غير قاتل” يمكن معالجته باستخدام الثوم والمكملات الغذائية ، وأن فصل الصيف يقضي عليه… وغيرها من الأخبار الكاذبة التي تعمل الجهات الرسمية الموثوقة على دحضها.
وعلى ذكر الجهات الرسمية نجدها تعتبر الإشاعة وخاصة تلك المرتبطة بالوباء، هي سلاح مدمر لمواجهة كيان الدولة واستمالة الشعوب عن طريق التنويم والتغليط، ومحاولة إقناعهم بأن الدولة (المقصود بها السلطة) أصبحت عاجزة عن حماية المواطن، ومن ثَمّ فقد تخلت عن إحدى وظائفها التقليدية.
بدورها، حذّرت وزارة الداخلية ، في العديد من البيانات، خلال الأيام الأولى من تفشي الوباء ، المواطنين من نقل الشائعات وتداولها وإعادة نشرها كونها تثير الهلع والخوف لدى أبناء المجتمع، مشيرةً إلى أنها ستقوم بتفعيل مسطرة المتابعة القضائية في حق كل من يقوم بنشر أو إعادة نشر أو تداول الأخبار غير الصحيحة والشائعات التي تؤثر على الأمن المجتمعي وتثير الهلع بين المواطنين، ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم. وطالبت المواطنين بعدم نشر أية أخبار غير موثوقة وغير صادرة عن المصادر الرسمية الموثوقة، تجنباً للمساءلة القانونية.
الخلاصة تقول: الآن نحن أمام اختبار حقيقي فى أزمة فيروس كورونا، وما يصاحبها من شائعات.. إذن لابد أن نتكاتف جميعاً، حيث إن التوعية ثم التوعية ثم التوعية هي الحل، فلا يجب ألا تكتفي الوزرات بإصدار بيانات توضيحية، ولا يجب أن نقف نحن كمواطنين أيضًا فى دور المشاهد فقط، ومعرفة المعلومة من مصدرها الرسمي والالتزام بالقرارات الحكومية وعدم الانسياق خلف أكاذيب “بعض المواقع في شبكات التواصل الاجتماعي”.. علينا أن نعي بأن الانتماء الحقيقي ومواجهة المخاطر التى تهدد سلامتنا وسلامة أبناءنا لا يأتى بالخطب ولا بالشعارات الجوفاء، وإنما هو سلوك فعلي.
Source : https://dinpresse.net/?p=10388