الشيخ الصادق العثماني – أمين عام رابطة علماء المسلمين بأمريكا اللاتينية
تواجه الدول العربية والإسلامية في العصر الحديث تحديات متعددة، من أبرزها تنامي الأيديولوجيات المتطرفة التي تهدد استقرارها الداخلي ووحدتها الوطنية؛ ولا تقتصر خطورة هذه الأيديولوجيات على الجانب الأمني فقط، بل تمتد لتشمل الجوانب الفكرية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والدينية مما يجعلها أحد أبرز مصادر التهديد للأمن القومي في هذه الدول، علما ان الأيديولوجيات المتطرفة تدخل فيها الأييديولوجيات الشيوعية والالحادية والدينية واليسارية واليمينية؛ وهي منظومات فكرية تتبنى مفاهيم متشددة ومتطرفة تقوم على الإقصاء والكراهية والعنف والتمييز، وترفض التعددية الفكرية والدينية والسياسية..
وغالبًا ما تُستخدم هذه الأيديولوجيات كأدوات لتبرير العنف المسلح، والانقلابات، والتمردات على الأنظمة الحاكمة، بحجة تصحيح أوضاع دينية أو سياسية أو اجتماعية أو فكرية معينة؛ لكن عندما نقف على حقيقة هذه الأيديولوجيات وما تدعيه وترفعه من شعارات إنسانية براقة نجد هدفها الأساسي والجوهري هو الوصول إلى سدة الحكم والسيطرة على مؤسسات الدولة المستهدفة !
فهذه الأيديولوجات يعود أثرها بالسلب على الأمن القومي العربي والإسلامي؛ بحيث تساهم في زعزعة الاستقرار الداخلي، عن طريق نشر العنف والكراهية والعنصرية بين أبناء الوطن الواحد، ما يؤدي إلى تدهور الأمن وزرع الخوف في المجتمع، بالإضافة إلى إضعاف مؤسسات الدولة وتقويض سلطتها ومؤسساتها بنشر الأكاذيب عليها وخصوصا المؤسسات الحساسة في الدولة، كمؤسسات الجيش، والشرطة، والقضاء، مما يضعف سيادتها ويخلق فراغات أمنية تستغلها هذه الجماعات العدمية المتطرفة.
لهذا تلجأ في مخططاتها إلى تأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية، ما يؤدي إلى تفكك المجتمعات وزيادة الانقسامات الداخلية.
كما تؤدي هذه الصراعات الداخلية إلى عزوف الاستثمارات، وهروب رؤوس الأموال، وتدمير البنية التحتية، ما يفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية؛ وتزداد خطورة هذه الجماعات هي عندما تعتمد على الدين الإسلامي لتبرير أفعالها الإجرامية، مما يساهم في انتشار الإسلاموفوبيا في العالم، ويضر بمكانة المسلمين عالميًا.
ولهذا يمكن للدول العربية والإسلامية مواجهة خطورة هذه الأيديولوجيات التي أصبحت تتناسل في بلاد العالم العربي والإسلامي من خلال عدة محاور منها:
– المعالجات الأمنية والعسكرية: عبر ملاحقة التنظيمات المتطرفة وضرب معاقلها.
– المعالجات الفكرية والدينية: عبر نشر الفكر الوسطي وتعزيز الخطاب الديني المعتدل من خلال المؤسسات الدينية الرسمية، مع تجديد الحقل الديني وعقلنته وتشبيبه .
-المعالجات التنموية والاجتماعية: عبر محاربة الفقر والبطالة، وهما من أهم أسباب تجنيد الشباب في صفوف الجماعات المتطرفة.
وختاما، يمثل خطر الأيديولوجيات المتطرفة تحديًا حقيقيًا للأمن القومي العربي والإسلامي، ولا يمكن التصدي له إلا عبر استراتيجية شاملة تمزج بين الأمني والفكري والتنموي. فالمعركة ضد التطرف ليست فقط بالسلاح، بل بالفكر والعلم والفلسفة والتنمية.