خطبة الجمعة: احترام اختيارات الأمة والقوانين المنظمة للحياة
من وجهة نظري ومن زاوية منصت للخطبة، فلست بخطيب جمعة ولا واعظ، فخطبة (الجمعة الأخير) كانت موفقة وسديدة ولها صميم صلة بواقع الناس وحياتهم اليومية.. وإن كانت لم توفق -إلى حد ما- في لغتها وخطابها بحكم إيغالها في المصطلحات النظرية التي لا يمكن فهمها إلا من ذوي الاختصاص والمتمكنين..
أما من حيث الموضوع فلها إيجابيات منها:
– كونها ستساهم في سد تلك الفجوة النفسية القائمة في نفس المواطن المسلم بين ما يعتقده إيمانا ودينا باسم الدين، وما يمارسه واقعا يوميا وحياتيا باسم القانون، حيث يشعر دائما أو غالبا أنه يعيش نوعا من الفصام النفسي بين إيمانه وقوانينه، وذلك بسبب بعض الخطابات المتشددة التي تزعم لنفسها حراسة الدين والوصاية على إيمان الناس والغيرة على أحكام الشريعة، حيث تطعن في كل القوانين المعمول بها سرا وجهرا في منابرها بدعوى منافاتها الكاملة والمطلقة -هكذا- لأحكام الشريعة الإسلامية وابتعادها الكلي عن أصول الدين !! مع أنها تحتكم إلى نفس تلك القوانين -بحكم خضوعها لها – في سائر معاملاتها الشخصية والمالية والقضائية والتجارية والخدماتية، بمعنى آخر فهي “تسب الملة وتستفيد من الغلة” !!!
– إن أصول القوانين الوضعية وقواعدها العامة بل وحتى تفاصيلها الجزئية في فصولها وموادها تروم في غاياتها ومقاصدها العامة حفظ الحقوق العامة والخاصة ودفع المظالم وإنصاف المظلومين وردع الظالمين وتأمين الممتلكات وصيانة الحرمات وصن الأبضاع وحفظ الأنساب وتنظيم العاملات وزجر الغش ومحاربة الفساد في المرافق التي تقدم الخدمات للناس وغيرها من المقاصد العظمى… التي هي ذات المقاصد المعمول بها والمعتبرة في أحكام الشريعة الإسلامية السمحة، بل وحتى في بعض تفاصيلها الجزئية كما هي مقررة في المذاهب الفقيهة الإسلامية المعتبرة والتي تتلاءم والوقت الراهن، وإن كان بعضها صيغ وفقا لزمانه ومكانه وحسب أحوال أهله المعيشية وطبائعهم المعاملاتية وفق قاعدة “إن الأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما”..
– إن كثيرا من القوانين الجاري بها العمل في حياة الناس اليوم إنما تؤطر منطقة المصالح المرسلة ومنطقة العفو التي يرد في شأنها نصوص قطعية الورود أو قطعية الدلالة أو هما معا، أي أنها داخلة في مساحة الاجتهاد المشمولة بالأجر في جميع الأحوال “أجران” عند الإصاة و”أجر واحد” عند الخطأ كما هو مقرر في حديث النبي عليه الصلاة والسلام.. وبالتالي فإنكار جميع القوانين الوضعية المعمول في بلاد المسلمين ووسمها بالضلالة.. إنما هو تنطع وغلو في الدين يؤدي إلى إيقاع الناس في العنت وإشعارهم بالحرج المستديم !!
– إن خطبة اليوم إذن بهذا المسلك الذي تدعو فيه إلى احترام القوانين والالتزام بها تريد أن يتمثل المواطن المسلم بهذه المصالحة بين ما هو “قانون” وما هو “دين”، وأن يعتبر نفسه مأجورا حين امتثاله لقوانين بلده التي تعاقد بها مع الجميع تماما مثلما يؤجر بصلاته وزكاته وحجه وصيامه؛ لأنه ترسخ في أذهان المسلمين أن معاملاتهم التجارية والكرائية والصناعية والفلاحية ونحوها التي ينظمها القانون لا أجر لهم حين تطبيقها والعمل بها كما أنه لا وزر عليهم حين انتهاكها والخروج عن قواعدها طالما أنها غير مؤطرة ب”قال الله تعالى” أو “قال الرسول صلى الله عليه وسلم” !!
ـــــــــــــ
من صفحة الكاتب على فيسبوك
التعليقات