29 يوليو 2025 / 11:53

خبير فرنسي في الدراسات الاستراتيجية: جيوسياسة الترهيب تهيمن على العلاقات الدولية

رشيد المباركي. دين بريس

يرى فريديريك شاريون، أستاذ العلوم السياسية والمؤسس المشارك لمعهد البحث الاستراتيجي في المدرسة العسكرية، أن العالم يمر من مرحلة حرجة عنوانها عودة الخطابات والسلوكيات العنيفة على الساحة الدولية، والتي تطغى على ديناميات التعاون والتوافق، معتبرا أن الترهيب يُعد فعلا عقلانيا يدخل ضمن منطق توجيهي، ويهدف إلى التأثير دون بالضرورة إشعال التصعيد، على عكس الاستفزاز. فالترهيب يندرج ضمن منطق الصراع وليس التعاون.

وأضاف شاريون، في العرض الذي أنجزنه منصة “فوتوريبل” الفرنسية، وهي منصة متخصصة في الاستشراف، حسب ما تضمنه كتابه حديث الإصدار، بعنوان في كتابه “الجيوسياسية للترهيب”، أنه يجب التمييز بين ثلاثة أنواع من الترهيب:

– ترهيب القوي: يعتمد على التهديد باستخدام القوة للحفاظ على هيمنته.

– ترهيب الضعيف: يعوّض عن نقص قوته العسكرية بأساليب إزعاج (كالحروب غير المتكافئة وزعزعة الاستقرار الإقليمي)، أو يهدد بالانهيار الداخلي لإجبار الأقوياء على التحرك.

– ترهيب المجنون: وهو ما يزداد ظهورا اليوم، ويعتمد على شخصيات سلطوية، مما يجعل تحليل استراتيجياتهم أمرا معقدا.

كما تناول المؤلف تصاعد التوترات الدولية (أوكرانيا، تايوان، الشرق الأوسط…) واستخدام الترهيب الذي قد يمهد لعودة الحروب بين الدول. ويحلل النزاعات الإقليمية (روسيا، الصين، جنوب شرق آسيا) ولجوء بعض الدول إلى استراتيجية “حافة الهاوية”، حيث التهديد بالتصعيد يصبح وسيلة ضغط في عالم باتت فيه الاعتدال تُفهم كعلامة ضعف.

بخصوص سيناريوهات المستقبل، يستعرض المؤلف عدة سيناريوهات ممكنة لمستقبل النظام العالمي:

– مواجهة مباشرة بين القوى المراجعة والولايات المتحدة.

– تعاون بين القوى الكبرى لإعادة تشكيل المؤسسات الدولية،

– نشوء “عالم بلا أسياد” تستغله دول هامشية لتحقيق مصالحها.

كما يبرز أهمية الرواية والتأثير في استراتيجيات الترهيب، عبر شيطنة الخصوم والتلاعب بالرأي العام، مع استعراض طرق مقاومة الترهيب، مؤكدا أنه غالبا ما تكون الضحايا هي الدول التي تفتقر إلى وسائل الردع، مما يدفع القوى الكبرى لضمان استقلالها الاستراتيجي.

يدعو الكاتب أيضا إلى عدم التقليل من شأن التهديدات، ويقترح العودة إلى استراتيجيات الاحتواء، مع الترويج لخيار ثالث عنوانه “الانخراط”، أي اعتماد مقاربة ليبرالية تقوم على اتفاقات رابحة للطرفين وتشجع التعاون.

وفيما يخص أوروبا، يرى شاريون أنه لم يعد بإمكانها الاعتماد على حليفها التاريخي، الولايات المتحدة، ويجب عليها تطوير سياسة دفاعية حقيقية وثقافة للقوة، وفهم الأبعاد النفسية للترهيب، والتعاون مع الدول والمجتمعات التي ترفض منطق العنف.

وإجمالا، يقدم الكتاب منظورا مهما لفهم التحولات الجارية في العلاقات الدولية من خلال عدسة “استراتيجيات الترهيب”، ويقترح بدائل عقلانية للدول المتوسطة والصغيرة في عالم تزداد فيه الصراعات وتضعف فيه فرص التعاون.