إعداد: محمد الغيث ماء العينين – نائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات
مقدمة
في 31 يوليو 2025، قدّم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره السنوي حول قضية الصحراء المغربية (A/80/290). ورغم أنه تضمن المعطيات المعتادة عن الوضع الميداني والإنساني، فقد حمل هذه المرة إشارة مثيرة للجدل: استشهاد ببيان صادر عما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” – وهو كيان وهمي لم تعترف به الأمم المتحدة في أي مرحلة من تاريخها.
هذا السلوك البيروقراطي يختزل جوهر المفارقة: في الوقت الذي يقف فيه مجلس الأمن على أعتاب تكريس مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي ونهائي للنزاع، لا تزال الأمانة العامة عالقة في منطق تجاوزه التاريخ، تسمح لنفسها باستنساخ بيانات لكيان غير معترف به. وبينما يحدد مجلس الأمن بوضوح أن الحل يجب أن يكون سياسيًا وواقعيًا وعمليًا ومستدامًا، تواصل البيروقراطية الأممية ارتكاب أخطاء تضعف حيادها وتسيء إلى مصداقيتها.
1991–2007: المينورسو ومأزق الوظيفة الأصلية
حين أُنشئت بعثة المينورسو بقرار مجلس الأمن رقم 690 (1991)، كان تكليفها واضحًا: تنظيم استفتاء لتقرير المصير. لكن ما بدا حينها مخرجًا تقنيًا لإنهاء نزاع مسلح سرعان ما تحوّل إلى مأزق حقيقي. فقد تحولت عملية تحديد الهيئة الناخبة إلى مسار معقد أقرب إلى بحث أنثروبولوجي في أنساب القبائل ومعايير الانتماء【مسألة الصحراء وإشكالية الهوية، ص. 23–28】، بدل أن تكون عملية انتخابية واضحة.
هذا التعقيد قاد إلى شلل كامل: توقفت عملية تحديد الهوية، وتعذر المضي في خيار الاستفتاء. ومع ذلك، واصلت الأمانة العامة التمسك بالوظيفة الأصلية للمينورسو، فبقيت البعثة لسنوات رهينة تمديدات تقنية، تؤدي واجبها في مراقبة وقف إطلاق النار دون أن تحقق الغرض الأساسي الذي أُنشئت من أجله.
خلال هذه الفترة، ظهرت مقترحات بديلة غير قابلة للتطبيق مثل خطة بيكر الثانية (2003)، التي حاولت فرض استفتاء مرحلي مفضيًا إلى الاستقلال، فرفضها المغرب رفضًا قاطعًا، أو خيار التقسيم الذي لم يحظَ بأي إجماع دولي. وبذلك، ظل المأزق قائمًا حتى مبادرة المغرب سنة 2007.
2007–2018: مبادرة الحكم الذاتي والخروج من المأزق
في 11 أبريل 2007، قدّم المغرب رسميًا إلى مجلس الأمن مقترح الحكم الذاتي. ومنذ القرار 1754، وصف المجلس المبادرة بأنها جادة وواقعية وذات مصداقية. هذا التوصيف لم يكن مجرد مجاملة، بل كان إعلانًا صريحًا عن أن الاستفتاء لم يعد خيارًا عمليًا.
لكن الأمانة العامة لم تواكب هذا التحول. تقاريرها واصلت لغة غامضة وعمومية، وأحيانًا حاول بعض مبعوثيها إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. هكذا بدأ التباين يزداد وضوحًا بين مجلس الأمن، الذي خطا نحو الحل السياسي الواقعي، والأمانة العامة التي بقيت حبيسة منطق التسعينيات.
2018–2025: من بعثة استفتاء إلى بعثة مواكبة للحل
القرار 2414 (أبريل 2018) شكّل نقطة انعطاف حاسمة. فقد نص لأول مرة على أن الحل يجب أن يكون واقعيًا، عمليًا، مستدامًا، قائمًا على التوافق.
الأهم أن المجلس ألزم الأمين العام بـ مواءمة موارد المينورسو وتفكيرها الاستراتيجي مع هذا الهدف. كان ذلك بمثابة إعلان رسمي عن تغيير وظيفة المينورسو: من بعثة استفتاء إلى بعثة سياسية ترافق مسار الحل الواقعي الممكن – أي الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
ومع ذلك، ظلّت الأمانة العامة مترددة، وأحيانًا متناقضة مع هذا المسار الجديد.
2025: التحول الأطلسي – من اعتراف واشنطن إلى انخراط باريس
ابتداءً من 2020، غيّرت الولايات المتحدة قواعد اللعبة باعترافها بسيادة المغرب على الصحراء. في 2025، انضمت فرنسا إلى هذا التوجه عبر المشاركة في بلورة مشروع Mansaso، أي إعادة هيكلة الآلية الأممية لترافق الحكم الذاتي بدل الاستفتاء. ومع فرنسا، انخرطت بريطانيا أيضًا، ليأخذ الموقف بعدًا أطلسيًا واضحًا.
هكذا، لم يعد الموقف الأمريكي معزولًا، بل صار مرجعية مشتركة داخل مجلس الأمن، مدعومة بثلاث دول دائمة العضوية. النتيجة أن خيار الانفصال صار مطويًا نهائيًا، وأن الشرعية الدولية تترسخ أكثر فأكثر لصالح الحقوق التاريخية للمغرب.
الانحرافات المتكررة للأمانة العامة
لكن عبر العقود، ظهرت حالات حاول فيها بعض الأمناء العامين أو مبعوثيهم أن يتجاوزوا حدودهم:
• جيمس بيكر (2003–2004) حاول فرض مخطط يتعارض مع قرارات مجلس الأمن، فرفضه المغرب وأسقطه.
• كريستوفر روس (2009–2017) تبنّى خطابًا منحازًا، ما أدخل العلاقة مع المغرب في أزمة ثقة انتهت بسحب الرباط تعاونها معه.
• حتى الأمين العام بان كي مون ارتكب سنة 2016 ما وصفته الرباط بـ”زلة لسان” حين استعمل لفظ “الاحتلال”، وهو ما تسبب في أزمة دبلوماسية حادة أجبرته لاحقًا على التراجع.
هذه الأمثلة تؤكد أن الانحراف البيروقراطي عن الحياد المؤسسي لم يبدأ مع غوتيريش، بل هو نمط متكرر عبر العقود، سرعان ما يصطدم بقرارات مجلس الأمن ويُجبر على التراجع.
الرؤية الملكية: الجزائر ليست خاسرًا بل شريكًا في الحل
ما يميز الرؤية المغربية أنها لا تسعى إلى إذلال الجزائر أو تصويرها كمهزومة، بل إلى جعلها شريكًا في الحل. ففي خطاب عيد العرش الأخير (2023)، شدد جلالة الملك محمد السادس على أن الجزائر مدعوة لتكون جزءًا من الحل وضامنًا للاستقرار الإقليمي.
هذه الرؤية تكشف المفارقة الكبرى: الدور الذي كان ينبغي أن تضطلع به الأمانة العامة – أي بناء شروط تسوية سياسية جامعة – ظل معطلاً. وبدل أن تلعب المينورسو هذا الدور، بقيت حبيسة منطق متجاوز، إلى درجة أن تقرير يوليو 2025 استشهد ببيان صادر عن كيان وهمي لا تعترف به الأمم المتحدة نفسها.
خاتمة
إن مسار نزاع الصحراء داخل الأمم المتحدة يكشف خطين متوازيين لا يلتقيان:
• مجلس الأمن: يطور مقاربته باستمرار – من الاستفتاء (1991) إلى الحكم الذاتي (2007) إلى الحل الواقعي (2018) إلى التحول الأطلسي (2025).
• الأمانة العامة: ما تزال عالقة في منطق 1991، تكتب تقارير مترددة، وأحيانًا تتورط في ذكر كيانات وهمية.
الشرعية الدولية اليوم تتطور بثبات نحو الاعتراف بالحقوق التاريخية للمغرب، بينما تبقى البيروقراطية الأممية متأخرة. ومهما حاول بعض الأمناء العامين أو مبعوثيهم الالتفاف على هذا المسار، فإن النتيجة كانت دائمًا واحدة: مجلس الأمن يرسم الاتجاه، المغرب يرسخ حقوقه، فيما تبقى الأمانة العامة عالقة في زمن تجاوزه التاريخ.
يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن الأمانة العامة من تحديث أدواتها والالتحاق بالشرعية الدولية التي يرسمها مجلس الأمن، أم ستظل أسيرة منطق تجاوزه الزمن؟