رفعت المملكة العربية السعودية في أوائل السبعينيات توترها ضد المغرب، مهددة بقطع علاقاتها الدبلوماسية معه إذا استمر تصوير فيلم “الرسالة” على أراضيه. حينها قرر المغفور له الملك الحسن الثاني تأجيل تصوير الفيلم، الذي تبين لاحقا أنه عبارة عن تحفة فنية حققت نجاحا كبيرا.
بعد النجاح الهائل الذي لاقاه فيلم الرعب “هالوين” بالولايات المتحدة الأمريكية، أبدى المخرج السوري – الأمريكي مصطفى العقاد اهتمامه لسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذاتية. لاقت الفكرة الكثير من التشجيع في الأول إلى أن رفضها منتجو هوليود في آخر المطاف، ذلك لأن الفيلم كان سيعرض الشخصية الرئيسية دون إظهارها. وكانت هذه أول صعوبة دفعت بالمخرج إلى السفر نحو مدينة حلب، بحثا عن تمويل آخر لفيلمه.
تلقى العقاد وعوداً بتمويل الفيلم من كل من المغرب والكويت وليبيا. حتى أنه ذهب إلى المملكة العربية السعودية لمقابلة علماء الإسلام آنذاك بغية إقناعهم بفكرته نظراً لقوة تأثيرهم الكبيرة على المسلمين وعلى العالم العربي بأكمله.
رفض علماء الدين الفكرة ومباركة الملك الحسن الثاني لها
وجد المخرج، الذي كان في الأربعينيات من عمره وقتها، نفسه أمام طريق مسدود. حيث لم يمنع علماء الدين فكرة تجسيد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم فقط، بل منعوا السينما بأكملها. بحجة أنه ورغم مزايا الفن السابع العديدة، إلا أن علماء مدينة الرياض اقترحوا أن يتم “استبدال الموسيقى التصويرية بآيات قرآنية “. بعدها مباشرة، تأكد مصطفى العقاد أنهم لن يدعموا فكرته أبداً.
وبعد معارضة رجال الدين في المملكة العربية السعودية مشروع الفيلم، انسحبت الكويت بعدها من التمويل خوفا من رد فعل الرياض. أعطى العلماء رأيهم أيضا في مصر مانعين بذلك تجسيد النبي صلى الله عليه وسلم وأفراد أسرته ورفاقه. وأيضا في لبنان، حيث وافق مجلس الشيعة على الفكرة شريطة الحفاظ على عدم تجسيد شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ورفاقه.
صرّح زهير العقاد، شقيق المخرج، في مقابلة أجراها مع قناة الجزيرة، أنه بعد عرض الفكرة على الملك الحسن الثاني، أيدها العاهل المغربي قائلاً: ” هذا فيلم أؤمن به، ابدأوا في تصويره دون أي دعاية أو إشهار، أعني في سرية تامة “. أضاف بعدها زهير العقاد أن: ” جلالته كان جد منفتحاً ومتفهماً ومتعاوناً “.
قضية أحرجت ملك المغرب
ذهب الفريق المتكون من صانعي الأفلام وفنانين إلى مدينة ورززات لبناء نسخ طبق الأصل للكعبة ولمكة المكرمة، حيث بدأ تصوير الفيلم في 16 أبريل 1974.
صرح العقاد: ” كنا قد صورنا الفيلم لمدة ستة أشهر قبل أن تأتي سيارة ملكية لتأخذني. كان الملك حينها مستاء للغاية. لم أستطع قول أو فعل أي شيء وهو يتحرك من مكان لآخر، حتى التفت وقال لي، أنه يجب علينا إيقاف تصوير الفيلم “.
ففي الواقع، بمجرد علم المملكة العربية السعودية ببداية تصوير الفيلم، بذلت كل ما بوسعها لإيقاف ذلك. فإن لم يتوقف التصوير على الفور، كانت الرياض ستدعم حركة البوليساريو والجزائر ضد المغرب، وهكذا كان الملك الحسن الثاني مضطراً لتنفيذ إرادة الرياض.
أشار زهير العقاد إلى أن شقيقه قد اتفق مع الملك على إيقاف تصوير الفيلم “ولكن كان على مصطفى أن ينهي على الأقل اللقطات التي كانت تحتاج إلى الديكور”. وقد أوفدت المملكة العربية السعودية، التي علمت أن التصوير لازال مستمراً، رئيس الاستخبارات العامة والمستشار الخاص للملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، كمال أدهم، إلى المغرب. الذي هدد بمقاطعة البلاد وعدم حضور تنظيم قمة المؤتمر الإسلامي التي كان من المقرر عقدها هناك.
ووفقاً لما ذكره زهير العقاد، فقد خاطب الملك الحسن الثاني مصطفى العقاد قائلا: لا تثقلوني بما يفوق قدراتي. أصبحت المشكلة خطيرة ولا أستطيع أن أخاطر بمقاطعة المملكة العربية السعودية للمغرب “.
متابعة التصوير في ليبيا
سافر طاقم التصوير إلى ليبيا وتمكن من إقناع العقيد معمر القذافي بالفكرة. استغرق نقل المُعَدَّات من المغرب إلى ليبيا على متن السفن شهوراً. أخيراً أحط الفريق الرحال على مرتفعات بنغازي، في حين أن الفيلم لم يكتمل حتى شهر ماي سنة 1977. ثم عرضه لأول مرة في دار سينما بمدينة لندن، قبل أن يصل إلى دول غربية أخرى تاركا ردوداً إيجابية عديدة. لكنه بقي ممنوعا في العديد من البلدان العربية لسنوات.
لكن مع تغير سياسة المملكة العربية السعودية، وصعود الملك سلمان للحكم وتعيين ابنه محمد وليا للعهد، سمح أخيراً بعرض الفيلم لأول مرة في دور السينما بالمملكة الوهابية سنة 2018، بعد مرور 42 سنة على إنتاجه.
صور العقاد نسختين من الفيلم، الأولى بالعربية، بمشاركة مجموعة من الفنانين منهم عبد الله غيث ومنى واصف وأحمد مرعي ومحمد العربي وسناء جميل، والثانية بالإنجليزية بمشاركة الممثل الشهير أنطوني كوين.
توفي مصطفى العقاد في 11 نوفمبر 2005، عن عمر يناهز السبعين، نتيجة لإصابات أصيب بها أثناء تفجير فنادق في العاصمة الأردنية عمان، مما أسفر عن مقتل نحو 60 شخصا آنذاك.
ترجمة ياسين التوزاني
عن موقع iqna.fr
Source : https://dinpresse.net/?p=14970