نورالدين الحاتمي
شن الكاتب المغربي “ادريس هاني” في كتابه “سراق الله الإسلام السياسي في المغرب” هجوما شديدا و قاسيا على الحركة الاسلامية في المغرب، وسعى، عبره ومن خلاله، إلى تعريتها من كل “فضيلة” تزعمها، ومن كل ورقة توت تتدثر بها. و ادريس هاني ـ كما يعرف كل من قرأ له أو اطلع على بعض ما كتب ـ كاتب غزير الانتاج و كثير التأليف وإن كانت إصداراته، في الجملة، تفتقد إلى العمق وتفتقر إلى الجدة و الموضوعية.
وإذا كانت إصداراته و كتاباته تفتقر، في الجملة، إلى العمقو الموضوعية وهي مع ذلك ، أي مع هذا القصور، لا تخلو من فوائد، خاصة تلك التي يعمل فيها على تقريب القارئ المغربي من الانتاجات المعرفية الصادرة عن الشيعة، فإن هذا الكتاب الذي بين أيدينا: “سراق الله” كتاب ، نستطيع أن نقول عنه، وبكل صراحة و دون أن نبالغ، أن كاتبه لم يكن موفقا وهو يخطه و يدبجه، وأنه، أي الكاتب، قد أساء إلى نفسه، إذ كتبه بسرعة و على عجل. و الحديث هنا ليس عن قيمة مضمونه و محتواه، و لكنه يتعلق بطريقة ولغة صياغته.
لقد تسلح الكاتب هنا، أي في هذا الكتاب، بالجرأة الزائدة بل المفرطة، ووظف فيه، حتى المفردات التي يتم لوكها في الشوارع والأزقة ك “التشمكير”، وذكر فيه حتى المعلومات التي يتم تداولها في “الصالونات” والمقاهي، مع الحرص على الإبقاء عليها حبيسة تلك الأماكن وبين جدرانها و حيطانها، مراعاة للعلاقات الاجتماعية و حفاظا عليها.
إن قرار الكاتب النزول بالكتابة في تناوله لموضوع حساس كموضوع تاريخ الحركة الاسلامية، و خاصة الصفحات المجهولة منه أو المسكوت عنها منه، إلى المستوى الذي يبدو خلوا من التحفظ، يؤذن بأن صاحبه لا يمارس النقد و لا يقصده، و لا يعيد كتابة ذلك التاريخ المزعوم، بالمقاربة “الموضوعية” أو القريبة من “الموضوعية” كما يروج، و إنما يخوض معركة و يشن حربا، و يصفي حسابات عالقة بينه وبين تلك الحركة الإسلامية.
وهو الأمر الذي لا يمكن فهمه إلا في وضعه في سياقه الموضوعي و التاريخي، اي في سياق الصراع الدائم و المحتدم بين كل من جماعات “الرفض” الموالية لـ”الجمهورية المجوسية الفارسية” و “أهل السنة” ، و لذلك ـ في تقديري ـ لا يمكن فهم هذا الكتاب جيدا إلا إذا اعتبر امتدادا لهذا العداء و استمرارا له، و الكتاب طبعا يفصح عن ذلك بشكل واضح ، و لا يحتاج القارئ إلى الفطنة والذكاء لإدراك هذه “الحقيقة”.
لا يمكن وضع هذا الكتاب: “سراق الله” في خانة الكتب النقدية، أو التي تتقصد النقد بالمعنى المتداول له، آية ذلك أنه ذو محتوى هجائي زائد و مضمون قدحي مبالغ فيه. يبدو ذلك في عدد من المناسبات، و في عدد من الإشارات، بدء من العنوان ذاته.
إن عنوان الكتاب:”سراق الله” وحده علامة واضحة على كونه كتابا هجائيا، و ليس له من صفة النقد إلا الدعوى، و إلا الزعم، واختيار الكاتب لهذا العنوان بالذات، وإصراره عليه، على الرغم من كونه ملتبسا و يلفه غير قليل من الغموض، علامة ثانية على أن الكاتب فعلا يشن حربا على الحركة الإسلامية.
صحيح، أن الكاتب سعى إلى محاولة رفع هذا الالتباس و هذا الغموض، و إزالتهما، وذلك من خلال الشروحات المستفيضة شيئا ما، و لكن هذه المحاولة لم تكن كافية و لم تسعفه في تحقيق غرضه، و بقي العنوان غير واضح، وغير صالح للتوظيف و الاستثمار.
يقول الكاتب أن الذي حمله على الانخراط في الكتابة في الـتأريخ للحركة الإسلامية في المغرب و ممارسة هذا النوع من النقد على هذا التأريخ “هو إرادة الإصلاح من الداخل” لأن الحركة الإسلامية كما قال “تنتحر على يد أبنائها” فهل صحيح أن إرادة “الإصلاح من الداخل” هي التي حملته على اجتراح هذا اللون من النقد؟
إن الذي يشرع في قراءة هذا الكتاب لا يقف على اية عبارة تدل على هذه النية الحسنة، و لا يظفر بأية مفردة تشير إلى هذه الرغبة الطيبة، بل يقف على العكس تماما مما ادعاه الكاتب و زعمه من إرادته “الإصلاح من الداخل”.
إن ” إرادة الإصلاح من الداخل” هي الغائب الأكبر عن متن الكتاب، فاللغة السوقية و المبتذلة التي استعملها و توسل بها في كتابه “النقدي” هذا من مثل وصفه لمن يتحدث عنهم من الإسلاميين ب”البلداء” و “سراق الله” و أنهم “لا يتمتعون بأخلاقيات الاعتراف والامانة العلمية” و أنهم “نحلة التآمر و عصابة العدوان و شرذمة النميمة و الوشاية و التبييت و الكراهية” و وصفه المنتسبين إليهم ب”الحرافيش” و غيرها، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الكتاب ليس فقط إعلانا للحرب بل هو الحرب ذاتها، و ليس محاولة للإصلاح من الداخل ـ كما يقول ـ و لكنه عمل هدام يقصد به صاحبه التقويض و التدمير.
يرفض الكاتب في عمله البحثي هذا، الأخذ عن المصادر التي كتبتها أقلام إسلامية أو تولت كتابتها أسماء ذات صلة بهم، أو مراكز ممولة من قبلهم، و نحن نتفق معه هنا لأن تلك المصادر مشكوك فيها و غير “موضوعية” لأنها تكتب التاريخ المتخيل، و ليس التاريخ الحقيقي، التاريخ الذي كان، لكنه يعود في عدد من المحطات ليتحدث عن مصادر أخرى استقى منها معلوماته و أخباره و هي “إسلامية” أيضا، غير أن أسماءها “ممن عاصروا النشأة و كانوا جزءا من بعض كواليسها”، ليثور السؤال هنا عن الأسباب التي جعلته يرفض المصادر التي يكتبها هؤلاء ويقبل” شهادات” أولئك، اي ما هي المعايير التي اعتمد عليها في هذا الموضوع؟
يقول الكاتب أن له منهجه و أسلوبه الخاصين في التحري و التحقيق و التدقيق، و هو يعتمد عليهما في رفض الخبر و قبوله. و هذا الكلام هنا، مجرد كلام فارغ و دعوى لا شيء يصدقها. إن الأمر هنا يجد تفسيره، وتفسيره الوحيد، في كون المعيار عنده الذي يرفض بموجبه الخير أو يقبله هو مدى قدرة هذا الخبر أو المعطى على تشويه الحركة و الإساءة إليها. إن مصداقية الخبر عنده، تكمن فقط في مدى الإمكانية التي يمنحها الخبر له للثأر و الانتقام. و المصادر الموثوقة هي فقط تلك تمعن في تشويههم و تلطيخ سمعتهم.
يقول الكاتب “ما من بيئة تمكن فيها الإرهاب إلا و أظهروا تأييدا أو نصرة مباشرة أو غير مباشرة” و الكلام هنا واضح و موجه إلى الحركة الإسلامية ذات المرجعية السلفية، أي عن حركة “الإصلاح و التوحيد” و حزبها السياسي “العدالة و التنمية” و لنا أن نسأل الكاتب: هل يستطيع أن يكتب كلاما كهذا عن المليشيات الإرهابية التي تستقدمها جمهورية الفرس المجوس؟ آلا يؤيد هو الجهات التي تشن ذات الإرهاب و تقتل العرب و المسلمين وتهجرهم و تشردهم خارج حدود بلدانهم و يدعمهم ويناصرهم تماما كما يفعل خصومه من الحركة الإسلامية السلفية أو ذات المرجعية السلفية؟ أم أن الجهات التي يمتدحها الكاتب و يدعمها توزع على أهل السنة و العرب التمر و الحليب بدل القذائف و الصواريخ و المتفجرات؟
إن فظاعة الإرهاب الذي يجترحه”السلفيون” لا تزيد عن ذلك الذي توقعه جماعات الرفض المدعومة من المجوس، و بالتالي فالرفض و الإدانة و الاستنكار و التنديد و كل شيء من مثل هذا القبيل ينبغي توجيهه إليهما معا. و كما هي مواجهة الإرهاب الذي يتورط فيه” السلفيون” ضرورية، ضرورية أيضا مواجهة الإرهاب “الرافضي” المدعوم مجوسيا.
ويصف خطابات “قيادات” الحركة الإسلامية” في المغرب بكونها “مليئة بالديماغوجية و تمجيد الذات” و إذا كنا لسنا في معرض الدفاع عن هذه القيادات و لا عن خطاباتها لأننا لا نبرؤها من الاتهامات التي كالها لها الكاتب إلا أننا سنقف عند قضية “تمجيد الذات” التي ذكرها.
إن معضلة تمجيد الذات التي أشار إليها الكاتب ليست داء يصيب خصومه من الإسلاميين فقط بل إن الكاتب نفسه مصاب به إلى حد بعيد. و الكتاب هذا طافح بالشواهد على هذا الامر. إنه في كثير من المحطات من كتابه يتحدث عن نفسه و يعلي من قدرها ويرفع شأنها، و ينسب اعتقاده إلى اعتقاد “أهل الحكمة و العرفان” مع أنه لا أحد يعترف له بذلك أو يقر له.
و يقول عن كتابه أنه “يتفرد بدقة انتقائه لمصادره” و أنه “يتفرد بالكثير من حقائق” الحركة الإسلامية في المغرب، و “أن القارئ الحصيف و الموضوعي أن …في هذا الكتاب توجد حقائق لم يسمع بها من قبل …وهذه حقيقة لا يردها إلا حاقد أو حسود أعمى الجهل عقله” و الحق أن كل هذا مجرد مزايدات لا قيمة لها، فالمطالع للشأن الإسلامي و المتابع له يعرف ما في الكتاب و أكثر. الشيء الوحيد الذي لا يعرفه القارئ و لم يسمع به هو تلك الأخبار السوقية التي وردت فيه و هو تلك الحكايات التي لا تستحق الوقوف عندها و الاهتمام بها.
و المشكلة هنا هي أنك لا تجرؤ على الإفصاح عن موقفك هذا و إلا كنت معدودا في زمرة من” أعمى الجهل عقله”. أليس هذا “تمجيدا للذات” و إعجابا بها ؟ إذا كان هذا تمجيدا للذات فإن الكاتب و من ينتقدهم و يسفههم في “المنكر” سواء و إذا لم يكن كذلك فإن تلك “القيادات” المزعومة أيضا ليست كذلك.
و بعد، فإن هذه المقالة ليست مرافعة من أجل “الإسلاميين” و من أجل تبرئتهم، فهم للأسف لا يستحقون أن ينبري أحد للدفاع عنهم و الرد على من ينال منهم، و لكنها مقالة زبدتها و خلاصتها أن الذين يعملون في السياسة و في مجالاتها باسم الدين والطائفة و المذهب لا يختلفون، إنهم واحد. تختلف عناوينهم و عناوين مرجعياتهم و طوائفهم و مذاهبهم و لكنهم في العمق و في الحقيقة ذوو أهداف و أطماع و تطلعات واحدة، أي الركوب على الشعوب و استغلالها و استحمارها.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15887