13 أكتوبر 2025 / 20:45

حول سلفية ابن عبد البر المزعومة

د. الناجي لمين. أستاذ في دار الحديث الحسنية. الرباط

“أهل السنة مجمعون على ‌الإقرار ‌بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز…”.
التيميون طاروا بهذه العبارة كل مطار، ظنا منهم أن مقصود ابن عبد البر الحقيقة اللغوية قطعا.
بداية أقول: إن الإمام ابن عبد البر عند شرحه لحديث النزول اضطرب اضطرابا كبيرا، وقال الشيءَ ونقيضَه. ولعلَّ مرد ذلك عائد إلى المصادر التي نقل منها المادة العلمية، (من مصارده كتاب الاهتداء لأهل الحق والاقتداء لأبي القاسم خلف بن عبد الله المقري الأندلسي). وما ذكره في كتاب جامع بيان العلم وفضله كان أكثر إحكاما، وهو كتاب أَلَّفَه بعد كتاب التمهيد.
ثانيا: ابن عبد البر فسر هذه العبارة بعد ذلك بما يفيد إثباتها، وتفويض معناها إلى الله تعالى، وأفاض في ذلك كثيرا، مثل قوله: “‌الذي ‌عليه ‌أهل ‌السنة وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها، الإيمان بما جاء عن النبي – صلي الله عليه وسلم – فيها، والتصديق بذلك، وترك التحديد والكيفية في شيء منه”. وذكر عن سفيان قوله: “هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف”. وذكر عنه وعن غيره أنهم كانوا “يحدثون بهذه الأحاديث، ولا يفسرون شيئا”. وذكر عن أبي عبيد القاسم بن سلام قولَه: “هذه الأحاديث حق لا شك فيها رواها الثقات بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا ‌عن ‌تفسير ‌هذه ‌الأحاديث لم نفسرها ولم نذكر أحدا يفسرها”، ثم قال ابن عبد البر: “وقد كان مالك ينكر على من حدث بمثل هذه الأحاديث”.
ثم إن ابن عبد البر نص قبل ذلك على أن الله ليس بجسم ولا جوهر. فأين الحقيقة اللغوية مع هذا التنصيص؟
ثالثا (وهو قاصمة الظهر): إذا كان هذا هو شأن علماء السلف في هذه الأخبار، ومنهم من ينهى عن روايتها فكيف جعلناها معيارا للعقيدة الصحيحة؟ مع العلم أن جل القرآن جاء لبيان حقيقة التوحيد التي لا بد لكل مسلم أن يعرفه حق المعرفة حتى تقبل أعماله، وحتى يستحق الغفران. وإذا تصفحنا مثلَ مصنف عبد الرزاق أو مصنف ابن أبي شيبة نجد ما لا يحصى من أقوال الصحابة والتابعين في الحلال والحرام وأحكام العبادات وغير ذلك، ولا نجد لهم كلاما لهم في العقيدة.

ها هو الموطأ بين أيدينا، وها هي كتب أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني صاحبي أبي حنيفة بين أيدينا، وها هي كتب الشافعي مطبوعة متداولة. فلو كان ما يسمى الصفات الخبرية بهذه الأهمية لأعطاها الصحابة والتابعون وأتباعهم الأولوية القصوى، ولبَيَّنها جبريل للصحابة، وقد أرسله الله على صورة بشر ليعلمهم دينهم.
لما ذا نصر على أن نوسع الكلام فيما يسمى “عقيدة السلف”، ونقبل ونرد ونجادل، أليس هذا توهينا لعقيدة المسلمين التي يجب أن يعرفها كل مسلم ولو كان متبعا غنمه في الأودية أو على رؤوس الجبال؟