حقوق الإنسان صارت أداة لاستهداف سيادة الدول

سعيد الكحل
2021-07-22T14:41:11+01:00
آراء ومواقف
سعيد الكحل22 يوليو 2021آخر تحديث : الخميس 22 يوليو 2021 - 2:41 مساءً
حقوق الإنسان صارت أداة لاستهداف سيادة الدول

سعيد الكحل
قد لا يجادل أحد في كون حقوق الإنسان صارت أداة من أدوات استهداف سيادة الدول وتفتيت شعوبها . أداة يتم توظيفها من طرف الدول الغربية لتكريس سيطرتها على مقدرات شعوب الجنوب التي قاومت الاستعمار العسكري المباشر وطردت فلوله من أرضها لكنه عاد متربصا بخيراتها وسيادتها بوسائل لا تستدعي شن الحروب التقليدية عالية التكلفة في الأرواح والعتاد .

هكذا ستتحول حقوق الأقليات وحقوق الإنسان إلى سلاح فتاك في تدمير الدول ونهب ثروات الشعوب . وحيث توجد مصالح الدول الغربية يتم توظيف أسلحة حقوق الإنسان لضمانها. وقد كانت ثورات ما بات يُعرف زورا “بالربيع العربي” تجسيدا لخطورة هذا السلاح “الناعم” المتلبس بحقوق الإنسان . شعوب عربية كانت تنعم بالاستقرار وتناضل من أجل توسيع الحريات وإشاعة حقوق الإنسان في أوطانها ، فإذا “بالديمقراطية الموعودة” ، سواء المحمولة على الدبابات أو المحشوة في الأحزمة الناسفة ، تعيدها قرونا إلى الوراء بتحويل ساحاتها العمومية إلى أسواق لبيع السبايا والجواري أو لقطع الأعناق والأطراف .

لقد زعمت أمريكا أنها تجلب الديمقراطية للشعوب العربية فإذا هي تشيع الخراب والدمار لتضع أيديها على الثروات. لم يحدث أن تدخلت أمريكا في دولة ما فعمّ فيها الأمن وسادتها الديمقراطية ، بل العكس هو الحاصل.

لقد أثبت الوقائع ألا ديمقراطية ولا حقوق الإنسان خارج المصالح الغربية . ذلك أن سلطة القضاء الضامن لتطبيق القانون وحماية الحقوق تتعطل ، وتتعطل معها المنظومة الديمقراطية : فصل السلط ، استقلالية القضاء، كونية حقوق الإنسان.. وما جرى مؤخرا في إسبانيا من تواطؤ القضاء مع الحكومة للإفراج عن زعيم البوليساريو رغم عدد القضايا المرفوعة ضده على خلفية جرائم التعذيب والقتل والاغتيال الذي تعرض له عشرات من المواطنين المنحدرين من أقاليمنا الصحراوية أو من جنسيات إسبانية، يثبت هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية؛ مما يُبهت كل شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

لا تختلف الدول الأوربية عن إسبانيا في تعطيل حقوق الإنسان حين يتعلق الأمر بالمصالح والحسابات السياسية الضيقة التي تعلو على مصالح الأوطان العليا . ففي ألمانيا مثلا كما السويد وبريطانيا وبلجيكا وغيرها من الدول الأوربية ، تصر حكومتها على إيواء وحماية عناصر إرهابية خطيرة على أمنها وأمن باقي الدول من أجل ابتزاز الدول الأصلية التي ينحدر منها الإرهابيون ، كما هو الشأن للإرهابي محمد حاجب وغيره من المطلوبين لعدالة دولهم .

إذ في الوقت الذي تنخرط فيه دول العالم لمكافحة الإرهاب ، تشاء الحكومات الغربية (أوربية وأمريكا ) معاكسة الإرادة الدولية وذلك بإيواء الإرهابيين وتمكينهم من وسائل الدعاية وتجنيد المتطرفين لاستهداف دولهم الأصلية أو التي لها أطماع في ثرواتها . فيتحول الإرهابيون الذين عاثوا قتلا وسبيا وتدميرا في أفغانستان أو سوريا أو العراق أو ليبيا .. إلى “ضحايا” تناصرهم الحكومات الغربية باسم حقوق الإنسان ضد شعوبهم ودولهم.

هكذا تعددت الأسلحة “الناعمة” للفتك بالشعوب وتمزيق الدول وتنوعت بين “حقوق الأقليات” و”حقوق الإنسان” “وحرية الصحافة”، بينما يبقى الهدف واحدا هو استهداف أمن وثروات تلك الشعوب . ولا يخرج عن هذا الإطار تصريح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس ، حول الحكم الصادر ضد سليمان الريسوني الذي عبر فيه عن “خيبة أمل” أمريكية إزاء الحكم . فالتصريح في حد ذاته يناقض قيم حقوق الإنسان التي تنصّب الولايات الأمريكية نفسها حاميا ونصيرا لها ؛ بحيث يناقضها من وجوه عدة أهمها:

1 ــ تبنيه لمزاعم سليمان الريسوني المتهم بالاغتصاب والاحتجاز كالتالي (نلاحظ أن السيد الريسوني قد زعم وجود انتهاكات لضمانات المحاكمة العادلة)، بينما المفروض في الخارجة الأمريكية التحقق من المزاعم بالاستماع إلى الأطراف المعنية (دفاع الضحية ، دفاع المدعى عليه ، النيابة العامة ، المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، المنظمات الحقوقية..). ولعل اعتماد رواية طرف دون آخر هو تحيّز سافر لا يخدم العدالة كما يمس بمصداقية تقارير أو تصريحات الخارجية الأمريكية .

2 ــ التجاهل التام لحقوق الضحية، بحيث لم ترد أية إشارة إلى الضحية وما تعرض لها، كما لم يتصل به أو بدفاعه للاطلاع على الملف وتكوين صورة واضحة عن القضية المعروضة أمام المحكمة .

3 ــ التشجيع على خرق حقوق الأقليات التي هي جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان كما جاءت في تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في 17 مايو 2013 بلاهاي”إن مكافحة كراهية المثلية الجنسية هو جزء أساسي من كفاحنا لتعزيز حقوق الإنسان للجميع”. ففي الوقت الذي يشجع فيه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس،خرق حق المثليين في الحماية من كل أشكال العنف والمطالبة بإطلاق سراح المتهم باغتصاب آدم ،نجده يهدد الحكومة الجورجية ، يوم الثلاثاء 13 يوليوز 2021، بفرض العقوبات على خلفية الهجوم الذي تعرض له نشطاء حقوق المثليين ويدعوها إلى محاسبة المسؤولين “أولئك الذين هاجموا المتظاهرين السلميين والصحفيين يجب اعتقالهم ومحاكمتهم”.

4 ــ التحريض على خرق القوانين الجاري بها العمل وعصيان المؤسسات الدستورية. ذلك أن مطالبة الحكومة المغربية بإطلاق سراح الريسوني رغم التهم الموجهة إليه ليس له من معنى سوى تعطيل التشريعات الوطنية وتجاوز المؤسسات الدستورية والاستهانة بها .إذ في الوقت الذي يطالب فيه عمومُ المغاربة بضرورة تطبيق القانون بكل صرامة على الجميع ، يأتي تصريح الخارجية الأمريكية معارضا لرغبة الشعب ومطالبه بتحقيق العدالة والمساواة أمام القانون.

5 ــ استهداف أسس دولة الحق والقانون المتمثلة في فصل السلط واستقلال القضاء وسيادة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة . فدستور 2011 الذي يحيل عليه تصريح الخارجية الأمريكية هو نفسه الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة . من هنا تكون المطالبة بإطلاق سراح الريسوني الذي أدانته المحكمة هو تدخل سافر في اختصاصات القضاء وضرب لأسس دولة الحق والقانون التي ينشدها الشعب المغربي .

6 ــ التأسيس للإفلات من العقاب الذي تشكو منه الهيآت الحقوقية وتطالب بالقطع النهائي معه . لكن تصريح نيد برايس يروم تكريس الإفلات من العقاب وتعطيل القانون والدستور. وهذا يتنافى مع ما تدعيه الحكومة الأمريكية من دعم الديمقراطيات وإشاعة واحترام حقوق الإنسان.

7 ــ حماية ودعم فئة “المحميين الجدد” والعمل على تمتيعهم “بحصانة دولية” ضد القوانين الوطنية . إذ من شأن التدخل في القضاء وتعطيل القانون وتكريس الإفلات من العقاب أن يضع فئة من المواطنين خارج سلطة القانون وسيادة الدولة ؛ وهؤلاء هم “المحميون الجدد” الذين لا تسري عليهم القوانين أسوة بباقي المواطنين . خطورة هذه الفئة أنها تتحول إلى أداة من أدواة الحكومات الأجنبية لتنفيذ أجنداتها ضد المصالح العليا للوطن . إنهم أخطر من المجنّسين من حيث كونهم يأتمرون بالأوامر الأجنبية ويتحولون إلى خناجر في خصر أوطانهم . ولطالما عانى المغرب ، في القرن التاسع عشر وبداية العشرين ، من تآمر هذه الفئة على استقلاله ووحدة ترابه .

أمريكا لا تحمي الصحافيين إلا بالقدر الذي يخدمون مصالحها . فهي أول دولة تطارد المواطن الأسترالي جوليان أسانج ، مؤسس موقع “ويكيليكس” ،بسبب ما نشره من معلومات عن جرائم الجيش الأمريكي في أفغانستان ومنطقة الشرق الأوسط، وقد وجهت إليه وزارة العدل اتهامات عدة يواجه بموجبها أحكاما بالسجن تصل إلى 175 عاما في حال سلمته بريطانيا إلى أمريكا. فما الذي يمنعها من حماية أسانج والمطالبة بالإفراج عنه كما تفعل في موضوع الريسوني والراضي ، علما أن هذين الأخيرين متابعان في قضايا تتعلق بالحق الحق بخلاف جوليان أسانج؟

لقد سبق للأخصائي الفرنسي في “الذكاء الاقتصادي” Christian Harbulot ، أن صرح لموقع “Atlasinfo.fr”بتاريخ 17 يوليوز 2020 ، بأن الحزب الديمقراطي الأمريكي”بات يتبنى برنامجا سياسيا يقوم بالأساس على نموذج مجتمعي حيث يمكن له الدفاع عن الأقليات أو سياسة الهجرة أو الحركات الاجتماعية مثل “الربيع العربي” وكلها وسائل لبلوغ الغاية وهي تدمير المجتمعات التقليدية”.

لهذا سيكون لزاما على المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان ، إطلاع وزارة الخارجية الأمريكية بكل تفاصيل ملفي الريسوني والراضي المعروضين على القضاء حتى لا تبقى القضية مرتعا للمتاجرين بحقوق الإنسان .

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.