يتساءل الناس دوما لماذا حافظ القرآن يغتصب الأطفال؟ ولماذا يكذب وينصب على غيره؟ ولماذا يأخذ الرشوة ويأكل الحرام؟
ويتساءلون عموما لماذا حافظ القرآن يقترف كل الآثام؟ ويتعجب الناس لماذا لا يمنع القرآن صاحبه من الوقوع في الزّلل؟
القرآن وحده لن يمنع حافظه من الوقوع في الإثم، لأن عملية الحفظ بكل بساطة ما هي إلا عملية ميكانيكية لتنشيط منطقة الذاكرة بالدماغ. وهذا الأخير ما هو إلا وعاء امتلأ بكلام وآيات وسور.
إن عملية حفظ القرآن تُشبه تماما ملفّا تمّ تخزينه بعناية وجهدٍ جهيد في ذاكرة حاسوب جامدٍ. أو لنقل بطريقة أبلغ إن حفظ القرآن شبيهٌ بوضع مصحفٍ بعناية فوق رفوف مكتبة في شارع من شوارع المدينة..
يُحكى أن عالما سُئل ذات يوم عن فلان حفظ الكتاب الفلاني، فقال إنما هو نسخة جديدة أضيفت إلى باقي النسخ الموجودة في المكتبة. ذلك حال حافظ القرآن، إنما هو مصحفٌ أثقلَ كاهل مكتباتِ المدينة.
الخلاصة أن حفظ القرآن لن يغير من أمر الإنسان شيئا، ولو كُرّرت هذه العملية آلاف المرات، مثل آلة ناسخة تُبذّر المداد وتهدر الطاقة.
القرآن كائن حيّ. هو روح تُحرّك وتَتحرك، تَفعل وتتفاعل، وتُجيب وتَتجاوب.. (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا. ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان. ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا).
هذا الكائن لا يتحرك ولا ينفعل ولا يتجاوب مع العقل بالحفظ الجامد فحسب، وإنما بحركات مماثلة من قبل الإنسان، ملؤها التساؤل، والفهم، وبذل المجهود الكبير المتواصل في سبيل ذلك.
هذا الكائن الحي هو على أتمّ الاستعداد للإجابة عن تساؤلاتك.. وعن حاجاتك الفكرية والروحية..
هذا الكائن يمكن أن يأخذ بيدك في بحر الظلمات إذا كنتَ مستعدّا للعمل بنصائحه وتوجيهاته..
هذا الكائن يبسط بين يديك فلسفة متكاملة في الحياة، فهل المطلوب منك أن تنسخها أو تكتبها أو تحفظها في ذاكرتك فقط، أم المطلوب منك هو أن تكون فيلسوفا، مدركاً لها، فاهماً أبعادها، ومهتديا بنورها..
هذا الكائن الحي يحمل فلسفة، تهدي للتي هي أقوم، وفيها شفاء ورحمة، ولو فهمها جبلٌ لخشع وتصدّع، وهي قادرة على تسيير الجبال، وتقطيع الأرض، فكيف يكون إذن هذا الكائن الحي مع الإنسان وبجانبه، فيشقى؟ (ما أَنْزلنا عليك الْقُرآن لِتَشْقَى).
أكيد أن هذا الكائن الحي لو كان بجانب الإمام، أو العالم، أو الفقيه، أو الحافظ، أو المُحفِّظ لكتاب الله، (أكيد) ما كان ليغتصب نساء، ولا أطفالا أبرياء، ولا ليعيث في الأرض فسادا..
المصدر : https://dinpresse.net/?p=10552