في لقاء نظمته أمس الجمعة مكتبة “النجوم” بالرباط، قال الكاتب والباحث “حسن أوريد”، في تقديمه لكتاب “جذور الإسلام الراديكالي” (genèse de l’Islamisme radical)، إنه حاول أن يقوم بما يشبه “فحصا بالأشعة” للراديكالية الإسلامية للوقوف على نشأتها ومختلف تمظهراتها فيما بعد.
وأكد أنه، في مقاربته لهذه الظاهرة، ليس مع الطرح الغربي في نظرته للراديكالية، وليس من المؤيدين لأطروحاتها، وإنما يوجد في صف ثالث يرى أنها ليست وليدة الدين أو ناتجة عن قراءات النص الديني، وإنما هي محصلة التموقف من الآخر، الذي هو الغرب، مضيفا أنه مع فكرة الكاتب “أوليفييه روا” (Olivier Roy)، الذي يفسر هذه الظاهرة على أنها “أسلمة للراديكالية، وليس راديكالية الإسلام” (radicalisation de l’islam mais d’une islamisation de la radicalité).
وأشار “اوريد” إلى أنه قبل الحديث عن نشأة “الإسلام الراديكالي”، لا بد للباحث أو المهتم بهذا الشأن أن يميز بين ثلاثة أشياء: الإسلام، والإسلاموية، والإسلام الراديكالي، لأنه بالفعل هناك من يخلط بين هذه العناصر مثلما يفعل بعض الباحثين في الغرب، والذين يذهب بعضهم إلى أن العنف مصدره الدين أو الإسلام، في حين أن العنف يمكن أن يتواجد في جميع الإديولوجيات.
وعرج “أوريد”، خلال محاضرته، على ذكر بعض الأحداث، التي كان لها دور بارز في تشكل الإسلام الراديكالي في العالم العربي والإسلامي، منها حرب الخليج الناتجة عن احتلال العراق للكويت سنة 1991، حيث ساد نوع من الإحساس بالظلم لدى الشارع العربي، الذي بدأ يتحدث عن سياسة غربية غير متوازنة تكيل بمكيالين فيما يخص قضايا المسلمين في المنطقة.
ما حدث في العراق ـ يضيف المحاضر ـ أدى إلى تفسير بعض المسلمين، ومنهم مفكرين ومثقفين، ما وقع في العراق حينها بكونه “هجمة صهيونية صليبية” على المنطقة، مما أدى في نهاية المطاف إلى تشكل نوع من الخطاب المعادي للغرب.
كما أشار الباحث أيضا إلى أن المملكة العربية السعودية عملت، في ذلك الوقت، بدورها على تطوير خطاب راديكالي في المنطقة معاديا للغرب، مع أنها تعتبر حليفا للولايات المتحدة الامريكية، وضرب “أوريد” مثلا بالداعية “سفر الحوالي”، الذي كرس فكرة الحرب الحضارية بين الإسلام للغرب، وأن هناك معركة بينهما ستنتهي بانتصار الإسلام.
وتحدث الكاتب عن عوامل كثيرة أخرى أدت إلى تشكل الظاهرة الراديكالية في المنطقة، وتعود إلى تأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر، التي قامت أيضا على فكرة مواجهة الغرب، وأصبح الأمر اكثر راديكالية مع ظهور “سيد قطب”، الذي كان ليبراليا في بداية أمره، إلى أنه أصبح متشددا عندما زار أمريكا سنة 1949، وهو ما ظهر جليا في كتابه “معالم في الطريق”، الذي اعتبر أن العالم يعيش “جاهلية” وأن الحل هو الإسلام.
وأشارة “اوريد” أيضا إلى الثورة الإيرانية كأحد الأسباب المؤدية إلى توسيع الفكرة “الإسلامية” في المنطقة، والمساهمة في انتشار بعض المفاهيم مثل “الجهاد” و”التقية” وغيرها، وهي مفاهيم غزت أيضا الفكر “السني” بفعل أعمال ترجمة تلك المصطلحات من الفارسية إلى العربية.
بعد ذلك، ستكون بعض الأحداث حاسمة في تحول هذه الراديكالية من مرحلة التنظير إلى مرحل الفعل، وهو ما تجلى في مسألة إعلان “الجهاد” في أفغانستان، ثم السعي إلى عولمته على باقي المناطق، وساهمت أسماء كثيرة في هذا التحول مثل “عبد الله عزام”، وأسامة بن لادن، وأبو مصعب الزرقاوي، وأبو قتادة الفلسطيني، وهي المرحلة التي تم اعتبار “الجهاد” فيها فرض عين على كل مسلم، وأن القيام بهذه الفريضة لا يحتاج إلى إذن من احد، ثم الوصول إلى مرحلة “مسرحة العنف” مع “الزرقاوي”، وقيام تنظيم الدولة “داعش”.
وخلص “أوريد”، في نهاية محاضرته، إلى التأكيد أن الإسلام الراديكالي هو ظاهرة معقدة ومركبة تحتاج إلى مزيد من التفكيك، وأنه ليس صناعة إسلامية، ولا هو ناتج بالضرورة عن قراءات النص الديني، وإنما هناك عوامل كثيرة أدت إلى تشكله، وفي مقدمتها التموقف من الآخر.
دين بريس
المصدر : https://dinpresse.net/?p=6472