د. الناجي لمين
هناك مبررات كثيرة قدمها مؤسسو جماعة “المنار” [تيار النهضة الذي بزغ مع محمد عبده ورشيد رضا] لفرض وجودهم بديلا عن العلماء وفقه المذاهب الاربعة وأصول الفقه، نوهوا بها، ثم ارتدوا عنها.
من أبرز هذه المبررات التشبث بالدليل ولا شيء غير الدليل، لكنهم لما سيطروا على الساحة العلمية، بدؤوا يتخلون عن هذا المبرر، بل أكثر من ذلك خالفوا في مسائلَ دلائلُها واضحةٌ لائحة، فتراهم يهملون في المسألة ما ورد فيها من نصوص القرآن والسنة، ويشغبون بما سموه “المقاصد الشرعية” مع أن المقاصد الحقيقية لا تخالف النصوص. فالنصوص هي مصدر المقاصد، وليس العكس.
مثال ذلك القضاء على الخلاف، وتوحيد المذاهب الفقهية، ثم ارتدوا عن هذا “الهدف السامي الشريف”، فبدؤوا يبحثون عن الخلاف في كل مسالة حكي فيها إجماع إن كانت الحداثة “تتطلب” ذلك. فإن لم يجدوه اخترعوه، كما فعلوا في تقييد طلاق الزوج، فهناك آيات وأحاديث تخرج عن الحصر تسند الطلاق الى الزوج دون تحجير، ولا يوجد خلاف في ذلك بين العلماء.
المذاهب الاربعة اتفقت في ثلثي الفقه، كما صرح بذلك الكوثري في أكثر من موضع من كتبه. فلو كان همُّ هؤلاء الحداثيين توحيدَ المذاهب الفقهية لعكفوا على الثلث الباقي المختلف فيه فَحَلُّوا فيه الخلاف.
عندما يجد العلماء مسألة إجماعية يحمدون الله تعالى، يقولون مثلا: وهذه المسالة لا خلاف فيها والحمد لله. وهؤلاء الحداثيون عندما يجدون مسألة إجماعية يفتشون في دهاليز الآراء، فإذا وجدوا قولا مخالفا عَدّوه “فتحا”، ودون أن يتحققوه، او يتأكدوا من صحة سنده.
كان العلماء يفرحون بالإجماع، وهؤلاء يفرحون بالخلاف، ويسمونه “تيسيرا”. العلماء أورثونا أربعة مذاهب فقط، وتتفق هذه المذاهب مع ذلك في ثلثي الفقه، ثم فَرّخها هؤلاء الحداثيون حتى أصبحت بعدد المتكلمين في الشريعة. فهل هذا هو التوحيد؟!
وبعبارة أخرى: هؤلاء أرادوا القضاء على الخلاف فراحوا يفتشون عن الخلاف في الاجماع، وأنكروا تقليد الرجال، ثم عَدوا قول الرجال دليلا، بحيث يقولون في مسألة: “حلال”، فعندما تطالبهم بالدليل يقولون لك: قال بها الثوري او الحسن البصري، او هو قول في مذهب مالك او ابي حنيفة!