جماعة “العدل والإحسان” وقضية الصحراء المغربية.. خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء

3 نوفمبر 2025

محمد زاوي

وأخيرا، بعد يومين من القرار الأممي الذي أخرج المغاربة قاطبة للشوارع فرحين بالتحول غير المسبوق الذي عرفته قضية الصحراء المغربية؛ بعد يومين من الفرح الشعبي والمواقف والتصريحات السياسية، خرجت جماعة العدل والإحسان ببيان في الموضوع (بتاريخ 2 نونبر 2025)، وكأنها كانت تنتظر وحيا من اضطرابها بين محافظين ما زالت تسري فيهم روح من “رسالة إلى من يهمه الأمر”، ومجددين يدعون إلى المراجعة ويطالبون بالالتحاق بالورش السياسي الوطني المفتوح. لكل شكل مضمون، ومن ذلك شكل “التأخر في الزمن”، إذ أن له دلالة لا تخلو من الاضطراب السياسي والإيديولوجي الذي ذكرناه أعلاه.

ورغم ذلك فإنه لا يسعنا بداية إلا أن ننوه بقول الجماعة في بيانها إن “قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2797 (2025)، الذي جدد ولاية بعثة المينورسو وأشار إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي أساسا للتفاوض، يمثل خطوة مهمة نحو حل معقول لهذه القضية التي طالت كثيرا واستنزفت المغرب، شعبا ودولة، ويضع الجميع في هذا البلد أمام لحظة فارقة تتطلب موقفا وطنيا متوازنا يتعالى على المصالح الضيقة”. وهو موقف من قبل الجماعة يعبر عن نضج في موقفها، وإن قيدته بدعوتها إلى التعالي على “البهرجة التافهة، والوعي بالإشكالات العملية والتحديات الخارجية والرهانات غير المشروعة التي قد تحرك بعض الأطراف الدولية”. وهنا لا بد من مساءلة الجماعة قبل أن ننبهها إلى ما يجب أن تعيه في فقرات لاحقة: بأي حق تعتبر الجماعة فرح الشعب المغربي بهرجة تافهة في قضية لم تكن من اهتمامها ولا من أولياتها منذ تأسيسها إلى اليوم؟! وعن أي إشكالات وتحديات تتكلم الجماعة في قضية لم تدرسها ولم تعرف حيثياتها وتعقيداتها؟!

ننوه كذلك بالمبدأ الذي عبرت عنه الجماعة بوضوح، حيث جاء في بيانها: “نُذَكّر، في جماعة العدل والإحسان، بموقفنا الثابت من قضية الصحراء، والذي انطلق دائما من إيمان راسخ بضرورة وحدة الدولة المغربية ورفض كل مشروع يؤدي إلى مزيد من التجزئة في المغرب الكبير”؛ إلا أننا نجد أنفسنا، من باب الحرص على إنضاج موقفها الوطني، مضطرين لتنبيهها إلى ما يلي:

1-انطلاق الجماعة من رؤية تعتبرها “رؤية شاملة تجمع بين الغيرة على وحدة الوطن والرفض المطلق للفساد والاستبداد”؛ هذا الانطلاق لا معنى له في السياسة كـ”واقع ملموس”، لأن هذه السياسة قائمة على تدبير الأولويات والتناقضات، ومنه “وطنية الاستبداد” إذا سلمنا باستعمال الجماعة، في حين أن “التحليل الملموس” يعتبر “مفهوم الاستبداد” مفهوما ميتافيزيقيا لا معنى له في الوعي التاريخي.. أما إذا افترضنا “حقيقة” استعمالها، فإن هذه “الحقيقة” لا تلغي وطنية المتصفين بها، بل لا تلغي نجاعتهم وتقدميتهم في التاريخ أيضا.. وهنا ننبه الجماعة إلى ما عرِف في الأدبيات الفكرية والسياسية الأوروبية بـ”الاستبداد المستنير” مع أمثال بونابارت وبسمارك الخ. “الاستبداد” إذن، رغم أننا لا نعتمده فهما ولا تحليلا، لا ينفي الوطنية كما لا ينفي النجاعة الضرورية والتاريخية والتدبيرية لملفاتها، ومنها ملف الصحراء المغربية.

2-يبدو أن الجماعة ما زالت متأثرة بخطاب “يساروي” عولمي فقد صلاحيته في اليسار، فتلقفته لتنفخ فيه من روح أدلوجتها، وذلك عندما تتحدث في بيانها عن “المقاربة الانفرادية في تدبير الملف” أو عن “استغلال الملف للتغطية على الأزمات السياسية والاقتصادية والحقوقية… الخ”.. وهذا نقاش، في حقيقته، مغلوط ومنحرف عن المسار التاريخي للقضية. فحيث تطلب قضية الصحراء المغربية، في واقعها الدولي المعقد، نجاعة موحَّدة ومبنية على الخبرة وقدر كبير من السرية والضبط؛ فإن الجماعة تغض الطرف عن كل ذلك مطالبة بجعل القضية على المشاع.. وحيث تطلب القضية وحدة سياسية رسمية وشعبية، كما تطلب إنتاجا لسرديتها وخطابها الخاص، فإن الجماعة تعتبر ذلك “استغلالا لها في التغطية على الأزمات”.. القول الحق والصدق والناصح الأمين، الذي يجب أن تعيه الجماعة هو أن هذا الخطاب يتموقع خارج “منطق التاريخ المغربي”، فلا هي تقترب به من دولةٍ، ولا هي تقترب به من شعبٍ.

3-أما عندما تقول الجماعة إن “أي حكم ذاتي حقيقي يجب أن يكون جزءا من مشروع ديمقراطي شامل يضمن العدل والحرية والمشاركة الفعلية لجميع المغاربة”، مضيفة أنه “لا يمكن الحديث عن سيادة وطنية حقيقية على الأقاليم الجنوبية دون سيادة شعبية فعلية على القرار السياسي عبر ديمقراطية حقيقية”؛ عندما تقول ذلك فإنه من حيث لا تعي ولا تدري تكون قد مكّنت خصوم المغرب من ورقة إيديولوجية وسياسية مصدرها داخلي، ومضمون هذه الورقة أن “المغرب ليس مؤهلا بعد لحكمٍ ذاتي حقيقي”.. في حين أن الديمقراطية من جهة لا تخرج عن خصوصية بلدها، ومن جهة أخرى فإن كافة تجارب الحكم الذاتي تعاني مشاكل مؤقتة أو دائمة في الاختصاصات والصلاحيات والتمثيليات، وهذا ما ينبغي أن تعتبره الجماعة بدل “التشغيب على التدبير الوحيد الممكن والضروري والناجع”، وهو تدبير الدولة.

4-وبخصوص “التطبيع” الذي أصبح بمثابة لازمة للجماعة ولآخرين، لا يكادون يتحدثون في موضوع إلا واستصحبوه.. هذا الاستعمال، بغض النظر عن وجوده من عدمه، وبغض النظر عن اتساعه أو انحساره، وبغض النظر عن اعتباره “واقعا ملموسا” أم مجرد خطاب يستدعى لأغراض سياسية وإيديولوجية بعينها؛ بغض النظر عن كل ذلك، فإن قضية الصحراء المغربية ليست مرتبطة في حلها بـ”استئناف المغرب علاقاته الدبلوماسية بإسرائيل”.. وذلك لأن حل مشكل الصحراء المغربية يدخل ضمن استراتيجية دونالد ترامب، كما يدخل في استراتيجيته تحقيق السلام في الشرق الأوسط.. ورغم كونهما جزءا من الاستراتيجية نفسها، فهما مطلبان مختلفان فيها ولا تستغني عن أحدهما بالاستغناء عن الآخر.. الاستراتيجية هي إنهاء التوترات، وبالتالي فالاستغناء عن “تحقيق السلام في الشرق الأوسط” لا يستلزم الاستغناء عن “حل مشكل الصحراء المغربية”، كما أن الاستغناء عن هذا الأخير لا يستلزم الاستغناء عن “وقف الحرب الروسية الأوكرانية”.. التقدم الذي تعرفه القضية الوطنية ليس إلا نتاجا لشرطين: نجاعة الدولة المغربية في تدبير الملف، واستعداد العالم لمرحلة جديدة من التناقض الدولي على أساس اقتصادي.. الحديث عن “التطبيع” في هذا الموضوع مجرد تضليل، ويجب أن تعيه الجماعة، حتى لا تمارسه على نفسها قبل أن تمارسه على المغاربة.

لقد انتقلت الجماعة في خطابها تجاه الصحراء المغربية من إهمال إبديولوجي للقضية، إلى استبعاد لأولويتها، إلى اقتناع بأهميتها مع معارضة الدولة في تدبيرها.. وفي كل هذه المراحل كانت الجماعة، وما زالت، متأخرة عن الدينامية المجتمعية في القضية.. بل إنها لم تبدِ المجهود المطلوب لتكريسها سياسيا وإيديولوجيا في أدبياتها، ولا هي أبدت تحمسا لملفها كما هو حال كافة المغاربة.. وإنها فضلا عن كل ذلك لا تعرف في الملف غير بعض الشعارات من قبيل: “الديمقراطية أولوية لحل مشكل الصحراء المغربية”، “أهمية الوحدة السياسية والمجتمعية”، “رفض المساومة على قضية الصحراء بالتطبيع”، “الدعوة إلى انفراج حقوقي يقوي الصف الوطني”؛ وهذه قضايا ومسائل في حاجة إلى نقاش مع الجماعة، إلا أنها لا تمنحها القدرة على فهم تعقيدات الملف.. فلو كانت تفهمها لكان خطابها غير هذا الخطاب، ولاتسمت مطالبها بالتقييد كما اتسم دعمها بتقييد من وحي خطابها السياسي والإيديولوجي.

توكل كرمان.. من جائزة نوبل إلى خطاب الفتنة

عمر العمري تقدم توكل كرمان نفسها، منذ حصولها على جائزة نوبل للسلام سنة 2011، بوصفها رمزا عالميا للحرية وحقوق الإنسان، إلا أن مسارها الإعلامي والسياسي اللاحق سرعان ما كشف عن تناقض صارخ بين الشعارات والممارسة. فبدل أن تكون صوتا للحوار والسلام، تحولت إلى منبر للتحريض والتجريح، مستخدمة المنصات الرقمية لنشر خطاب عدائي يستهدف المغرب ومؤسساته […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...