بقلم: محمد زاوي
في حوار أخير له، حاول القيادي بالدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، عمر إحرشان، إبداء وجهة نظره في قضايا متعلقة بالعمل الحكومي والانتخابات والتجربة الديمقراطية المغربية.. في هذا الحوار لم يعبر إحرشان إلا عن تناقض داخلي تعرفه الجماعة بين طرفين، طرف يجرها إلى الخلف، وآخر يصطنع عجلة المشاركة السياسية بشروطه. يحاول هذا المقال تنبيه إحرشان ومن خلاله جماعة “العدل والإحسان” إلى العيوب النظرية والإيديولوجية في بنائها السياسي، والتي تحد من فاعليتها في “خصوصية سياسية” مغربية لا تتحدد بـ”خيال سياسي إسلامي خاص”، وإنما وفق تدبير واقعي وموضوعي لمصالح الدولة والمجتمع.
-رأي من “العدل والإحسان” في عمل الحكومة.. انتقاد المقاطِع من موقع المشاركة
ينتقل عمر إحرشان في انتقاد الحكومة من انتقاد مدى التزامها ببرنامجها الحكومي، إلى التماس العذر لها بظرف الجفاف والخصوصية الإدارية للسلطة التنفيذية بالمغرب فيقول إن “الحصيلة جاءت أدنى من السقف المعلن في البرنامج الحكومي وأدنى من انتظارات الناس”، مشيرا إلى أن “عوامل موضوعية كالجفاف لعبت دورًا في تعقيد الوضع، غير أنّ السلطة التنفيذيّة في الحالة المغربيّة لا تقتصر على الحكومة وحدها، وهناك مجالاتٌ تُدبَّر خارجها؛ لذا لا يجوز تحميل الحكومة وحدها كل النتائج أو إعفاؤها منها كليا”.
فلا يخفى على كل متابع للشأن السياسي المغربي أن هذا الخطاب يُعتبر “متقدّما” إذا ما قورن بالخطاب السياسي الذي دأبت عليه جماعة العدل والإحسان.. والذي كان من جهة لا ينشغل بمناقشة الشأن الحكومي، لأنه من جهة أخرى يعتبره تحصيلا بديهيا ومنتظرا لطبيعة النظام السياسي المغربي.. ولم يأت التعقيب هنا في تأثير الحدود الدستورية والسياسية لعمل الحكومة، وإنما في حدودها الظرفية والإدارية؛ وهذا تعقيب لا يصدر إلا عن تنظيمات مشاركة سياسيا.
في نقطة أخرى، يتخذ التعقيب من الدستور مرجعا إذ يقول عمر إحرشان: “ومن بين ملامح هذا القصور: ضعف التشاور، رغم أنّ العرض السياسي منذ 2011 قام على فكرة التشاركية. وقد ظهر ذلك في قضايا كبرى، مثل قانون تنظيم الإضراب وقانون المسطرة الجنائية، حيث تجاهلت الحكومة اعتراضات الأطراف المعنية، ومضت في القرارات بشكل أحادي، ما يثير تساؤلات حول جدية الاختيار الديمقراطي”.. وإذا كان إحرشان يعتبر العناصر أعلاه مجرد مؤشرات لمساءلة مدى جدية الاختيار الديمقراطي، فإن ذلك لا يعفيه من تبني خطاب غير معهود في الجماعة، هذه عناوينه الأبرز: نقد السياسة الحكومة من موقع أشبه بموقع المشاركة، اتخاذ الدستور مرجعا في التعقيب، الاكتفاء بمساءلة الاختيار الديمقراطي ومعلوم الفرق بين المساءلة وبين الطعن المباشر الصريح.
-نقد الحكومة.. رغبة خفية في المشاركة واستدراك بمساءلة الديمقراطية
بعد انتقاد الحكومة في مدى التزامها ببرنامجها، ينتقل عمر إحرشان إلى انتقاد تدبيرها التشريعي (سحب قانون الإثراء غير المشروع وعدم مراجعة القانون الجنائي)، وإجراء نوع من الربط بينها وبين الحكومات السابقة برابط “عدم اشتغال الحكومات على برامج تفصيلية وانعدام نقاش عمومي يشرح حدود البرامج قبل أي انتخابات”.. إن المتأمل في هذا الخطاب لا يميز بينه وبين خطاب أحزاب “الاتحاد الاشتراكي” و”التقدم والاشتراكية” و”العدالة والتنمية” الخ، رغم اللازمة المعتادة في كلام إحرشان حيث استدراك خطاب المشاركة بحديث ثانوي عن “الانتقال الديمقراطي” و”الملكية البرلمانية”؛ وهو -بالمناسبة- نقاش مطروح داخل الأحزاب المشاركة نفسها، فلا بشكل إحرشان في ذلك استثناء إلا من جهة واحدة مفادة: رغبة خفية في المشاركة سرعان ما يتم إخفاؤها باستدراك يسائل الانتقال الديمقراطي في نموذجه المغربي.
هذا الاستدراك نفسه -عند إحرشان- لا يحضر بالقوة التي يحضر يها عند تيارات يسارية “راديكالية”، ودليل ذلك قول إحرشان إنه “منذ تسعينيات القرن الماضي، كان الحديثُ عن التوجّه نحو ملكيّةٍ برلمانية وعن ضرورة تكريس العائد الاجتماعي؛ ومع ذلك ما زالت مناطقُ مهمَّشة تُكتشف كلّ مرّة: طرقٌ غير مهيَّأة، مدارسُ ومستوصفاتٌ غائبة… لماذا لا تنعكس هذه الوقائع في مؤشّراتٍ واضحة تُحاسَب عليها السياسات؟ هذه مفارقةٌ مؤلمة”. هنا يعبر إحرشان عن استعداد لديه -ولدى الجماعة- العدول عن فكرة “الملكية البرلمانية” إلى الطريق إليها، أي المراكمة الاجتماعية؛ إلا أنه يناقش ذلك خارج إطاره الموضوع الكلي والجزئي، الوطني والدولي، وكأن تحرير القدرات الإنتاجية مسألة اختيار، في حين هي نتيجة توازنات داخلية وخارجية لا تخفى على صاحب تحليل يعي الضرورة السياسية والاجتماعية المغربية.
-الحكومة والانتخابات والبنى الإنتاجية.. الوعي الغائب عن جماعة العدل والإحسان
وعند تناوله للنقاش الدائر حول “ما إذا كانت الحكومة حكومة سياسية أم حكومة رجال أعمال”؛ يقدم إحرشان تحليلا مستغربا في التفسير النظري للبنى السياسية، فيساوي بين تدبير عاطل وتدبير رجل أعمال، بحجة أن المصلحة العامة تخضعهما معا عند تحملهما مسؤولية التدبير. وهذا تحليل يغفل الأساس الاجتماعي للجهاز التنفيذي الحكومي، وهو جهاز محدّد بالقاعدة الاقتصادية العامة من جهة، كما هو محدد بسياسات خاصة تعبر عن نزوعات المسؤول المباشر عن التنفيذ الحكومي، وهو الحكومة ومكوناتها.
إن العملية الانتخابية التي ينتقدها إحرشان في شقيها التمثيلي والتشاركي، ليست بعيدة عن هذا النقاش.. فأمرها ليس مرتبطا ببعض الوسائل الشكلية (اللوائح، والتسجيل، وكيفيات التصويت، والعرائض والملتمسات) فقط، وإنما هي نتاج مجتمع وبنية إنتاج، تعتبر “العدل والإحسان” جزءا منهما وخاضعة لضرورتهما السوسيو-اقتصادية، وإن حاولت العكس.. يغيب هذا التحليل عن الجماعة وقياداتها فيكثر انتقادها لمسار ستصبح جزءا منه، أو لعلها جزء منها بكيفية من الكيفيات لا تعيها..
ولذلك فإن الشروط التي تشترطها الجماعة حتى تشارك في العملية السياسية، وبالتالي في الورش الانتخابي القائم، ليست ملك يديها ولا هي مسألة اختيار.. تريد “العدل والإحسان” التحكم في الزمن السياسي، لكنها لا تعي أن الزمن السياسي نتاج شروط موضوعية عامة.. أما الفئات التي تستعجل المشاركة منها، فهي من جهة تبحث عن مسوغات للمشاركة، ومن جهة أخرى تسعى إلى إرضاء الطرف المحافظ في الجماعة حتى لا تنقسم إلى قسمين.. بهذا يفسَّر اضطرابها بين خطابين سياسيين كادا أن يصلا حد التناقض في خطاب قيادتها..