17 يوليو 2025 / 09:20

جدل في أمريكا حول حدود تدخل المؤسسات الدينية في السياسة

دين بريس ـ سعيد الزياني
فتح النقاش الدائر في الولايات المتحدة بشأن إمكانية السماح للكنائس بتأييد مرشحين سياسيين دون المساس بوضعها الضريبي المعفي، الباب واسعا أمام إعادة التفكير في العلاقة المعقدة بين الدين والسياسة في المجتمعات الديمقراطية.

فبينما أعلنت مصلحة الضرائب الأمريكية عن موقف جديد يسمح نظريا للكنائس بالانخراط في العملية الانتخابية من موقع التأييد العلني، أظهرت استطلاعات الرأي، مثل تلك التي أجراها مركز بيو للأبحاث سنة 2022، أن الغالبية الساحقة من الأمريكيين – بنسبة 77% – ترفض بشدة تدخل دور العبادة في دعم مرشحين سياسيين.

هذا التناقض بين الإطار القانوني الناشئ والوجدان الشعبي العام يعيد إلى الواجهة سؤالا مركزيا: هل يمكن للكنيسة أو أي مؤسسة دينية أن تظل وفية لرسالتها الروحية وهي تمارس دورا سياسيا نشطا؟ وهل يؤدي تأييدها لمرشح بعينه إلى تقويض حيادها الأخلاقي، أو إلى تقسيم جماعتها الإيمانية على أساس الانتماءات الحزبية؟

المفارقة أن هذا الجدل لا يدور فقط في أروقة القانون، بل يمتد إلى عمق الذات الأمريكية التي تأسست على مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة، لكنه فصل لم يكن يوما قطيعة تامة، بل علاقة متوترة تتأرجح بين الدعم الأخلاقي والمناورة السياسية.

وتزداد الإشكالية تعقيدا حين نلاحظ أن الانقسام السياسي يتقاطع مع الانقسام الديني نفسه، ففي الوقت الذي يعارض فيه غالبية الكاثوليك والبروتستانت والديمقراطيين تدخل الدين في الانتخابات، تبدو بعض الفئات، مثل الإنجيليين البيض، أكثر استعدادا لتقبل هذا التداخل، ما يعكس مساحات النفوذ المتبادلة بين الخطاب اللاهوتي والتوجه الحزبي.

ومن ثم، فإن السؤال لم يعد يتعلق فقط بما “يجوز” للكنيسة أن تفعله قانونا، بل بما يجب أن تمتنع عنه أخلاقيا حفاظا على رسالتها الجامعة.

تُظهر التجارب السابقة أن الكنائس التي انخرطت في الحياة السياسية بشكل مباشر كثيرا ما خسرت حيادها الرمزي، وأثّرت سلبا في تماسك جماعتها الداخلية، ويزداد الخطر حين يكون المنبر الروحي أداة تعبئة انتخابية، حيث يتحول الإيمان إلى هوية سياسية مغلقة، وتُختزل القيم الدينية في برامج انتخابية ظرفية.

من هذا المنطلق، تفرض هذه المستجدات القانونية سؤالا وجوديا على الكنائس الأمريكية وسائر المؤسسات الدينية في العالم: كيف يمكن ممارسة دور أخلاقي في الحقل العام دون الانزلاق إلى الاصطفاف الحزبي؟ وهل تملك هذه المؤسسات من النضج والرؤية ما يكفي لتحويل الحضور الديني إلى قوة نقدية مستقلة عن السلطة، بدل أن تكون ذراعا دعائية لها؟ أم أن اللحظة السياسية الراهنة ستُغري بعض القيادات الدينية بتحويل معابد العبادة إلى منصات انتخابية، ولو على حساب وحدة الدين والمؤمنين؟

هكذا، يكشف هذا الجدل الأمريكي عن عمق الإشكال الذي لا يخص الولايات المتحدة وحدها، بل يهم كل مجتمع يسعى إلى التوفيق بين الإيمان والمواطنة، بين النص المقدس وصناديق الاقتراع.