سعيد الكحل
رفعت تنظيمات الإسلام السياسي وحلفاؤها من يساريين وقوميين من وتيرة الاحتجاجات ضد الدولة ومؤسساتها الدستورية منذ الخسارة المدوية لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية والمحلية ليوم 8 شتنبر 2021 . ولئن كانت الاحتجاجات أمرا صحيا لدعم الديمقراطية وتكريس قيمها وقوانينها ، فإنها في الظروف والحالات التي تستنفر فيها تلك التنظيمات قواعدها للنزول إلى الشوارع والتظاهر في الساحات العامة ، لا تدعم الديمقراطية ولا تجسد قيمها.
ذلك أن هذه الاحتجاجات لم تأت تعبيرا عن إرادة جماعية ضد الأوضاع المادية أو السياسية التي يمكن أن تعاني منها شرائح اجتماعية أو مهنية ؛ وفي هذه الحالة ستلقى تعاطفا واسعا من طرف المواطنين والهيئات السياسية والمدنية . بل جاءت تعبيرا عن خلفيات سياسوية وخطط محددة تخدم إستراتيجية تنظيمات الإسلام السياسي التي تسعى إلى إضعاف الدولة وإشاعة الفتنة.
إن هذه الاحتجاجات والمظاهرات لم تأت نصرة للقضية الوطنية الأولى لعموم الشعب المغربي ، وهي الوحدة الترابية ، ضد مخططات الخصوم والأعداء. فالذين يدعون اليوم إلى الاحتجاج والتظاهر ضد الدولة لم تصدح حناجرهم بشعارات الوحدة الترابية ، أو نددوا بالأنشطة التخريبية لعصابات البوليساريو بمعبر الڴرڴرات وإغلاقه أمام حركة البضائع والأشخاص ، ولا أصدروا بيانات الإدانة بنصب حكام الجزائر الصواريخ على الحدود مع المغرب تهديدا لأمنه واستقراره. فأيا كانت طبيعة التهديدات الخارجية لوحدة المغرب الترابية ، فإن تلك التنظيمات لا تكترث لمخاطرها بقدر ما يستفزها سعي المغرب إلى توفير أسباب الدفاع عن أمنه وحماية وحدة أراضيه.
لقد تحمل المغرب ، دولة وشعبا، أعباء كثيرة ، وكلفه الدفاع عن مغربية الأقاليم الصحراوية 47 سنة من التضحية بالأرواح والأموال والعتاد. كما استغلت أوربا هذا الصراع المفتعل الذي يستهدف وحدتنا الترابية لابتزاز المغرب ونهب خيراته . لهذا لم ترد لهذا النزاع أن ينتهي . لكن ما يبعث على الاستغراب هو انخراط الإسلاميين ومعهم فئة من اليساريين والقوميين في إستراتيجية استهداف استقرار المغرب ومنعه من امتلاك أسباب القوة والردع العسكريين لمواجهة مخططات الجزائر العدوانية.
ليعلم هؤلاء أن الانتماء للوطن يقتضي الدفاع عن مصالحه العليا مهما كانت تكلفتها . ولنا في المقاومين الوطنيين الذين ضحوا بأرواحهم من أجل طرد الاستعمار وتحرير الوطن خير مثال. واليوم ، لا أحد يطلب من الإسلاميين وتابعيهم أن يكونوا فدائيين أو يلتحقوا بالحزام الأمني على الحدود مع الجزائر . كل المطلوب منهم أن يفكوا الارتباط مع إستراتيجية استهداف الوطن التي وضعها أعداء وحدتنا الترابية ، وكذا الفصل التام بين ما هو قومي وما هو وطني ، وجعل المصالح العليا للوطن فوق أي اعتبار .
ذلك أن المغرب ، كأي دولة في العالم ، له ظروفه ومصالحه هو وحده من يقدّرها ويتصرف وفقها . إذ من مصلحته العمل على إنهاء الصراع ووضع حد لحرب الاستنزاف المفروضة عليه طيلة 47 سنة . فهو بحاجة إلى دعم خارجي يقوي موقفه في مواجهة مخططات الانفصال والابتزاز الأوربي . وقد لاحظ الخصوم قبل الأصدقاء كيف قلَب المغرب موازين القوة لصالحه بمجرد توقيع الإعلان المشترك بينه وبين أمريكا وإسرائيل ، حيث وقف بكل ندية في وجه الأطماع الإسبانية والفرنسية والألمانية . ولأول مرة ، منذ عقود، لم يكترث المغرب لأحكام المحكمة الأوربية ، بل اشترط على الأوربيين الإقرار بمغربية الصحراء مقابل إقامة شراكات . هكذا أنهى المغرب عهد الابتزاز والاستجداء بفضل الدعم الأمريكي . ففي ظرف سنة حقق المغرب مكاسب عظيمة ما كان له أن يحققها لولا اتفاقية أبراهام.
إن الذين يهاجمون المغرب من أبنائه ويحرضون ضده ويسعون إلى زعزعة استقراره ، مطلوب منهم أن يستحضروا الحقائق التالية:
1 ــ إن الهيئة التي تسمي نفسها “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” لم يصدر عنها أي بيان استنفاري أو فتوى تحرض على الجهاد ضد إسرائيل لتحرير فلسطين . بينما أصدرت فتاوى الجهاد في أفغانستان ضد الوجود العسكري السوفييتي خدمة للحرب بالوكالة لصالح أمريكا . وحين انفجرت الأوضاع في سوريا فيما سمي “بالربيع العربي” ، سارع الاتحاد إياه إلى إعلان النفير والإفتاء بوجوب الجهاد ضد نظام بشار .
2 ــ إن رئيس هيئة العلماء هذه ، يوسف القرضاوي، بعث برسالة إلى الرئيس التركي الطيب أردوغان يرفعه إلى مقام الأنبياء والرسل ويثني على كل قراراته وخطواته يقول فيها: “الله معك وشعوب العرب والمسلمين معك، وكل الأحرار في العالم معك، ونحن علماء الأمة الإسلامية في المشارق والمغارب معك.. وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير”،”أيها الرئيس الكريم.. سر في طريقك المستقيم؛ لتبني تركيا كما تريد، وكما نريد، تقود الناس إلى الحق، وتدعوهم إلى الرشد، وتنصر المستضعفين، وتؤيد المضطهدين، ونحن معك.. نشد أزرك، ونساندك مع حزبك وأنصارك”. ساعتها لم تصدر الهيئة فتواها بتحريم التطبيع بين تركيا وإسرائيل ولا حرضت ضد أردوغان الذي ارتمى في أحضان “الصهاينة” . لم تعتبر الهيئة أن التطبيع خطر على الشعب التركي وعلى وثقافته . فما الذي أخرس الهيئة عن مهاجمة تركيا ؟
3 ــ إن الهيئة إياها ، وعلى مدى 47 سنة ، لم يصدر عنها أي موقف داعم لوحدة المغرب الترابية أو مندد بحرب الاستنزاف التي تفرضها الجزائر على المغرب ، ولا أصدرت فتوى بتحريم إيواء وتسليح العناصر الانفصالية للبوليساريو للاعتداء على المغرب وتقسيمه. ظلت صامتة طيلة هذه العقود حتى إذا أقام المغرب علاقة تعاون عسكري وأمني وتجاري مع إسرائيل سارعت إلى التحريم والتحريض. ألم تعلم الهيئة أن ما يربط بين تركيا وإسرائيل أقوى بكثير مما يربط المغرب بإسرائيل ؟
4 ــ إن رئيس الاتحاد أحمد الريسوني الذي كتب مقالة تحريضية ضد المغرب ومؤسساته تحت عنوان ” المغرب الرسمي في مفترق الطرق”، لم يسأل نفسه الأسئلة التي طرحها عن حالة المغرب : (فهل كان المغرب في حالة اختناق وجفاف تضربه على جميع الأصعدة (في التعليم والأمن والجيش والتسلح والمخابرات والاقتصاد والسياحة والسياسة الخارجية…)، وتضطره إلى سلوك هذا المسار الذليل الخطير، تحت الرعاية والوصاية الصهيونية المباشرة؟ هل كان المغرب على حافة الإفلاس؟ هل كان بحاجة إلى من يسعفه وينقذه من السكتة القلبية، ولم يجد غير النجدة الصهيونية، وعلى حساب القدس وفلسطين؟). تركيا تربطها علاقات قوية بإسرائيل ، فهل كانت ” في حالة اختناق وجفاف تضربه على جميع الأصعدة”؟ لماذا المغرب بالضبط وهو دولة ذات سيادة ولا يخضع لوصاية الجماعات ولا الأحزاب ولا الهيئة إياها؟
5 ــ إن إسلاميي البيجيدي وأذرعه الذين دعوا إلى النزول بكثافة للاحتجاج ضد التطبيع والمطالبة بإنهاء العلاقات بين المغرب وإسرائيل ، قد نسوا أنهم شركاء في العملية وأن كبيرهم هو من وقّع على الاتفاق ؟ فما الذي أجبرهم على التوقيع والاستمرار على رأس الحكومة؟ لا نسأل البيجيديين عن ولائهم ، فهو لتركيا ولتنظيم الإخوان ، ولكن نسألهم أين كانت شجاعتهم لحظة التوقيع ؟
6 ــ إن جماعة العدل والإحسان تُرهبها قوة الدولة المغربية وقدرتها على امتلاك الأسلحة المتطورة لحماية الوطن وردع الأعداء. لهذا تسعى لتجييش خصوم النظام يحذوها وهْم “القومة” وإقامة نظام الخلافة الذي لا يختلف عن نظام داعش في البطش والهمجية. فالجماعة لا تهمها مطلقا قضية فلسطين ، وإنما تتغذى عليها سياسيا وتستغل مناسباتها لتُبْقي أتباعها تحت التخدير والوهم باقتراب يوم الزحف.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=16072