شربل داغر. كاتب لبناني
هناك من نتعلم منهم، من دون أن نكون، في حضرتهم، في صف أو جامعة. أحد هؤلاء في حياتي البسيطة: الباحث المغربي المهدي المنجرة (1933-2014).
تعرفتُ معه، في ختام ندوة ثقافية، في أحد “مواسم” أصيلة الأولى، على الحاسوب لأول مرة، جهازا ودورا، إذ توكل المنجرة، يومها، بإعداد خلاصة مباشرة عن مجريات وتوصيات الندوة، وتلاوتها على المشاركين.
يومها، تعرفتُ خصوصا إلى كونه أحد المؤسسين لمنتدى الحوار العربي-الإفريقي (منتدى أصيلة)، وأنه الذي نجح في استحصال موافقة الرئيس السنغالي ليوبولد سيدار سنغور وولي العهد الأردني (حينها) الأمير الحسن بن طلال الهاشمي في ان يكونا رئيسا المنتدى بالمشاركة.
ستكون لي، منذ هذه الندوة، علاقة ثابتة مع المنجرة، مع انه كان يبادرني دوما بالحديث عن “المستقبليات” في العالم، فيما كنت مهووسا بشواغل أخرى تماما.
مستقبليات في غير أمر وموقف وظاهرة، حتى إنه كان له دور رائد فيها (“نادي روما”)، في المغرب والعالم العربي والعالم المتوسطي.
مستقبليات، حتى إنه صادفنا، ذات ليلة مغربية صيفية، في أحد الفنادق، عازفَ العود العراقي منير بشير وانا، في وقت متأخر من الليل، وبصحبتنا ما لذ وطاب من المأكل والمشرب، فكان أن طالب بشير بأن يحدثنا
عما سيكون عليه العزف في العام 2000.
وانتهى هذا الحوار الليلي بأن أخبرنا أنه اكتشفَ، ليلة صدور نتائج إحدى الانتخابات النيابية في المغرب، أن إحصاءات وزارة الداخلية فاقت بنِسَبها “المفبركة” اعداد المقترعين.
المستقبلي (كما تعلمت منه) ليس عرّافا، ولا مُبَشرا إيديولوحيا، وإنما من يُحسِن قراءة الراهن، ومن يُحسِن المراهنة المرفقة بالتخطيط…
لهذا كان يبدو المنجرة. في أحوال وأحوال، في المغرب أو في باريس (حيث التقينا مرات ومرات)، حزينا، غاضبا، وناقما… كما لو أن ما يتكلم عنه (عن لزوم بناء المستقبل) لا يَلقى من مزامنيه، لاسيما من أهل الحكم والقرار، الصدى المناسب.
أذكرُ هذا، لأنني وقعتُ قبل أيام، في دراسة عن “صدام الحضارات” لصموئيل هنتغتون (1996)، على إشارة حيية إلى المنجرة. ثم انتبهتُ إلى أن البروفسور المغربي تحدثَ قبل هنتغتون، في كتاب بالعربية: “الحرب الحضارية الاولى” (1991، دار توبقال المغرببة)، عن حرب حضارية في معرض حديثه عن حرب الخليج: أليس هذا بعض من هذا؟
وماذا عن كتاباته عن “العولمة الجشعة”، وعن عهد “الميغا إمبريالية” (اي الإمبريالية المتعاظمة)؟
وماذا كان للمنجرة أن يقول في طبيعة الحرب الدائرة، المفتوحة منذ سنتَين، فوق أرض فلسطين وفي جوارها؟ أليس في هذه بعض من ملامح حرب حضارية أخرى؟