توماس هوبز: من الحالة الطبيعية إلى بناء السلطة السياسية

دينبريس
2024-12-21T08:03:50+01:00
آراء ومواقف
دينبريسمنذ 3 ساعاتآخر تحديث : السبت 21 ديسمبر 2024 - 8:03 صباحًا
توماس هوبز: من الحالة الطبيعية إلى بناء السلطة السياسية

خديجة منصور
يعد توماس هوبز من أعظم المفكرين الذين ساهموا في تأسيس الفعل السياسي في الفلسفة الحديثة، حيث كانت أفكاره حجر الأساس للكثير من المفاهيم التي شكلت الفكر السياسي المعاصر، لفهم أبعاد هذا التأسيس الفكري، لابد من الوقوف على السياق الفكري الذي نشأ فيه هوبز، والذي كان يشهد مرحلة من إعادة التفكير في أسس المعرفة والسلطة، ففي الوقت الذي سعى فيه الفلاسفة إلى تجديد الأسس الفكرية، كانت الطبيعة تتبوأ مكانة مركزية في فلسفة هوبز، حيث اعتبرها مرجعية أساسية للفعل السياسي، وذلك من خلال إحداث تحول في كيفية فهم الإنسان لطبيعته وعلاقته بالسلطة.

في الفلسفة القديمة كانت الطبيعة تعتبر مرجعية لفهم النظام السياسي والاجتماعي، إذ كان الفلاسفة اليونانيون يعتمدون على مفهوم التراتبية الطبيعية بين الكائنات، بما في ذلك الإنسان، إلا أن فلاسفة الحداثة مثل هوبز وديكارت، بدأوا في تجاوز هذه التراتبية والتركيز على المساواة الطبيعية بين جميع البشر، بالنسبة لهوبز فإن الطبيعة تمنح الإنسان ملكة الروح بشكل متساوٍ، مما يعني أن البشر ليسوا مختلفين جوهريا في قدراتهم الفكرية أو الجسدية، وأكد هوبز في كتابه “التنين” (Leviathan) أن أي تمايز بين الأفراد لا يمكن أن يمنح أحدا الحق في الهيمنة على الآخر. وبالتالي، تبقى المساواة في الحقوق الطبيعية هي الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة السياسية.

رغم أن هوبز يعتبر أن البشر متساوون في الطبيعة، إلا أن هذا لا يعني غياب الصراع بسبب تساويهم في الرغبات والأهداف، إلى التنافس على تحقيق مصالحهم الشخصية، هذا الصراع الطبيعي بين البشر هو الذي يخلق الحاجة إلى السلطة السياسية التي تضمن السلام والأمن ومن هنا، يصبح السؤال الرئيسي في فلسفة هوبز هو: كيف يمكن الخروج من هذا الصراع الطبيعي؟

يرتبط الحل في نظر هوبز بالعقد الاجتماعي الذي يوافق فيه الأفراد على التنازل عن حقوقهم الطبيعية لصالح حاكم قوي يستطيع فرض النظام وحماية الجميع، فالعقد الاجتماعي ليس مجرد اتفاق بين الأفراد على تنظيم حياتهم، بل هو أساس لشرعية السلطة، الحاكم في فلسفة هوبز لا يعتبر طرفا في هذا العقد، بل هو الذي يمثل السلطة العليا، وهي السيادة التي تأتي من الشعب وليس من خارج المجتمع. السيادة هي “روح” الجسم السياسي، وتنبع من التفاهم الجماعي الذي يحقق استقرار المجتمع ويحفظ حقوق الأفراد.

لا تقتصر فلسفة هوبز على تعريف السلطة، بل تركز على مبدأ المشروعية السياسية، فالمشروعية لا تستمد من الحاكم نفسه بل من قدرة السلطة على توفير الأمن والطمأنينة لجميع المواطنين في هذا السياق، أكد هوبز أن الحاكم لا يتقيد بعقده الاجتماعي، بل هو مستمد من الشعب، الذي يقرر تفويضه بالسلطة المطلقة لتحقيق مصلحة الجميع. السلطة في هذه الحالة هي سلطة لا تعرف القيود وهي ضرورية لضمان الأمن الداخلي والخارجي، فالحاكم يمارس سلطته في تنظيم الحقوق وتحديد القوانين التي تحفظ النظام، دون أن يكون ملزما بأي قيود قانونية، بل تقتصر مسؤوليته على تحقيق السلم الأهلي.

وفي هذا السياق تطرح فلسفة هوبز سؤالا أساسيا حول وظيفة السلطة: هل السلطة تتمثل في مجرد تأكيد الحقوق الفردية؟ أم أنها تهدف إلى ضمان الأمن الجماعي من خلال فرض النظام؟ بالنسبة لهوبز السلطة هي التي تضمن النظام الاجتماعي والسياسي وتستند إلى حماية الحقوق الأساسية، خصوصا الحق في الحياة، وهو الحق الذي يجب على الحاكم الحفاظ عليه بأي ثمن.

من خلال هذا العقد الاجتماعي، تتجسد فكرة الدولة الحديثة التي لا تستند فقط إلى إرادة الفرد بل على توافق جماعي، إن سيادة الدولة بالنسبة لهوبز ليست فقط في كونها السلطة القادرة على فرض النظام، بل في قدرتها على الحفاظ على الأمن والحياة المدنية، هذا النوع من الدولة يجب أن يكون قويا بما فيه الكفاية ليحمي المجتمع من التهديدات الداخلية والخارجية، وبالتالي يصبح الحاكم صاحب السلطة المطلقة الذي لا يتقيد إلا بمصالح الجماعة.

يمكن القول إن توماس هوبز قد وضع الأسس لفهم جديد للسياسة يقوم على ضرورة وجود سلطة قوية وموحدة، هذه السلطة تستمد مشروعيتها من العقد الاجتماعي الذي يربط بين الأفراد والمجتمع، ويظل الحاكم هو الممثل الأسمى لهذا العقد، الذي يضمن الأمن والاستقرار ويحمي الحقوق الأساسية، من خلال هذه الرؤية، يمكننا أن نفهم كيف أسس هوبز للفكر السياسي الحديث، وجعل من السيادة والسلطة المطلقة مفهومين أساسيين لضمان استمرار المجتمع وحمايته من الفوضى والصراع الطبيعي.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.