د. محمد وراضي
الحرب بمدلولها العام، مواجهة مسلحة بين طرفين… أو بين قبيلتين.. أو بين دولتين… أو بين دول. والنتيجة في كل الأحوال قتلى، ومعطوبون، ومفقودون، ودمار، مع العلم بأن الحديث عن الحروب الغاشمة شيء، وبأن الحديث عن الحروب العادلة شيء آخر -كدفاعنا نحن المغاربة منذ أزيد من أربعة عقود عن صحرائنا المسترجعة – لكنه في الحالتين كلتيهما نجد الشعوب هي التي تدفع تكاليفهذه الحروب الباهظة. والتكاليف تتمثل في الأرواح والدور والمدارس والكليات والقناطر، والمطارات، ومختلف أنواع الأسلحة، والمعامل، والإدارات، والتجهيزات، والأدوات، والمصانع ودور العبادة من كنائس وبيع ومساجد.
مع اليقين التام بأن تكاليف الحروب جميعها، لا يدفعها غير الشعوب، فمن أموالها تشترى الأسلحة أو تصنع، ومن أموالها يتقاضى الجنود مخصصاتهم الشهرية، كانوا من كبار الضباط، أو من صغارهم، أو كانوا من الجنود العاديين. فالأموال المذكورة قبله مصدرها ما تملكه الشعوب من خيرات برية وبحرية وجوية، وما يعد من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ونفس النفقات الضرورية لإصلاح ما تم هدمه أو إفساده.
وعندما نتحدث عن الحروب الغاشمة، فإنما نتحدث عن الحروب التي تضطر الشعوب إلى خوضها، متى فرضت عليها من معتدين يسيل لعابهم على خيراتها، كما سال لعاب حكام الجزائر الظلمة على مياه المحيط الأطلسي. فالمغاربة والجزائريون وبقية إخواننا العرب والمسلمين– كمجر مثال – اضطروا إلى الدخول في تلكالحروب مع الغزاة الغربيين. فالجزائريون دخلوا فيها مع المستعمرين مرتين: مرة مع بدايتهم لغزوهم كجيران لنا. وكان أن وجدوا فينا مساندين مخلصين – والأحداث التاريخية الموثقة لا يمكن حذفها بجرة قلم – إلى حد أننا لإصرارنا على مساعدتهم، تعرضنا لأحداث تحملنا نتائجها لما يقرب من قرنين، نقصد من عام 1830م إلى عام 2022م، ومن خلال دفاعنا عن جيراننا منذ تعرضهم للاحتلال الأجنبي، ومن خلال دفاعنا عنهم، في الوقت الذي بدأت فيه مقاومتهم للاستعمار، لم نشعر قط باطمئنان ذي بال، إلا لمدة قصيرة حينما حصلنا على استقلالنا، ورفضنا عن حسن نية أخذ حقوقنا من أراضينا المغتصبة مباشرة من المحتلين الفرنسيين. وحسن نيتنا القاضي بحل المشكل مع جيراننا بعيدا عن الاستعمار، أوصلنا إلى الوضعية الحالية منظورا إليها من زوايا سياسية متعددة، يعرفها الخاص والعام في العالم برمته. يكفي أنها برزت واضحة جلية في آخر مؤتمر عربي بالجزائر، حيث تولى وزيرنا في الخارجية إزالة الغطاء عما سعى الحكام العسكريون الجزائريون إلى إسدال الستار عنه، لكن السيد بوريطة المتألق فضح ما لا بد من فضحه؟
يعني أنه يجمعنا مع جيراننا رفضنا للاستعمار منذ أقدم العصور، كما يجمعنا النهوض ضده للتخلص منه، كما يجمعنا معهم السعي إلى الحصول على الاستقلال والحرية، فهل حصلنا فعلا عليهما بعد دفع ثمنهما من أرواحنا ودمائنا؟
ومن باب احترام الواقع التاريخي، التسليم بأن حريتنا واستقلالنا نحن وجيراننا لم يكتملا حتى الآن؟ فنسبيتهما أدركت ذروتها التي وقفت عندها. فالذي يجمعنا طمس متعمد لهويتنا الإسلامية من ناحية، وتعلقنا بعلمانية مستوردة من ناحية ثانية، مع حديثنا عن مجاهد أكبر في تونس والمغرب؟ ناسين أو متناسين بأن المجاهد في ثقافتنا الدينية الموروثة، هو من يبدي استعداده ويعمل إلى حد عزمه علىالاستشهاد لرفع راية الإسلام عالية؟ أما من يبذلون جهودهم لإلغاء شريعة الله على المستويين النظري والعملي، فأبعدهم عن الانتصار للإسلام بعد السماء عن الأرض؟؟؟
فالرئيس التونسي: حبيب بورقيبة كمجرد مثال، أكثر صراحة من قادة العالم العربي في امتداح النظام المستورد الذي فرضه علينا الاستعمار من جهة، وأكثر جرأة على التنكر لأساس هويتنا الذي ورثناه أبا عن جد من جهة ثانية؟ بحيث إن رسولنا الذي جاء بآخر الأديان السماوية فينظر بورقيبة، مجرد ناقل لخرافات ولأساطير سائدة في الصحراء العربية! مع افتخار هذا الرئيس المنحرف عن جادة الصواب بإنجازاته التي تدين الإسلام بالسخرية منه، دون أن يتمكن عبر هذه الإدانة من وضع تونس على سكة التقدم والازدهار والرقي. فالغرب في بلده كالغرب في أغلب الدول العربية يصدر لتستهلك شعوب هذه الدول ما يصدره؟ يعني أنه لم يفلح في تجاوز الاعتماد على الغير، إلى الاعتماد على الذات؟
ولم يكن المسؤولون مباشرة عن حماية حريتنا واستقلالنا وضمانهما مهمومين بالخوف على إهمالهما، وإن كان هؤلاء المسؤولون غير متساوين في حمل هم التقدم بشعوبنا إلى الأمام، فمن صادق إلى ملتو كذاب ماكر، يعني أن هؤلاء بالذات ضد الحرية وضد القفز إلى الأمام بشعوبنا المضطهدة المكلومة.
فكان أن حصلت التصادمات واشتدت المواجهات بين من تسلموا من الاستعمار زمام أمورنا، بحيث إنهم أذعنوا له أضعاف أضعاف اذعانهم لتطلعات شعوبنا، فاشتدت الميولات إلى التخلص من المعارضين للأنظمة الوليدة، المقتدية بالاستعمار من حيث قيامه على الاستغلال والنهب، دون ما إدخال مفهوم العدل والمساواة في الحسبان؟ فاتجه حكام ما بعد الاستعمار إلى ترسيخ مطامحهم في الهيمنة على أرض الواقع، ولإبقائهم على تطلعاتهم التي لم تعتمد في تحقيقها على الشعوب، فكان أن قللت من ميزانية القطاعات المنتجة، وضخمت الميزانية التي يضمن من تصرف إليهم حماية الأنظمة القائمة، سميناها ليبرالية، أو سميناها اشتراكية.
وهكذا يتم الابتعاد عن التمتع بالحرية والاستقلال. هذان المبدآن اللذان تمتعت بهما طائفة حراس الأنظمة، من ضباط الجيش، ومن ضباط الأمن الداخلي، دون استبعاد الوزراء عن نيل أكبر قدر ممكن من الغنائم، التي لم يكن لهم في الحصول عليها دور المجاهدين من أبناء الشعب الذين خاب أملهم في الاستقلال والحرية المطلوبين المشروعين، بينما الشعب كله محروم مما هو عائد إليه بحكم جائر هو تخصيص ميزانية ضخمة، إما للمشاركة في حروب خارجية، وإما لمحاولات كبح جماح المعارضين، إن كانوا وراء قيام منظمات سرية أو لم يكونوا وراء قيامها؟
المصدر : https://dinpresse.net/?p=19177