11 سبتمبر 2025 / 19:35

تقرير عن كتاب “إمارة المؤمنين ودورها في تحقيق الحياة الطيبة: منطلقات التأصيل ومقومات التنزيل”

إعداد الدكتور أمين انقيرة
صدر للباحثين الدكتور أمين انقيرة إمام مرشد بالمجلس العلمي المحلي بمراكش، والدكتور ياسين بن روان عضو المجلس العلمي المحلي بالعيون كتاب بعنوان: “إمارة المومنين ودورها في تحقيق الحياة الطيبة منطلقات التأصيل ومقومات التنزيل” في مجلد عدد صفحاته 400.

وافتتح هذا العمل بإهداء لأمير المومنين جلالة الملك محمد السادس أعزه الله، واختتم ببرقية الولاء.

ومما ورد في مقدمة الكتاب: ” إن هذه الاختيارات المغربية في التدين أعطت للمغرب نموذجا يقتدى به في التبليغ الصحيح لأحكام الدين ليكون مسددا موجها توجيها صحيحا يراعي الحيثيات والظروف، يتسم بالمرونة والنظر للمآلات .

وإن أول اختيار صان الهوية الدينية للمغرب هو المذهب الأشعري، وهو مذهب أبي الحسن الأشعري في الحفاظ على العقيدة الأشعرية ؛ وهي عقيدة أهل السنة والجماعة التي جمعت بين الأصول النقلية والاختيارات العقلية، ونهجت المنحى الوسطي في التقرير العقدي مجانبة أهل الأهواء من المشبهة والنفاة، وهي عقيدة تربينا على الوسطية والاعتدال وعدم تكفير الناس بالذنب ما لم يستحله وينكر أصلا من أصول الدين؛ فترتب عن هذا ترسيخ الاعتقاد الأشعري لدى المغاربة علماء وشيوخا وعامة، لأن أبا الحسن الأشعري رحمه الله ما ابتدع عقيدة جديدة ولا نسبها لنفسه، بل دافع عن العقيدة الإسلامية الصحيحة بالنصوص الصريحة مستثمرا آليات الحجاج الكلامي التي لا تخالف أصول الدين؛ فكان مجدد القرن الرابع الهجري.

أما الاختيار الثاني الذي يشكل نواة الحياة الطيبة وهو المذهب المالكي للإمام الحجة مالك بن أنس رحمه الله؛ فإنه مذهب تشكل في المدينة فجمع صاحبه السر النبوي والإرث الذي تركه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لدى الصحابة ومن بعدهم التابعون رضوان الله عليهم أجمعين، ولعل ما يميز المذهب أصوله العامة التي جعلته قابلا للانتشار في كل الأقطار مستوعبا للنوازل والمستجدات لجمعه بين الأصول النقلية والعقلية.

لقد حرص المالكية على الأخذ بالأحوط في مسائل العبادات لتشبثهم بالكتاب والسنة النبوية، مع المرونة في قضايا المعاملات مما جعل المذهب يستوعب الكثير من قضايا المعاملات وينسجم مع مستجدات كل عصر.

أما الثابت الثالث؛ فقد تجلى في التربية الروحية وتزكية القلوب، لأن صلاح القلوب يؤدي لصلاح الأعمال والجوارح؛ فالتزم أهل المغرب بطريقة الجنيد السالك في مسائل التربية والتزكية، فانتشر التصوف السني بكل طرقه من بلاد المغرب حتى قيل ” إذا كان المشرق بلاد الأنبياء فإن المغرب بلاد الأولياء”، إنه ثابت يؤكد على أمور ثلاثة:

أولا: التخلية،  وهي التخلي عن الرذائل وكل ما حرمه الله من الأقوال والأفعال  الظاهرة والباطنة، وتجنب أمراض القلوب.

ثانيا: التحلية، وهي الالتزام بما أمر الله به من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة من القول الحسن والفعل الحسن.

ثالثا: التجلية، وهي النتيجة المتجلية أساسا في مقام الإحسان، أن يصل العبد لمرتبة يحس العبد بأنه يرى الله؛ فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، إنها ثمرة الإيمان والعمل الصالح الموصل للحياة الطيبة في الدنيا، وبالتالي يتحقق الدين للحياة.

وكان نظام إمارة المؤمنين بالمملكة المغربية الشريفة هو الضامن لوحدة هذه الاختيارات حراسة لأصولها، وتنزيلا لمقتضياتها عقيدة، وفقها، وسلوكا، تحقيقا لمقومات الحياة الطيبة وتسديدا للتبليغ حتى يكون تدين المغاربة وسطيا ووسطا، كما قال تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).

لقد راكمت المملكة المغربية الشريفة تجربة مهمة نقلت بالتواتر عبر المشيخة العلمية في التدين الوسطي في الأصول والفروع وتوارثه العلماء والفقهاء؛ فأنتج لنا تنزيل مبادئ الدين بفهم مغربي أصيل جمع بين النقل والعقل ومستجدات العصر، في العقيدة، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، والحياة العامة، وتعزيز الهوية الدينية المغربية وصونها من كل الانحرافات ومظاهر التطرف والتشدد.

إن السبيل إلى هذه الحياة هي الجمع بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح ، الإيمان الذي يبني للمؤمن شخصية ذات شعور قوي بمعنى الحياة من لدن بارئها، حياة تمثل باطني عميق لتوحيد الله وما يترتب عنه من التحرر من سلطة الأغيار البشرية والمادية، تحررا مرهونا بالوقاية من شح النفس بغاية القدرة على محاسبتها وجعلها لوامة ثم مطمئنة، ويمكن شرح شح النفس في فهم هذا العصر بنعت ” الأنانية “، فالتخلص من ” الأنانية ” بالتزكية أي القدرة على المحاسبة، يتأتى من خلال حياة إقامة الصلاة والالتزام بثمراتها في الانتهاء عن الفحشاء والمنكر والبغي الذي استعرضنا جل مظاهره، وهي حياة العمل الصالح الذي يبدأ بالحرص على إيتاء الزكاة ويمتد إلى أنواع البذل والعطاء، وإلى التواصي بالحق ابتداء من أداء حقوق النفس وحقوق الغير بمختلف مستوياتها، والتعاون على البر والتقوى، والعيش في جو من الذكر والشكر، وكل هذا يجمعه قول عمار رضي الله عنه: ” ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك  وبذل السلام للعالم والإنفاق من إقتار”.

لقد راكمت المملكة المغربية الشريفة تجربة مهمة نقلت بالتواتر عبر المشيخة العلمية في التدين الوسطي في الأصول والفروع وتوارثه العلماء والفقهاء؛ فأنتج لنا تنزيل مبادئ الدين بفهم مغربي أصيل جمع بين النقل والعقل ومستجدات العصر، في العقيدة، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، والحياة العامة، وتعزيز الهوية الدينية المغربية وصونها من كل الانحرافات ومظاهر التطرف والتشدد”.

ومن أهداف البحث:

ـ إبراز عناية إمارة المؤمنين منذ عهد الدولة الإدريسية إلى عهد الدولة العلوية الشريفة بالتدين المغربي.
ـ بيان الخصوصية المغربية في الاختيارات المغربية في التدين والتمذهب .
ـ ربط الثوابت الدينية للمملكة المغربية الشريفة بخطة تسديد التبليغ.
ـ استقراء العناية المولوية السامية لمولانا أمير المؤمنين محمد السادس بترشيد التدين المغربي القائم على الوسطية والاعتدال .
ـ بيان أن خطة تسديد التبليغ هي منطلق أساسي لتحقيق المواطنة الصالحة وترسيخ الأمن الروحي.
ـ بيان الخصائص العامة للحياة الطيبة المشروطة بالإيمان الصادق والعمل الصالح كما ذكر الله تعالى في الذكر الحكيم.

وتم تقسيم البحث إلى ثلاثة فصول:

فالفصل الأول: في  الحياة الطيبة وثمرات العبادة: وتضمن الحديث عن:  مفهوم الحياة الطيبة، ومفهوم ثمرات العبادة، وثمرات الإيمان في حياة الإنسان، والحياة الطيبة ثمار وتجليات، وتضمن هذا الأخير: حقيقة الحياة الطيبة وأسبابها، والدين والذكر، وذكر الله وأثره في تحقيق الحياة الطيبة من مدخل الطمأنينة، وذكر الله وأثره في تحقيق الحياة الطيبة من مدخل التزكية، والصلاة وأثرها في تحقيق الحياة الطيبة، تجليات الحياة الطيبة في ظلال السيرة النبوية، وفيه: مشهد بدء الوحي، ومشهد غزوة بدر الكبرى، ومشهد الهجرة النبوية، ومشهد بيعة الرضوان ومشهد خروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ومشهد الإسراء والمعراج، ثم أثر الذكر في تربية النفس ومحاسبتها، وهداية آيات سورة الجمعة وثمارها.

بعد ذلك تم الحديث عن أثر الأركان الخمسة في تحقيق الحياة الطيبة: وفيه:

أولا: التوحيد
ثانيا: الصلاة
ثالثا: الزكاة
رابعا: الصيام
خامسا: الحج

ثم بعد ذلك تم ذكر نماذج من أنشطة المجالس العلمية والأعمال الأخرى: وهي إجمالا:

التدين السليم سبيل الحياة الطيبة
إسهام الخطيب والإمام في تبليغ الدين وترسيخ قيمه من أجل تحقيق الحياة الطيبة
الصيام ودوره في بناء الإنسان
المرأة المغربية العالمة ودورها في إرساء مقومات الحياة الطيبة
إمارة المومنين وترسيخ القيم الدينية والوطنية سبيل إلى الحياة الطيبة
حماية دعائم الأسرة من أجل تحقيق الحياة الطيبة
حضور علماء المغرب في الحياة العامة وسبل تعزيزه لتحقيق الحياة الطيبة
الحركة العلمية بإقليم شيشاوة وجهود أعلامها في تحقيق الحياة الطيبة الإمام أبو علي الشوشاوي نموذجا
أثر القيم الإسلامية في ترسيخ الهوية وتحقيق الحياة الطيبة عند الشباب
منهجية التبليغ وأثرها في تحقيق الحياة الطيبة
الثوابت الدينية للمملكة المغربية الشريفة ودورها في ترسيخ الحياة الطيبة
الحياة الطيبة في ضوء مقاصد الشريعة
ينابيع الحياة الطيبة (ديوان)

والفصل الثاني: في ذكر  جهود أمير المومنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله في تحقيق الحياة الطيبة: وتضمن ما يلي:

عناية أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس بالشعائر الدينية
عنايته نصره الله بالمساجد:
حرصه نصره الله على أداء صلاة الجمعة بمختلف مدن المغرب
إحياؤه نصره الله لليلة المولد النبوي الشريف كل سنة
إحياؤه نصره الله لليلة القدر كل سنة
أداؤه نصره الله لشعيرة عيدي الفطر والأضحى
عنايته نصره الله بشعيرة الحج
عنايته نصره الله بالمدارس العتيقة
عنايته نصره الله بتنظيم الفتوى
عنايته نصره الله بالزوايا الصوفية
عنايته الخاصة نصره الله بالقيمين الدينيين
عنايته نصره الله بمصادر الوحي
تشجيعه نصره الله للكفاءات من خلال الجوائز المختلفة

والفصل الثالث: في رعاية أمير المومنين نصره الله لمشروع التبليغ من أجل تحقيق مقومات الحياة الطيبة: وتضمن ما يلي:

الحياة الطيبة وتسديد التبليغ
خطة تسديد التبليغ
أمانة التبليغ تأصيلا وتنزيلا
الدين للحياة
يوميات الإرشاد: الإيمان والعمل الصالح وثمراتهما في الحياة الطيبة
إعلان الخطب الموحدة وموضوعاتها
التبليغ والتأسيس للإيمان
موضوعات الاهتمام ضمن خطة تسديد التبليغ لتحقيق الحية الطيبة الموعودة:

وتضمن 13 موضوعا:

1- الحرص على الالتزام بثوابت الأمة في العقيدة والمذهب والسلوك وإمارة المؤمنين
2- الحرص على أداء حقوق الله، وحقوق النفس، وحقوق الغير:
3- العطاء في سبيل الله من القليل والكثير:
4- الحرص على أكل الحلال:
5- العمل بالسنة في الاقتصار على أخذ علم الدين من العلماء العدول
6- بناء الحياة الأسرية على السكينة والمودة والفضل والرحمة:
7- تربية الأولاد على أخلاق الدين وعلى المسئولية في الحياة
8- الحرص على تجنب التهلكات:
9- تجنب الإسراف بجميع أشكاله
10- تجنب الإفساد في الأرض ومراعاة حرمات الله في جميع أنواع خلقه
11- محبة الوطن
12- الانخراط في الشأن العام
13- الحرص التام على العمل وفق القوانين المنظمة لحياة الناس والخادمة للمصالح العامة للأمة

وختم الفصل بنماذج من الخطب المنبرية في موضوع الحياة الطيبة: وتم الاقتصار منها على ما يلي:

الحياة الطيبة بين الإيمان والعمل الصالح
محاسبة النفس سبيل إلى الحياة الطيبة
التوبة النصوح تزكية للنفس وسبيل للحياة الطيبة
سبيلنا إلى الحياة الطيبة

وقدم للعمل فضيلة الدكتور الأستاذ عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج.

حفظ الله مولانا أمير المومنين، وحامي حمى الملة والدين، جلالة الملك محمد السادس وأدام عزه ونصره، وأدامه لهذا الوطن منارا عاليا وسراجا هاديا، وأبقاه ذخرا وملاذا لهذه الأمة، وأقر عين جلالته بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل المولى الحسن، وشد عضده بصنوه السعيد مولاي رشيد، وفي كافة أسرته الملكية الشريفة، إنه سميع مجيب.

ورحم الله الملكين الراحلين؛ مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، وطيب ثراهما، وجعل روحيهما في أعلى عليين مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين.