نشر مركز الأبحاث البريطاني “ثيوس” (Theos) تقريرا موسعا حول النقاشات المحتدمة في المملكة المتحدة بشأن المساعدة على الموت (Assisted Dying)، وخصص تحليله لتفكيك ما وصفه بـ”الجانب المظلم” في هذا النقاش، والمتمثل في محاولات إقصاء أو التشكيك في المساهمات الدينية داخل المجال العمومي، خصوصا حين يتعلق الأمر بقضايا حياتية وأخلاقية مصيرية.
وقد جاء التقرير ليعيد الاعتبار للفكر الديني بوصفه طرفا شرعيا في النقاش الفلسفي والسياسي حول السياسات العامة، لا سيما تلك التي تمس معنى الكرامة والموت والحرية.
انطلق التقرير من ملاحظة مركزية مفادها أن الخطاب السائد في بعض الأوساط المؤيدة لتقنين المساعدة على الموت يتسم بنزعة إقصائية تجاه الرؤية الدينية، إذ تقدم المواقف المستندة إلى الدين على أنها غير عقلانية، أو متحجرة، أو غير قابلة للتكيف مع منظومة القيم الليبرالية.
وقد صنّف التقرير هذه النظرة الإقصائية في أربع مستويات من النقد الموجه إلى الفاعلين الدينيين:
ـ اتهام الاعتقاد الديني بالقصور الفكري أو التشويه الفلسفي.
ـ اعتبار المواقف الدينية غير مرنة، وعاجزة عن التكيف أو التوصل إلى حلول وسط.
ـ اعتبار المعتقد الديني غير صالح أو غير مقبول ضمن الإطار السياسي العلماني الحديث.
ـ التشكيك في صدق نوايا الفاعلين الدينيين، واعتبار دوافعهم الحقيقية خفية أو مضللة.
وردا على هذه الانتقادات، دافع تقرير “ثيوس” عن أحقية الدين في التأثير على القرارات السياسية، وبين أن المواقف السياسية لا تصدر من فراغ، بل تتأسس على منظومات فلسفية أو رؤى كونية، سواء كانت دينية أو علمانية.
وخلص إلى أن السؤال الصحيح لا ينبغي أن يكون “إلى أي حد تؤثر معتقداتك الدينية على قراراتك؟”، بل “ما هي الرؤية الكونية التي تشكل منطلق قراراتك السياسية؟”.
وأبرز التقرير أن المساهمات الدينية في النقاشات الأخلاقية حول المساعدة على الموت غالبا ما تتأسس على تصورات عميقة للكرامة الإنسانية، وعلى معاني جوهرية حول الألم، والمعاناة، والغرض من الحياة والموت.
كما شدد على أن رفض المساعدة على الموت لا يعكس بالضرورة موقفا جامدا، بل يقوم غالبا على حجج أخلاقية متماسكة تستحق التقدير والنقاش الجاد، عوض أن تقصى أو تهاجم فقط لأنها تستند إلى خلفية دينية.
وأشار التقرير إلى أن هذا الاستبعاد المنهجي للأصوات الدينية من المجال العمومي يشكل خطرا على نوعية النقاش الديمقراطي، إذ يفرغ النقاش من التنوع الفلسفي الذي يفترض أن يكون حجر الأساس في مجتمع تعددي.
كما اعتبر أن هيمنة المنطق النفعي أو الفرداني لا يجب أن تقود إلى تقنين المساعدة على الموت دون تمحيص عميق للآثار المجتمعية، خصوصا على الفئات الهشة، مثل المرضى المزمنين وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
ودعا مركز “ثيوس” إلى إعادة الاعتبار للنقاش الأخلاقي المتعدد المرجعيات، ورأى أن ما ينبغي أن يحكم النقاش العمومي هو قوة الحجة ومنطقها، وليس مرجعية المتكلم أو تصنيفه المسبق، فسواء أكانت الحجة نابعة من خلفية دينية أو علمانية، فإن معيارها الأهم هو اتساقها الفكري، ومساهمتها في إغناء الفضاء العمومي حول واحدة من أكثر القضايا حساسية في السياسات المعاصرة: الحق في الحياة والموت.
وقد نُشر التقرير بالتزامن مع اقتراب موعد عرض مشروع قانون المساعدة على الموت في مجلس العموم البريطاني يوم 13 يونيو 2025، تمهيدا للتصويت عليه في 20 من الشهر ذاته، مما يمنح خلاصات التقرير أهمية استراتيجية في التأثير على توجهات الرأي العام وصانعي القرار.