سعيد الزياني ـ دين بريس
أصدر منتدى الإيمان والمعتقد (Faith and Belief Policy Collective) بشراكة مع جامعة كامبريدج وجامعة غولدسميث في لندن، تقريرا جديدا بعنوان “Housing with Values” في أكتوبر 2025، يدعو إلى دمج البعد القيمي والديني في سياسات الإسكان البريطانية، لبناء مليون ونصف وحدة سكنية خلال خمس سنوات.
وتندرج الوثيقة، التي شارك في إعدادها البروفيسور كريستوفر بيكر من جامعة غولدسميث والدكتورة أيونا هاين من جامعة كامبريدج، ضمن سلسلة أوراق السياسات التي يصدرها المنتدى لتعزيز حضور فاعلي الإيمان والمعتقد في صناعة القرار العام.
ويؤكد التقرير أن أزمة السكن في المملكة المتحدة لا يمكن معالجتها بالأرقام والمشروعات العمرانية وحدها، بل تتطلب إدماج قيم الانتماء والمجتمع والكرامة في تخطيط المدن الجديدة.
ويشير إلى أن أكثر من 1.3 مليون أسرة لا تزال على قوائم الانتظار للسكن الاجتماعي، وأن 160 ألف طفل يعيشون في مساكن مؤقتة، ما يجعل من الضروري إعادة التفكير في فلسفة الإسكان.
ويقترح التقرير إنشاء فريق عمل خاص بالأديان ضمن مشروع المدن الجديدة (New Towns Faiths Taskforce) لتمكين المجتمعات الدينية من المساهمة في تصميم وتنفيذ البرامج السكنية.
ويستند إلى تجربة تاريخية بريطانية غنية، مثل مجتمعات سالتير وبورنڤيل وبورت سنلايت، التي أسسها صناعيون متدينون جمعوا بين البعد الاقتصادي والاجتماعي والديني في تخطيط مدنهم، حيث لم يقتصر اهتمامهم على توفير المساكن بل أضافوا إليها الكنائس والمدارس والحدائق ومساحات اللقاء العام.
ويرى معدو الوثيقة أن هذه النماذج ما زالت ملهمة لإعادة بناء مفهوم “العيش المشترك” في المدن الحديثة.
كما يحذر التقرير من اختزال التنمية في البنية المادية، إذ إن غياب “البنية الاجتماعية والثقافية” يؤدي إلى مشكلات كالعزلة وضعف التماسك وارتفاع كلفة الرعاية الاجتماعية.
ويدعو إلى أن تشمل الخطط المستقبلية فضاءات دينية وثقافية مفتوحة لجميع المعتقدات، مع تشجيع نماذج تخطيط تشاركية تجمع السكان القدامى والجدد حول قيم مشتركة.
ويطرح التقرير أربع مقاربات تخطيطية حديثة: التخطيط ما بعد العلماني الذي يعترف بدور الإيمان في المجال العام، والتخطيط التقاطعي الذي يربط الدين بالعوامل الاجتماعية الأخرى كالجندر والطبقة، والتخطيط التحويلي الذي يركز على بناء التضامن والرفاه، والتخطيط ما دون البنية الذي يعنى بإحياء ثقافة الجوار والمشاعات والضيافة إلى جانب البنية التحتية المادية.
ويختتم التقرير بدعوة الحكومة البريطانية إلى تأسيس “فريق عمل الأديان للمدن الجديدة” بتمويل مشترك بين الدولة والمنظمات الدينية، وتضمينه في الإطار الوطني للسياسات التخطيطية، لضمان حضور حقيقي للأديان في التنمية الحضرية.
ويوصي بإدراج التدريب الديني والثقافي في برامج التخطيط، وبناء شراكات مؤسسية دائمة بين الجهات الحكومية وممثلي الإيمان والمجتمع المدني.
وتسعى وثيقة “Housing with Values” إلى إحداث تحول نوعي في التفكير العمراني البريطاني، من مقاربة تركز على الإسكان بوصفه مأوى، إلى تصور أشمل يعتبر السكن فضاء للقيم، والمجتمع شريكا في البناء، والمدينة إطارا للتعايش والكرامة الإنسانية.