31 أغسطس 2025 / 22:27

تفكيك الاختزال: رد على مقال جريدة لوموند حول المؤسسة الملكية والإسلاميين

د. عبد الحي السملالي

في مقاله المنشور بتاريخ 31 غشت 2025، حاول كاتب جريدة لوموند رسم صورة عن علاقة الملك محمد السادس بالدين والإسلاميين، ورغم أن المقال يطرح نقاطا تستحق التأمل، إلا أنه ينزلق في بعض المقاطع نحو اختزال لا يُنصف تعقيد النموذج المغربي، ولا يُراعي خصوصية العلاقة بين الملكية والشعب.

 

الاحتكار أم التنظيم؟

حين يصف المقال الملك بأنه “يحتكر المجال الديني”، فإنه يُغفل أن إمارة المؤمنين ليست سلطة فردية، بل منظومة مؤسساتية تشمل المجالس العلمية، وزارة الأوقاف، وهيئات الإفتاء. هذا “الاحتكار” المزعوم هو في الواقع تنظيم عقلاني للشأن الديني، يهدف إلى حماية المجتمع من فوضى الفتاوى وتسييس العقيدة، لا إلى فرض وصاية روحية.

 

الملك والإسلاميون: علاقة أكثر تعقيدا من الصراع

يُقدّم المقال الملك وكأنه في مواجهة مباشرة مع الإسلاميين، متجاهلا أن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية نفسها اعترفت بشرعية إمارة المؤمنين، وشاركت في الحياة السياسية ضمن هذا الإطار. الصراع ليس بين الملك والدين، بل بين مشروع ديني مؤسسي ومشاريع أيديولوجية تسعى إلى الهيمنة باسم الدين.

 

نفسية المغاربة: بين الولاء والوعي

من خلال الإيحاء بأن “المرجعية الدينية” أصبحت تعويضا عن غياب القومية أو الفكر السياسي، يُفترض ضمنيا أن الشعب المغربي يعيش حالة فراغ نفسي تُملأ بالدين. وهذا تجاهل صارخ لتاريخ طويل من التوازن بين الروح الوطنية، والانتماء الديني، والولاء للعرش. المغاربة لا يختزلون علاقتهم بالملك في الدين فقط، بل في رمزية الاستمرارية، الحماية، والهوية الجامعة.

 

النموذج المغربي: فلسفة لا تُختزل

يُغفل المقال أن إمارة المؤمنين ليست مجرد أداة سياسية، بل مشروع فلسفي يُعيد تنظيم العلاقة بين المقدّس والسياسي، بين الحاكم والمحكوم، في صيغة لا هي ثيوقراطية ولا علمانية متطرفة. إنها حالة مغربية خاصة، لا يمكن فهمها بمنطق الصراع الفرنسي بين الجمهورية والكنيسة، ولا بمنطق المواجهة بين السلطوية والديمقراطية.

 

خاتمة

إن قراءة النموذج المغربي من زاوية الصراع مع الإسلاميين، أو من خلال عدسة “الاحتكار الديني”، تُفقده عمقه التاريخي والفلسفي. المغرب لا يعيش أزمة هوية، بل يُعيد إنتاجها ضمن توازن دقيق بين الدولة المدنية والدولة الدينية، بين الحداثة والخصوصية، وبين الملكية والشعب. وإذا كان المقال قد حاول أن يُحلل، فإننا نأمل أن يُحلل بعمق، لا أن يُبسط بتسرّع.