عبد الصمد الديالمي
في المغرب، منذ السبعينيات، لم تتوقف الأحزاب السياسية والقوى النَّسَوية النسائية والرجولية وعلماء الشريعة والقانون وعلماء الاجتماع عن “المناقشة” حول الأحوال الشخصية والأسرة ووضع المرأة في المجتمع المغربي.
وبفضل تحكيم الملك/أمير المؤمنين، أدت هذه المناقشة إلى إصدار “مدونة الأسرة” عام 2004 ليحل محل “مدونة الأحوال الشخصية”، التي اعتبرت غير عادلة للغاية تجاه المرأة. ورغم عدم رضا النسويات والنسويين عن هذه المدونة، فإن بعض علماء الشريعة والقوى المحافظة والمغاربة العاديين رأوا في تلك المدونة خيانة للشريعة، خاصة بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة (التشريعية والتنفيذية) في عام 2012. ضد تلك المقاومات البطريركية، نشرت سنة 2013 مقالا بعنوان “كرروا للرجال وللإسلاميين أن مدونة الأسرة هي الصيغة المغربية للشريعة الإسلامية”.
واليوم أكرر هذا الرد لأولئك الذين يقاومون الإصلاح الحالي. بالنسبة لهؤلاء “المقاومين والمقاومات”، فإن المراجعات التي سيتم إدخالها على مدونة الأسرة هي خيانة للشريعة. وهنا أكرر مرة أخرى إن المقترحات الحالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية حيث تم التصديق عليها من قبل “المجلس العامي الأعلى برئاسة الملك / أمير المؤمنين. هل من مؤسسة أخرى مخول لها أن تمثل الشريعة غير هذا المجلس؟ هل يستقيم أن نتهم هذا المجلس بخيانة الشريعة؟ ألم يوافق المجلس على الحقوق الجديدة للمرأة باسم الشريعة كما يفسرها المذهب الإسلامي الرسمي في المغرب، وأقصد بة المالكية؟ فلماذا تثير تلك الحقوق غضب “المقاومين والمقاومات”؟
هل يصح أن ندعي إن “المجلس العلمي الأعلى” لم يكن ملتزماً بالشريعة إلا عندما رفض: 1) عدم الاعتراف بالأبوة على أساس اختبار الحمض النووي الإيجابي، 2) إلغاء التعصيب، 3) التوارث بين بين الرجل المسلم والمرأة غير المسلمة، 4) إلغاء تعدد الزوجات، 5) إلغاء الزواج العرفي للفتيات دون سن 17 سنة بقراءة الفاتحة، 6) عدم إلزام الزوجة بالنفقة على الأسرة سواء من خلال عملها المنزلي أو من خلال دخلها (إن كان لها دخل). وهل يجوز اختزال الشريعة الإسلامية في هذه النقاط الست فيما يتعلق بالأسرة؟
أن نعتبر هذه النقاط الست تظهر لوحدها التزام المجلي العلمي الأعلى بالشريعة تجني على المجلس، وأن نعتبر الحقوق الجديدة التي اعترف بها المجاس للنساء حقوقا غير إسلامية تجني ثاني على المجلس، وكلاهما أمر يفتقر إلى المنطق التاريخي. فإذا كانت الشريعة تشريعا صالحا لكل زمان وفي كل مكان، فإن الحقوق التي اعترف بها علماء الشريعة في 1957، ثم في عام 1993، ثم في عام 2004، وتلك التي سيعترفون بها مرة جديدة في عام 2025، هي الدليل على تطور الشريعة الإسلامية، بحيث يتم إعادة تفسيرها باستمرار وفقًا للضرورات الاجتماعية والتاريخية التي تحيط بالأسرة المغربية.
فهي أسرة تتطور باستمرار، ولا يمكن أن تحكمها شريعة لا تتطور. من خلال التطور إذن، يمكن للشريعة أن تواكب تطور الأسرة المغربية. ومن ثم دمج حقوق الإنسان في الشريعة كما بينت ذلك عام 2002 في مقالتي “في الاستمرارية بين الشريعة الإسلامية والشريعة الدولية في عدم التمييز بين النساء والرجال في قانون الأسرة” (مقدمات، طبعة خاصة، رقم 4، 2002، صص. 68ـ88).
بفضل الاستمرارية بين الشريعتين، سيدمج إصلاح مدونة الأسرة في عام 2025 الوصاية القانونية للأم على أطفالها وإخراج بيت الزوجية من التركة (من بين حقوق أخرى)، وسيأتي بعد ذلك إصلاح آخر على الأمد المتوسط ليدمج النقط الستة (الباقية) بفضل اجتهاد أكثر جرأة.
ولن ينتظر هذا الإصلاح الجدري 20 عاماً أخرى حتى يتم تنفيذه: فالضغط النَّسَوي أصبح أقوى اليوم(بفضل القناعة النَّسَوية féministe الملكية)، والعلماء مجبرون على الاجتهاد بشكل مجدد ومتجدد أكثر فأكثر، بل على مراجعة قواعد الاجتهاد التي ورثوها والتي وضعت في القرن الربع الهجري. ألا يجب على علماء الشريعة اليوم أن يضعوا قواعد جديدة للاجتهاد؟ وقد سبق لنا أن طرحنا عليهم بالفعل هذا السؤال سنة 2000 عندما كتبنا “من أجل قواعد جديدة للاجتهاد. نحو اجتهاد نَسَوي” (في القضية النسائية ودور الاجتهاد في الإسلام، جسور، 2000، ص 124-126).
وقد تم تعميق وتطوير هذا المقال في مقالتنا المذكورة أعلاه حول الاستمرارية بين الشريعتين. ونشير هنا إلى أن هذا النص نشر من جديد في كتابنا “نحو إصلاح جنسي في المجتمعات الإسلامية” سنة 2021.
ـــــــــــــــــــ
المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك:
المصدر : https://dinpresse.net/?p=22380