تصحيح المفاهيم (2) العلمانية

22 نوفمبر 2025

محمد زاوي

لا يصح الحديث عن نشأة العلمانية في الغرب دون حديث عن صعود البورجوازية الأوروبية ومعركتها مع الإقطاع.. إنها تجربة خاصة في الموقف من الدين، مرتبطة بخطاب الكنيسة كما هي مرتبطة بمضمونها الاجتماعي.. فصل الدين عن الدولة في هذه التجربة ليس سببا، بل نتيجة. أما السبب الحقيقي للعلمانية فهو القيود التي كانت تفرضها الكنيسة على الطبقة الجديدة وقواها الإنتاجية. إن أول فصل مهد للعلمانية هو ذاك الذي حصل بين قواعد الكنيسة والنظام الاجتماعي الصاعد، وبلغة أكثر دقة: بين قواعد الكنيسة وتطور بنية الإنتاج.

وبخصوص فلسفة “العلمانية المتطرفة”، أي تلك التي وجهت سهامها النقدية للوجدان الديني ككل، فقد كانت نتيجة احتدام التناقض بين نظام اجتماعي قديم متهالك (الإقطاع) وآخر جديد صاعد (الرأسمالية).. إلحاد ديدرو وشعار “اشنقوا آخر إقطاعي بأمعاء آخر قسيس” تجليان إيديولوجيان لهذا التناقض (ع. الموذن، ثورة ماركس في نظرية المعرفة).. ولأن ألمانيا لم تعرف هذا الصراع المحتدم، فقد تأسس فيها علم كلام مسيحي لم يتأسس له نظير في فرنسا مثلا، نتكلم هنا عن شيلينغ ولايبنتس مرورا بكانط ووصولا إلى هيجل (“مفهوم الحرية” لعبد الله العروي).. هناك من سيتحجج بكلامية ديكارت، وهذا كانت مساهمته الكلامية توقيفية واهتم بتقاسم النفوذ مع الكنيسة أكثر من اهتمامه بالتأويل التفصيلي في المتن المسيحي.

إذا كان الأمر كما ذكرنا، فإننا نجد رافضي “العلمانية” والمطالبين بها يغفلون مسألة غاية في الأهمية، وهي أن المجتمع ينتج أجوبته حسب شروطه، ولن يرفض “علمانية متوقعة” كما لن يطلب “علمانية مؤجلة”.. المجتمع يتقدم ويتطور حسب الشروط المتاحة، ووفق تناقضه الاجتماعي. العامل الأساسي إذن هو “حركته الموضوعية” و”جوهره الاجتماعي”، وباقي الاستدعاءات إيديولوجية.

وإذا جاز لنا التفكير في المستقبل فإنه لن يخرج عن أفقين:

-نضج في العلاقة بالدين: بتخليصه من كل السلط وتحريره لمصلحة الفرد والمجتمع.

-نضج في العلاقة بالسياسة: بممارستها كسياسة هدفها تحقيق المصالح وتدبير ملكية الإنتاج.

كل خطاب أو حديث عن “العلمانية” قبل هذا الأفق فهو من باب الإيديولوجيا، أو من باب الأمل الوجودي والاجتماعي.. في حين أن الفاعل السياسي والثقافي يحدد إشكاليته على أساس واقعي: ما المطلوب الآن وحالا؟

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

توكل كرمان.. من جائزة نوبل إلى خطاب الفتنة

عمر العمري تقدم توكل كرمان نفسها، منذ حصولها على جائزة نوبل للسلام سنة 2011، بوصفها رمزا عالميا للحرية وحقوق الإنسان، إلا أن مسارها الإعلامي والسياسي اللاحق سرعان ما كشف عن تناقض صارخ بين الشعارات والممارسة. فبدل أن تكون صوتا للحوار والسلام، تحولت إلى منبر للتحريض والتجريح، مستخدمة المنصات الرقمية لنشر خطاب عدائي يستهدف المغرب ومؤسساته […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...