تربية العقل الإبداعي

‏العقل السياحي يسأل

ذ محمد جناي
2020-10-21T07:13:14+01:00
دراسات وبحوث
ذ محمد جناي21 أكتوبر 2020آخر تحديث : الأربعاء 21 أكتوبر 2020 - 7:13 صباحًا
تربية العقل الإبداعي

ذ. محمد جناي
التربية بوجه عام هي تشكيل اتجاهات الأفراد وفق قيم معينة وإعانتهم على تكوين النظرة السليمة للحياة ،وهي تقترن بالتعليم الذي يثقل ملكات هؤلاء الأفراد وينمي مواهبهم واستعداداتهم في شتى المجالات ، وهذا يؤكد لنا على أن التربية اللبنة الأهم في هذا الموضوع الذي نحن بصدده فإذا أردنا مبدعا فلنربه على الإبداع لا على التبعية والتقاليد لنعطي المتربين مفاتيح التفكير التي تستمد قوتها من القدرة على التساؤل تلك القدرة التي تنشط في الطفولة ثم تخمد بإهمالها بالتدرج وقد لا نكتفي بقتلها داخلنا فنتوجه لقتلها عمدا لدى أطفالنا وفي البيئة المحيطة بنا.

مفهوم الإبداع
تعرف الموسوعة الفلسفية العربية الإبداع على أنه إنتاج شيء جديد أو صياغة عناصر موجودة بصورة جديدة في أحد المجالات كالعلوم والفنون والآداب ، وأما الموسوعة البريطانية الجديدة فتعرفه على أنه القدرة على إيجاد شيء جديد كحل لمشكلة ما أداة جديدة أو أثر فني أو أسلوب جديد.

وفي قاموس علم النفس يعرف “ريبر”الإبداع بأنه تعبير يستخدمه المختصون وغيرهم للإشارة إلى العمليات العقلية التي تؤدي إلى حلول أو أفكار أو أشكال فنية أو نظريات أو نتاجات فريدة أو جديدة،، ويرى آخرون أن الإبداع هو المحصلة الناتجة عن القدرة على التنبؤ بالصعوبات والمشكلات التي قد تطرأ أثناء التعامل مع قضايا الحياة ومن ثم القدرة على التفكير بشكل مختلف ومبدع، والوصول إلى إيجاد حل مناسب.

نستنتج مما سبق أن الأصالة والجدة كما يبدو هي العامل المشترك بين هذه التعريفات وهي المحل الأهم في الحكم على مستوى الإبداع في نتاجات الأفراد عموما .

وسائل تنمية الإبداع
إن ديننا الحنيف لهو أعظم محفز في حث همة المسلم وتنمية مهاراته الإبداعية وغيرها ونعرض هنا لذكر بعض الوسائل المعينة على تنمية الإبداع:

أولا : إدارة الذات
فكلما استشعر المرء أن وقت أعظم العظماء هو نفسه وقت من هو دونه كلاهما حباه الله بوقت محدد يوميا لايزيد ثانية ولاينقص ،فالكل يمتلك أربعة وعشرون ساعة في اليوم ولكن الفرق في كيفية إدارة الذات واستغلال ثواني الحياة في كل مايعود على الفرد والأمة بالتقدم والرقي كلما استشعر الفرد منا ذلك وحرص على تعميق هذا المفهوم من خلال تغيير القناعة بأي أفكار تحول دون الفرد وتحقيق مايطمح إليه من أمور إيجابية وكذلك المجاهدة المستمرة لرغبات النفس التي تقعد بالفرد دون تحقيق الاستثمار الأمثل في أغلى مايملك من قدراته التي ليس لها حدود مع مران مستمر يزوده بخبرات متعددة يجمع فيها عقول الآخرين لعقله فتتلاقح الأفكار بغية الوصول الأقصى مايمكن من إبداع كلما سار الفرد في هذا الطريق كلما سما في سماء الإبداع.

ثانيا : طرق النقاش المنهجي والمناظرات
فكلما فتح الإنسان لنفسه الآفاق في المناقشات حاول التفكير في الجديد والمفيد غالبا، فالتدريب على النقاش المنهجي البناء يؤدي إلى إثراء الخلايا التخزينية في العقل فيمنح خصوبة في الخيال ويعين على مزيد من التداعي للأفكار والتلاقح بعدها بين العقول لأن صاحب النظرة الإيجابية دائما ماينظر بإشراق في تعاطيه للأمور وموازنا بين النظرة المشرقة والسلبيات المنطقية التي يجب عليه مراعاتها لتلافيها واصلا بين ذلك بإبداع يتولد من إدارة تفكيرية جيدة تساعده في التنقل بين أنماط التفكير المختلفة التي تكسبه بعدا في التعاطي مع مختلف القرارات والمشكلات حالا لهذه ومتخذا لتلك بعيدا عن أي تحزب أو تعصب.

ثالثا: التفكر
وهذا ما خص عليه الشارع الحكيم في كثير من المواضع بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة فزعا وقال لقد أنزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتدبر فيها :(اِنَّ فِے خَلْقِ اِ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِ وَاخْتِلَٰفِ اِ۬ليْلِ وَالنَّه۪ارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِے اِ۬لَالْبَٰبِ) (190)، فكلما ترك الإنسان لفكره العنان كلما توسعت دائرة تفكيره واتسع مجال إدراكه وسعى نحو التميز والإبداع،لأنه لم يحجز عقله عند فكرة معينة ولم يحصره في زاوية ضيقة خارجا بتفكيره من الصندوق الذي دخله مجبرا أو مختارا لظرف من الظروف إلى الفضاء الرحب الوسيع ليجد الحرية التي تقوده ليكون على رأس المبدعين.

رابعا: التنويع
لقد حرص الإسلام على تفرد كل مسلم بشخصية مستقلة مبدعة عن الأخرى فالمتأمل في واقع الصحابة الكرام يجد عجبا في تفاوت شخصياتهم واختلافها وهذا فيه دلالة قاطعة على أن الدين الحنيف لم يأتي بالتبعية المقيتة إنما جاء بالرحمة الكبيرة واضعا للناس الطرق التي يسيرون عليها والضوابط التي ينضبطون بها في طريق سيرهم إلى الله تعالى ثم بعد ذلك ترك المجال لهم ليتنافسوا منافسة شريفة على وفق هذه الضوابط والإمكانات ولم يحجر عليهم وهذا ماصنع منهم رجالا مبدعين في شتى الميادين.

خامسا: المكافأة
هذا العامل المهم الذي يحتاجه حتى من بلغ أعلى الدرجات والمراتب فمن الناس من يحتاج لكلمة شكر أو تقدير تخفف عنه كثير من العناء الذي لاقاه أو مر به يقول الرسول عليه الصلاة والسلام :” لا يشكر الله من لا يشكر الناس”.

والمتأمل في ربط الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام في تعامله مع صحابته الكرام وتحفيزه لهم ، وقائمة المكافئات التي قدمها لهم في مناسبات شتى لايبقي لديه شك في أهمية هذه الوسيلة المساعدة على تنمية الإبداع فها هو عليه الصلاة والسلام كما يذكر أصحاب السير في غزوة الأحزاب يقف في أصحابه ويقول لهم من يذهب ويعرف لنا خبر القوم وهو رفيقي في الجنة!! هل هناك أعظم من هذه المكافئة؟!

المبدع بشر يمتلك من الانفعالات البشرية التي يشترك فيها كل البشر مايدفعه إلى مايطمح إليه البشر قل ذلك أم كثر فالأصل واحد تأمل في تعريف الخلق: صفة مستقرة في النفس فطرية أو مكتسبة ذات آثار في السلوك محمودة أو مذمومة إذا فهو كما يقول بن تيمية رحمه الله تعالى عليه “الحسد موجود في كل أحد ولكن الكريم يبديه واللئيم يخفيه كذلك الشجاعة قد تصل للتهور أو تنحط للجبن ونحن نطالب بالوسط الذي إذا مافعل كان له عظيم الأثر في دفع المبدعين وإثارة التنافس فيما بينهم “.

سادسا: البيئة المحيطة
وكلما صفت الأجواء المحيطة بالمبدعين كلما حلقوا في سماء الإبداع فمع أهمية ما مر من وسائل وارتباط الكثير منها بهذه الوسيلة فليس من المنطقي أن تجد مبدعا في بيئة لا تشجع على الإبداع بل في بعض الأحيان في بيئة قد تفشل أي إبداع لذلك كانت هذه الوسيلة مهمة إذا نميت ولاقت اهتماما واسعا لأننا نلمس وبشدة أن كثيرا من صناع القرار في مراكزهم من أم وأب ومدرس ومدبر وغيرهم يمارسون نوعا من الضغط النفسي على من تحت أيديهم بطريقة مباشرة حيث غياب المناخ الآمن والمشجع في التفكير الحر ولهذا يولد نوعا من الحواجز التي تحول دونهم ودون الإبداع، فلذلك كلما هيئة البيئة كلما خطونا خطوات في طريق الإبداع في شتى المجالات.

ختاما
يقوم العقل الإبداعي بإثارة الأسئلة حول المألوفات، ثم هو يقيمها وينقدها؛ إذ يلزم التفكير الإبداعي أن يسبقه تفكيرٌ ناقد، ثم هو يصنع من تلك المألوفات أشياء غير مألوفة، وهذا هو جوهر الإبداع، ولعلك بهذا تتيقن أنَّ داء الإلف والعادة لا يجتمع والعقل الإبداعي، إذ هما يتناقضان، وعليه فإنَّ على المحاضن التربوية إذا عزمت على تربية العقل الإبداعي – الذي يستنبط ويكثر الأسئلة – أنْ تتنبه لخطورة هذا الداء، فإنَّ التلاميذ إذا عايشوا محضناً خاضعاً لسيطرته فلن تفلح كل وسائل التربية في تكوين ملكة الإبداع، حيث التأثير الأعمق سيكون للمفاهيم التربوية التي تُغرس عن طريق المعايشة.
ــــــــــــــ
المراجع المعتمدة:
* ورقة عمل الإبداع ملتقى الرياض -الجمعية العلمية السعودية للتدريب وتطوير الموارد البشرية – م / محمد بن عبد الرحيم بن سعيد آل ناقرو مدرب معتمد في إدارة الحياة والقراءة السريعة معهد الإنتاجية الأمريكي.
* مجلةالبيان، العدد ( 365 ) ، قضايا تربوية،تربية العقل الإبداعي ،فايز بن سعيد الزهراني.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.