ترامب والمثلية: توظيف سياسي لصراع الهوية في أمريكا

دينبريس
2025-03-06T09:42:31+01:00
تقارير
دينبريسمنذ 5 ساعاتآخر تحديث : الخميس 6 مارس 2025 - 9:42 صباحًا
ترامب والمثلية: توظيف سياسي لصراع الهوية في أمريكا

دين بريس ـ سعيد الزياني
يعتبر دونالد ترامب واحدا من أكثر الرؤساء الأمريكيين إثارة للجدل فيما يتعلق بمواقفه من قضايا المجتمع “المثلي”، حيث شهدت فترة رئاسته الأولى، وكذلك حملته للعودة إلى البيت الأبيض، تصعيدا واضحا في الخطاب المحافظ الذي يستهدف المثلية والتحول الجندري.

وكانت هذه المواقف مرتبطة بإجراءات تنفيذية وسياسات رسمية عكست توجها أيديولوجيا محددا، فهي تأتي في سياقات سياسية تهدف إلى استمالة التيار المحافظ واليمين المسيحي، اضافة إلى دورها في إعادة تشكيل الثقافة السياسية الأمريكية، حيث باتت المثلية والتحول الجندري مواضيع رئيسية في حروب الهوية التي تتجاوز مجرد السياسات الاجتماعية إلى ساحات المعارك الانتخابية والدينية.

وهاجم ترامب، في خطابه الأخير أمام الكونغرس، السياسات الداعمة للتحول الجندري، معتبرا إياها جزء من “الاستيقاظ الثقافي” (Wokeness) الذي يسعى إلى تفكيك القيم الأمريكية التقليدية، ومن بين تصريحاته الأكثر إثارة للجدل، قوله إن “هناك جنسين فقط، ذكر وأنثى”، وإصداره أوامر تنفيذية تحظر مشاركة المتحولين جنسيا في الرياضات النسائية، وتمنع المدارس من تعليم ما أسماه بـ”الأيديولوجيا الجندرية”.

ولم يكتف ترامب بذلك، بل انتقد أيضا التمويل الحكومي المخصص لمشاريع دعم مجتمع “الميم”، وذهب إلى حد السخرية من دراسة حكومية قال إنها “تصنع الفئران المتحولة جنسيا”، في إشارة إلى تمويل أبحاث طبية متعلقة بالهرمونات وتأثيرها على الجهاز المناعي.

بعد سياسي
من الناحية السياسية، يأتي موقف ترامب من المثلية ضمن استراتيجية مدروسة تهدف إلى كسب تأييد القاعدة المحافظة، خاصة اليمين المسيحي الإنجيلي، الذي يشكل أحد أهم روافد الدعم للحزب الجمهوري، فمنذ صعوده السياسي، أدرك ترامب أن التيارات المحافظة تشعر بقلق متزايد إزاء تغير الثقافة الاجتماعية في الولايات المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بحقوق المثليين والمتحولين جنسيا.

وركز ترامب في انتخابات 2024، على هذه القضايا لتوحيد صفوف قاعدته الانتخابية، مستخدما لغة حادة ضد “الإيديولوجيا التقدمية” التي يتهمها بإضعاف أمريكا وتقويض القيم العائلية، وهذا التوجه كان رد فعل على التحولات الاجتماعية التي شهدتها أمريكا خلال العقد الماضي، والتي أبرزها إضفاء الشرعية على زواج المثليين، وزيادة تمثيل المتحولين جنسيا في المؤسسات الرسمية، وانتشار المناهج التربوية التي تتحدث عن التنوع الجندري.

ولكن، رغم خطاب ترامب المتشدد، فإن الاستطلاعات تشير إلى أن أغلبية الأمريكيين لا يتبنون مواقفه في هذا الملف، فبحسب دراسة أجراها معهد PRRI، فإن 67% من الأمريكيين يؤيدون زواج المثليين، و75% يرفضون التمييز ضد مجتمع الميم، مما يضع ترامب وحلفاءه الجمهوريين في مواجهة اتجاه اجتماعي عام يميل نحو الليبرالية الثقافية، إلا أن هذه الأرقام لا تعني أن المعركة محسومة، فترامب يراهن على الانقسام الحاد في المجتمع الأمريكي، ويستخدم القضايا الجندرية كأداة لإثارة المخاوف بين الطبقات المحافظة، وخاصة في المناطق الريفية والولايات الجنوبية.

بعد ديني
ومن منظور اليمين المسيحي الإنجيلي، يمثل موقف ترامب امتدادا لرؤية دينية صارمة ترفض المثلية والتحول الجندري باعتبارهما خروجا عن “القيم الإلهية”، وتستند هذه الجماعات إلى تفسيرات كتابية ترى في العلاقات المثلية “خطيئة”، وتحذر من “الأجندة التقدمية” التي تسعى إلى إعادة تعريف مفاهيم الأسرة والجنس.

وأدرك ترامب، الذي لا يعرف بتدينه الشخصي، مبكرا أهمية دعم الإنجيليين، وقدم لهم في المقابل مواقف متشددة ضد حقوق مجتمع الميم، وهو ما عزز علاقته بهم منذ انتخابات 2016، فخلال رئاسته الأولى، قام بتعيين قضاة محافظين في المحكمة العليا، وسعى إلى إلغاء سياسات إدارة أوباما التي وسعت حقوق المثليين والمتحولين جنسيا، بما في ذلك حظر الخدمة العسكرية للمتحولين جنسيا، ودعم حق الشركات في رفض تقديم خدمات للأفراد بناء على المعتقدات الدينية.

وكرر، في خطابه أمام الكونغرس، عبارات تلعب على الوتر الديني، حيث قال إن “الأطفال خلقهم الله كما هم”، داعيا إلى حظر الرعاية الطبية المرتبطة بالتحول الجندري للقصر، وهي رسالة تتماشى مع الأجندة الدينية المحافظة، لكنها في الوقت ذاته تتجاهل موقف الكنائس الكبرى، مثل الكنيسة الكاثوليكية التي تبنت مواقف أكثر تسامحا تجاه المجتمع “المثلي”، بل إن البابا فرانسيس نفسه دعا إلى عدم إقصاء المثليين من الكنيسة.

انعكاسات
ويؤكد موقف ترامب أن المسألة الجندرية باتت في صلب الصراع السياسي الأمريكي، ولم تعد مجرد خلاف ديني أو أخلاقي، فالمتحولون جنسيا والمثليون أصبحوا أهدافا مباشرة لليمين المحافظ، وسط حملة سياسية وإعلامية تصفهم بأنهم تهديد “للقيم الأمريكية”، وعلى عكس من ذلك، فإن الديمقراطيين والجماعات الحقوقية يعتبرون خطاب ترامب جزء من حملة تضليل وتحريض تسعى إلى تقويض الحريات المدنية، وتغذية الانقسامات الاجتماعية.

وعلى المستوى العالمي، فإن خطاب ترامب المتشدد قد يعيد تشكيل سياسات الولايات المتحدة تجاه حقوق مجتمع الميم دوليا، حيث سبق له أن خفض التمويل الأمريكي للبرامج الداعمة لحقوق المثليين في الخارج، ومن المرجح أن يسعى إلى تعزيز هذه السياسات إذا عاد إلى الحكم.

وإذا استمر ترامب في نهجه التصعيدي، فمن المرجح أن يشهد المجتمع الأمريكي مزيدا من الاستقطاب حول قضايا الهوية والحقوق المدنية، وبالرعم من أن الاتجاه العام في الولايات المتحدة يميل إلى القبول التدريجي لحقوق المثليين والمتحولين جنسيا، فإن الصراع السياسي والثقافي سيبقى محتدما، خاصة في ظل سيطرة المحافظين على بعض مؤسسات الحكم والتشريع.

أما على الصعيد الانتخابي، فإن موقف ترامب المتشدد قد يكون سلاحا ذو حدين، فمن جهة، يعزز ولاء القاعدة المحافظة، لكنه من جهة أخرى قد يدفع الناخبين الوسطيين والمستقلين إلى الابتعاد عن الجمهوريين، خاصة في الولايات المتأرجحة.

ننتهي إلى ان موقف ترامب من المثلية هو جزء من استراتيجيته السياسية التي تهدف إلى إعادة تشكيل الثقافة السياسية الأمريكية عبر إشعال المعارك الأيديولوجية حول قضايا الهوية والجنس والدين.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.