4 أكتوبر 2025 / 10:31

تداعيات “الاستقالة الصامتة” للأسرة: جذور فورة الشباب

محمد احدو

إن التداعيات الخطيرة لتراجع الأسرة عن دورها التربوي والقيمي، تؤكد أن هذه “الاستقالة الصامتة” تُشكّل الجذر الأساسي لظاهرة “فورة الشباب الهدام” الذي ينحوا في تعبيراته الاجتماعية والسياسية نحو التخريب والتي تشهدها المجتمعات، ومنها المجتمع المغربي.

غياب الرقابة والتوجيه الأسري أساسا قبل أي دور للمدرسة ، يخلق فراغًا قيميًا وعاطفيًا لدى الأبناء، مما يجعلهم عرضة للانحراف، والجريمة، وتطرف السلوك. من حيث أن الآثار تمتد لتشمل ضعف المناعة الفكرية للشباب، وتآكل الأخلاق العامة، وتزايد التفكك الاجتماعي، الأمر الذي يُحوّل طاقة الشباب من عنصر بناء إلى عامل تخريب يهدد استقرار المجتمع واستمراريته.

وتُعد الأسرة الخلية الأساسية في المجتمع والمدرسة الأولى لتكوين شخصية الفرد وبنائه القيمي. وعندما تتراجع هذه المؤسسة عن مسؤوليتها الحيوية في التنشئة الأخلاقية، فإنها تُطلق سلسلة من الآثار السلبية التي تتجلى بوضوح في ظواهر اجتماعية خطيرة، أبرزها “فورة الشباب الهدام” وما يصاحبها من سلوكيات عنيفة وغير منضبطة.

إن غياب التوجيه الأسري المستمر، الناتج عن انشغال الوالدين وضغوط الحياة، يخلق لدى الشاب فراغًا قيميًا وعاطفيًا، ويفقده بوصلته الداخلية لتمييز الصواب من الخطأ. وبدلًا من تلقي القيم من مصدرها الأصيل داخل المنزل، يعتمد الشاب على مصادر خارجية عشوائية وغير منضبطة، كالأقران أو الإنترنت أو الشارع، لملء هذا الفراغ.

هذا النقص في الدفء العائلي والأمان يدفع الأبناء إلى محاولة التعبير عن شعورهم بالإهمال وعدم التقدير من خلال تبني التمرد والسلوكيات العدوانية، مما يجعلهم أكثر عرضة للانجراف نحو مسارات الانحراف والإدمان.

تتجاوز هذه التداعيات الإطار الفردي لتصبح آفة اجتماعية عامة، حيث يصبح الشاب غير الموجه سهل الانقياد والتأثر بضغط الأقران والأفكار المتطرفة والهدامة، لغياب المناعة الفكرية الكافية لديه. وعلى المستوى المجتمعي الأوسع، يؤدي هذا التراجع الأسري إلى التفكك الاجتماعي وتدهور في مستوى الأخلاق العامة؛ حيث تتراجع قيم جوهرية مثل احترام الكبير، وتوقير الأستاذ، والبر بالوالدين، وتتفاقم بدلاً منها السلوكيات اللاأخلاقية في الفضاء العام . إن ارتفاع معدلات الجريمة والانحراف بين الأحداث ما هو إلا نتيجة منطقية لضعف الرقابة والتوجيه الأبوي، فالمشكلات السلوكية الفردية تتحول إلى أزمات اجتماعية كبرى تهدد أمن المجتمع واستقراره.

كما أن الأفراد الذين نشأوا في بيئات أسرية مهملة يظهرون قدرة أقل على تحمل المسؤولية والتكيف مع الحياة المهنية، مما يزيد من مشكلات البطالة والتهميش. وهكذا، فإن “الاستقالة الصامتة” للأسرة تحوّل طاقة الشباب الكامنة من قوة بناء وإصلاح إلى قوة تخريب وهدم، وتكرس بذلك حلقة مفرغة من الخلل الاجتماعي تنتقل مع الأجيال.