بلال إسماعيل التل
هل كان نجيب محفوظ، مُلحداً؟
قد تتعجّب، لو أخبرتك، بأنّ الذي رماه بالإلحاد، وحرّض عليه الدولة المصريّة، ونشر كفره بين العالمين ليس الإسلاميّون، ولكنّهم الشيوعيّون، وعلى رأسهم يوسف إدريس، فإنّي لم أر أحداً يُبغض أحداً كما يُبغض يوسف إدريس نجيب محفوظ!
وودّ لو قتله وشرب من دمه، وهو أوّل من رماه بالعمالة لليهود بعد جائزة نوبل، وقال: لولا اليهود ما حصّلها، واستدلّ على ذلك، بأنّه كان من أخصّ أصدقاء اليهود، وأنا لا أنفي صحبة نجيب محفوظ لليهود، فإنّه كان كذلك، لكنّ يوسف إدريس كان هو الآخر من أخص أحباب اليهود، وكانا معاً يدعمان الصلح مع اليهود، وعظّما اتفاقية الصلح بين مصر وإسرائيل (رغم المعارضة الظاهرة). لكنّه بسبب الغيرة، رمى نجيب محفوظ بما ابتلي به!
ومن المعروف أنّ نوبل، مُسيّسة، وقد حرمت أمثال: تولستوي، وذهبت لأمثال برودوم، ومن هذا مُقارنة بتولستوي؟! ورواية (الحرب والسلام)؟ وحرم منها تشيكوف، وإبسن، وكل ذلك، بسبب أنّ الأوّل روسي، والثاني والثالث بسبب خصومة نوبل للمرأة وتحريرها، (كان يدعو تولستوي وتشيكوف للعدالة الاجتماعيّة، وإبسن يدعو لتحرير المرأة والتي اعتبرتها لجنة نوبل مثيرة للفتنة)!
وحين تقدّمت اللّجنة بجائزة نوبل فرويد، بسبب تأسيسه للطب النفسي الحديث، اعترض عليه أينشتاين، فتراجعت اللّجنة، رشح ليس للطب النفسي فقط، بل لأعماله الأدبيّة (كان روائيّاً أيضاً)، وسبب مُعارضة أينشتاين لفرويد، لأنّ الأخير أسس نظرياته النفسيّة على كلام إنشائي غير علمي (علم نفس تحليلي دون أدلّة تجريبيّة)، والذي سينهض به لاحقاً أيزنك، ويؤسّس للعلم النّفسي التجريبي (الطب النفسي اليوم).
وأمّا أبناء العالم الثالث فلا أحد نالها، اللهمّ غير طاغور، كذر للرماد في العيون. ونجيب محفوظ، والذي نجزم بأنّه يستحقّها كمؤسّس للرواية العربيّة، لكنّا نجزم أنّه لولا الدعم اليهودي لم ينلها. لأنّ هذه سياسة نوبل. المُشكلة في نوبل وليس في أدب نجيب.
ومن أراد نيلها من الروس، فعليه أن ينشق عن الاتّحاد الروسي، ومن أراد نيلها من العالم الثالث فعليه أن يُحارب العالم الثالث بفنّه (المنشقّون حسب القيم الغربيّة).
أمّا بالنّسبة لي، فإنّ أدباء مصر قد استفادوا من نوبل، أكثر ممّا استفاد منها نجيب محفوظ، لأنّ نوبل قد دفعت كبريات الصحف الغربيّة والأمريكيّة، لنشر فنّ مصر وأدبها وحضارتها، وترجمت العديد من أعمال المصريّين للغات أوربا، ومن هنا نشأت الطبقة المُدلّلة اللاّهية في الأدب المصري.
فالذي تولّى كبر تشويه صورة نجيب محفوظ، قبل نوبل وبعدها، هو يوسف إدريس، والإسلاميّون بريئون من ذلك، وهو الذي حرّض النّاس والدولة على رواية (أولاد حارتنا)، لا الأزهر، ولا غيره من الإسلاميّين، وجرت المُحاكمة الشهيرة للرواية بطلب من السلطة التي حرّضها يوسف إدريس لا بطلب من الإسلاميّين.
القاعدة التي تروى على لساني، هي: أدباء القرن العشرين أغلبهم ملاحدة. بعضهم عاد للإسلام وبعضهم لا، وكان نجيب محفوظ، في بدايته ميّالاً للأفكار الإلحاديّة، تبعاً لأستاذه سلامة موسى، لكنّ فكّره تطوّر بعد ذلك، وتحوّل للاشتراكيّة بشكل ظاهر، ثمّ ختمها بالأفكار الإسلاميّة التي ملأ بها كتبه.
ولا أدلّ على ذلك، من خطاب استلام جائزة نوبل، لم يذكر فيها غير أربعة أمور:
أوّلا: الله سُبحانه وتعالى.
ثانياً: والرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ثالثاً: والإسلام.
رابعاً: والحضارة الفرعونيّة.
فبالله، أهذا خطاب مُلحد مُجاهر بالإلحاد؟ (اقرؤوا الخطاب وتأكّدوا بأنفسكم).
وبشهادة سكرتيره الخاص محمّد صبري، والتي نشرها الأديب القعود، بأنّه شهد أنّ نجيب محفوظ كان يُصلّي في آخر أيّامه من الدنيا، وسأله قبيل وفاته عن التيمم، لعجزه عن الوضوء، وبنى على حسابه مسجداً كبيرا شهيراً، وله أوقاف على الفقراء والمحتاجين.
ومعاذ الله تعالى، أن أدافع عن رواية فيها إساءة لله تعالى مثل (أولاد حارتنا)، لكنّي أطرح وجهة نظر الكاتب، وهي: أنّها رمزيّة، لا تُشير للمرموز إليه، ولكنّه اقتبس معانيها كالسلطة المُطلقة، والصراع بين القوّة والعلم. أو العسكر (الفتوّات والعلم والمُصلحون) وأنا أغلّطه في هذه الرواية، لكنّي لا أستطيع تكفيره مع بيان عمل الكاتب، أي: هو لا يقصد الإساءة لله تعالى، ولكنّه أراد معنى الألوهيّة وأسقطها على البشر. وهذا من غير شك خطأ، لكنّه يظلّ في إطار الخطأ، لا الكفر..
والأطوار التي مرّ بها نجيب محفوظ:
أوّلاً: كان ميّالاً للإلحاد (الروايات الأولى مثل عبث الأقدار).
ثانيا: مال للاشتراكيّة (المجتمع كما هو).
ثالثاً: مال للوجوديّة (المجتمع السحري).
رابعاً: جمع بين الديمقراطيّة والاشتراكيّة والإسلام (المجتمع الرمزي).
خامساً: ملأ كتبه الأخيرة بالقرآن والسنّة، ومعانيهما (المجتمع الرمزي).
وانتهت حياته، حسب شهادة المُحيطين به، بخاتمة حسنة.
المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك